الأربعاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

تحويل الصراع ورفض أغنية “يا طير الطاير”

الأربعاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

عندما تُطرَح تصورات للتعامل مع الصراع العربي-الإسرائيلي، تتجاوز الثنائيات التقليدية؛ المقاومة المباشرة والمفاوضات، يُثير الأمر استهجاناً من قطاعات مختلفة.
أذكر أنّ هذا حدث عندما كتبتُ، مثلا، قبل سنوات، أدعو إلى تجاوز فكرة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية على أساس التوافق الفتحاوي والحمساوي، إلى العمل على “تفعيل” مؤسسات المنظمة، وإيجاد آلية محددة شرحتها في حينه تسمى “فيدراليات” وأطر عمل تجمع طاقات الشعب الفلسطيني من شتى المشارب من جديد. فكان الحديث أن هذا يحتاج وقتا طويلا، وأنّ التركيز يجب أن ينصب على الإصلاح السريع للمنظمة. ومضت السنوات ولم يتم إصلاح المنظمة بالطريقة الفوقية للفصائل، ولا التفعيل أو الإصلاح من القاعدة.
الشيء نفسه يقال عند الحديث عن فكرة “تحويل الصراع”. وهو أمر كتبت عنه الأسبوع الماضي، إذ قلت إن إدارة الصراع بمعنى احتوائه هي ما يسيطر على التعامل مع كل من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، أو ما بين “فتح” و“حماس”، فيما “حل الصراع”، بمعنى حل مشكلاته أو الوصول لتسوية، مستعصٍ، خصوصاً بسبب الرفض الإسرائيلي للحل. أما تحويل الصراع؛ بمعنى العمل على إعادة تشكيل الأطراف المتصارعة ذاتها، كما بيئة الصراع؛ اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا وعاطفيا وأخلاقيا، فهو ما يتم. وهي عملية يقوم بها الجانبان الإسرائيلي والأميركي، وانجرّ إليه الجانب الفلسطيني؛ فأعيد تعريف أرض فلسطين وشعبها، وأقصيت منه فئات، أهمها فلسطينيو أرض الاحتلال الأول. وبالتالي، المطلوب خطة مضادة لمنع تحويل الصراع، والعودة إلى “الينابيع”.
هذا الأمر ليس ترفاً. والقول إنّه ترف حالة شائعة في عالم إدارة الصراع ومعالجتها؛ إذ إنّ الشعور بالاستعجال وبعظم المأساة اليومية، يؤدي إلى شعور بأنّ أي شيء من دون المواجهة المباشرة للمشكلة ترف. ولكن التدقيق في الحالة الفلسطينية، يؤدي إلى اتضاح أنّ هذه العملية (محاولة التعامل مع الصراع بأسلوب التحويل) كان قائماً، ومورس فلسطينيّاً بشدة من خلال محاولة تغيير بيئة الصراع، والتدافع السياسي حول تعريف الصراع وأطرافه. فإنشاء حركة القوميين العرب كان محاولة لوضع الصراع في إطار عربي-إسرائيلي، وابتعاد الإخوان المسلمين عن ميدان الكفاح المسلح لعقود، كان محاولة لإقامة دولة ومجتمع إسلاميين قبل المواجهة مع العدو. وانتهت تجربة القوميين العرب بتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نهاية الستينيات، وتمت محاولة للتنسيق بين المشاريع القومية، والماركسية الأممية والشأن الفلسطيني. وانتهت تلك المدرسة في الفكر الإخواني بتأسيس “حماس” نهاية الثمانينيات، وجرت وتجري محاولات للتنسيق بين التعريف الإسلامي الدعوي، وإقامة الدولة في مسارات أكبر من الوطنية، خارج فلسطين، مع مشروع وطني فلسطيني قوامه “حماس”.
إذن، منهج “تحويل” الصراع بالعمل على التأثير في تعريف وتحديد أطرافه وهوياتهم، قائم ومنذ زمن طويل، وفي الممارسة العملية لا يزعم أحد أنّ هذا ترفا. بالمثل، فإن حركة “فتح” قدمت تعريفاً وطنياً أقرب لعدم انتظار عمليات التحويل الكبرى (إلى القومية والإسلامية)، وتبنت مشروعا وطنيا قائما على تحويل اللاجئ إلى مقاتل، قبل أن تتداعى وتتواصل عمليات تحويل؛ من فكرة الوطن والعودة والفلسطيني الموحد في كل مكان وزمان، إلى فكرة الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين، فأعيد تعريف معضلة القضية الفلسطينية من مسألة الوطن، وحق العودة، إلى مسألة “الدولة” و“الكيانية”. وأدى هذا إلى إعادة تعريف ماذا تعني فلسطين ومن هو الفلسطيني. وهذا ما يصر عليه الإسرائيليون. من هنا وجدنا بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، يستشيط غضبا من أغنية “يا طير الطاير”، التي أعاد غناءها الشاب محمد عساف، فاحتجّ في آب (أغسطس) 2013، في رسالة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، على هذه الأغنية، التي تقول “بلادي حلوة يا ما شاء الله... ميّل ع صفد حوِّل ع طبريا... لعكا وحيفا سلّم عبحرها... ولا تنسى الناصرة هالقلعة العربية... بشّر بيسان برجعة أهلها”. فهذه أغنية تعاكس كل فكرة إعادة التعريف، وغسل الدماغ.
الخطوة الأولى بشأن عملية “تحويل” الصراع، رفض عمليات التحويل الحالية، بدءا من تعريف فلسطين جغرافيا بالضفة الغربية وقطاع غزة، وصولا إلى تأكيد أن أي حركة وطنية فلسطينية تمثل كل الفلسطينيين، وصولا إلى منع تحويل المناضل من فدائي إلى موظف وبيروقراطي وعنصر جهاز أمني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165768

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165768 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010