الخميس 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

حزب الله وعملية “حق الرد”

الخميس 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

هناك عدد من المؤشرات على أن تحركات حزب الله في جنوب لبنان، خلال الأيّام الماضية، كانت نوعاً من “التحريك” المضبوط (المحدود الحجم). والتساؤلات الآن هي عن تحديد الأهداف من هذا التحرك.
لو لم يقم الحزب يوم الاثنين الماضي بتفجير عن بعد، ضد دورية للجيش الإسرائيلي، فإنّه سيعاني على عدّة مستويات. فبين أعضائه وأنصاره ومنتقديه، سَيُقال إنّ الحزب يفقد قدرته على الردع، وعلى ممارسة “حق الرد”؛ وإنّ انشغاله في حرب سورية، التي كان من ضمن تداعياتها حرب مع السلفية الجهادية في لبنان من أهدافها الأساسية “حزب الله”، قد أدى إلى ضعف أداء الحزب.
واتهام الضعف هذا سيتعزز في ضوء حدثٍ وقع قبل يومين من عملية حزب اللّه؛ عندما أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي النار عبر الحدود اللبنانية، فأصيب جندي لبناني. وجاءت العملية أيضاً بعد يوم واحد من حادث أعلن عنه الجيش الإسرائيلي، بشأن شخصين حاولا التسلل عبر الحدود (شمال فلسطين)، أطلقت عليهما قذائف إسرائيلية أعادتهما أدراجهما (فيما ربما يكون محاولة أولى للحزب للرد على حادثة جرح الجندي اللبناني). فلو مضى حادث الجندي، وحادثة التسلل الفاشل من دون متابعة، لقيل إنّ الحزب لم يعد يشكل رأس الحربة اللبنانية في مواجهة الإسرائيليين، وإنّه غرق في دوامة المواجهات الطائفية وفي حرب سورية. بل إنّ الشهيد الذي نُفذت العملية باسمه “عملية علي حسن حيدر”، استُشهد هو أيضاً الشهر الماضي بينما كان يفكك جهاز تنصت إسرائيليا في الجنوب اللبناني، وهو ما يستلزم بدوره رداً باعتبار التجسس ذاته عملا عدائياً.
إذن، أصبح الرد ضرورياً حتى لا يكون سقوط الشهداء، بدءا من اغتيال عماد مغنية في دمشق (العام 2008) إلى حيدر، من دون رد؛ وحتى لا يصبح الحزب شأنه شأن النظام السوري، يتحدث عن “حق الرد” كلما استهدفه الإسرائيليون، ولكن من دون أي رد حقيقي.
لم تؤد عمليّة الثلاثاء إلى خسائر تذكر، عدا جراحا متوسطة لجنديين إسرائيليين. ولكنها تؤدي الرسالة المطلوبة.
والرسالة ليست موجهة للرأي العام اللبناني والجمهور العربي، وحسب، على أهمية ذلك، بل هي تحذير للإسرائيليين أيضاً، وحفاظ حقيقي على قدرة الردع. إذ إنّ مثل هذه العملية ضرورية حتى لا يختمر شك عند قيادات دولة الاحتلال بأنّها قادرة على استباحة مناطق نفوذ حزب الله من دون رد، ولتوجيه رسالة بأنّ التفوق لدى حزب الله في العمل الاستخباراتي، وحرب المجموعات الصغيرة، ما يزال قائماً، فضلا عن الترسانة الصاروخية التي لا يذكر أنّها تعرضت لأي مسّ بسبب الحرب في سورية.
لعل مكان العملية، ومكان الرد الإسرائيلي، أي “مزارع شبعا” و“كفر شوبا”، يوحي بأنّ كلا الطرفين يريدان بقاء المواجهة في إطار محدود؛ بالبقاء في هذه المنطقة المتوترة وعدم الخروج لجبهات أوسع. ويمكن القول إنّ الطرفين يقومان، من ناحية الهدف السياسي، بعمليات تتراوح بين جس النبض حول أهداف كل طرف في الوقت الحالي، وبين الاستعدادات العسكرية لكل منهما. كما أنهما، وخارج إطار جس النبض، لديهما هدف سياسي؛ وهو الحاجة إلى مقدار محدود من التوتر في الجنوب اللبناني. فالحزب يثبت بهذا موقعه في المقاومة ومواجهة الاحتلال، والإسرائيليون بحاجة لتوتر يذكّر العالم المنشغل بحرب “داعش” أنّ لديه أخطارا أيضاً. ويسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بإصرار، إلى أن يصور للعالم أنّ الخطر الذي يعانيه هو من نفس النوع “الإسلامي”.
خطورة تكتيك “جس النبض” أنّه يفلت من السيطرة أحياناً، ويتحول إلى سياسة “حافة الهاوية” التي تزيد التوتر لدرجات عالية، تتطلب من جهة حشداً مكلفاً للقوات والموارد، وتتضمن من جهة أخرى تداعيات سياسية متعددة، فضلا عن احتمالات السقوط في الهاوية إذا لم يتراجع الطرفان عن المواجهة الفعلية، ولم يلتزما بالاقتراب الشديد منها.
نحن غالبا أمام عملية تحريك محدودة لجبهة الجنوب اللبناني، لأسباب منها تذكير حزب الله للعالم بأنّه لم ينس مزارع شبعا المحتلة، وأنّه لم يضعف في مواجهة الإسرائيليين، وأنّه لا يمكن إسقاطه من حسابات التدخل الدولي في المنطقة كليّاً. فيما الطرف الإسرائيلي يحتاج لبعض التوتر ليبقى قادراً على زعم تعرضه لخطر دائم، ما يبرر سياساته العدوانية والتوسعية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165870

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165870 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010