الاثنين 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

في عيد الأضحى: خواطر… ورؤى

الاثنين 6 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par معن بشور

في هذه اللحظات الدموية التي تعصف بأقطار امتنا على امتداد الوطن الكبير، وفي هذه المرحلة العصيبة التي تأخذ فيها الحرب على الاسلام، كما على العروبة، أخطر اشكالها لانها تستهدفهما في جوهرهما ومعانيهما، كعقيدة وكهوية، يطل عيد الاضحى المبارك، بكل معانيه ورمزيته ليطرح على كل منا سؤال بديهي: هل نفرح بهذا العيد ام ننأى عن الفرح به ونحن نشهد الجرائم والمعاصي والمجازر والارتكابات تفتك يومياً بكل معاني هذا العيد والقيم التي يزخر بها.
واذا كان السؤال بديهياً في كل مكان وزمان، فالجواب عليه مركبّ معقد لا ينبغي استسهاله ولا استعجاله، فحال أمتنا هذه الايام كحال كأس نصفه ممتلئ ونصفه فارغ، وكل نظرة الى احد النصفين لا تصيب الحقيقة، فالممتلئ من هذا الكأس يملؤنا اعتزازاً وتفاؤلاً، فيما الفارغ منخ ينتظر منا ان نملأه، عملاً دؤوباً، وجهداً مخلصاً، وكفاحاً اصيلاً، ووعياً عميقاً لا تستقيم امور امتنا الاّ به مهما ادلهمت عليها الخُطًب وتكاثرت الآلاعيب واشتدت المؤامرات.
والنصف الممتلئ من الكأس هو احساسنا ان اعداء امتنا التاريخيين من صهاينة ومستعمرين وادواتهما يعيشون الهزائم في اكثر من ساحة، ويعانون من ازمة بنيوية وقلق مصيري وارتباك في الرؤية والخيارات، فكل خطوة يخطونها تدخلهم في مأزق جديد، وكل مشروع يصوغونه تبرز فيه الف ثغرة، والسلاح الوحيد بيدهم هو تدمير شامل لدولنا ومجتمعاتنا ومواردنا وجيوشنا وثقاتنا وهويتنا وصولاً الى اسقاط رسالتنا الانسانية الخالدة، وهو تدمير لا يسعى لاحباطنا في الحاضر والمستقبل، بل يحاول ايضا الانتقام التاريخي من كفاح طويل مديد لأمتنا، ومقاومة عنيدة متنامية لابنائها البواسل، اسهما بشكل خاص في ادخال اعدائنا جميعاً في الازمة تلو الازمة.
وهذا الكفاح الطويل والمقاومة المتعددة الاشكال للاعداء من زمن الفرنجة وحتى اليوم، ما كان له ان يستمر ويحقق ما حققه من انتصارات لولا التضحيات الجسيمة التي قدمها أبناء هذه الأمة، من مغربها الى مشرقها، فانهوا عصوراً استعمارية كاملة، وواجهوا غزوات دموية متنوعة.
اما النصف الفارغ من الكأس، والذي يتحدث عنه، كل يوم، كل أبناء الأمة وهم يتطلعون الى ما حولهم من مظاهر التشظي والتفتت وانطلاق ابشع الغرائز العصيبة وأشنعها واكثرها تخلفاً، فان ملأه يحتاج الى رؤية وجهد وكفاح لكي نستكمل النصف المليء، بل لكي تخرج امتنا مما هي فيه وعليه.
في هذه الرؤية، لا بد من ان ندرك ان لا أحد قادر على حل مشكلاتنا وصراعاتنا الداخلية إلا نحن حين نغلب الرئيسي من التناقضات على الثانوي من التباينات والصراعات والخلافات، والجامع من الهويات والافكار والمشاريع والبرامج على الفرعي من الهويات والمفرّق من الشعارات والمشتت من المؤامرات.
في هذه الرؤية، لا بد أن ندرك، ونحن نحتفل بعيد الأضحى، ان الرسالات لا تنتصر او الأمم لا تنهض، إلا ببذل الغالي من التضحيات والنفيس، ولكن ان ندرك ايضا ان التضحيات وحدها لا تحقق لنا مبتغانا اذا لم تكن مقرونة بوعي تاريخي، وبحكمة تغنيها الخبرات والتجارب، وبمشروع نهضوي حضاري، وبسمو اخلاقي وروحي رفيع وبروح وحدوية مترفعة عن كل العصبيات.
في هذه الرؤية، لا بد ان ندرك ان اعداءانا مهما أظهروا من شراسة وحققوا من انتصارات جزئية هنا وهناك، وتمكنوا من تغليب خطاب الانقسام على ثقافة الوحدة والتلاقي والتواصل والتكامل وقبول الآخر في هذه الساحة او تلك، فانهم في الحقيقة الساطعة ضعفاء متراجعون ، وان الفرصة التاريخية لتحقيق اختراقات كبرى في صفوفهم باتت ممكنة.
بين هذه الاختراقات الممكنة هي اعادة الاعتبار لوحدة الامة، كفكرة وكمشروع، وكخطوات ومبادرات تضع اي قطرين مؤهلين لبناء اي صيغة من الصيغ الوحدوية على طريق الوحدة، خصوصاً في سوريا والعراق، وفي سوريا ومصر اللتين اغتيلت وحدتهما في مثل هذه الايام قبل 43 عاماً تماماً كما تم اجهاض قيام وحدة ثلاثية بين القاهرة وبغداد ودمشق عام 1963.
فوحدة ثلاثية او ثنائية اليوم أياً كان شكلها الدستوري وتعبيرها السياسي تصبح قاعدة لاجتذاب كل الاقطار الاخرى، وتشّكل ركيزة لمشروع عربي مستقل يحاصر الاعداء ويتكامل مع دول الجوار لبناء اقليم الاستقلال والكرامة والتنمية.
بين القفزات الممكنة ايضا انتفاضة جماهيرية كبرى في ارض فلسطين المحتلة وانطلاقاً من القدس وحرمها القدسي الشريف ومقدساتها الاسلامية والمسيحية، وهي انتفاضة لا تحرر الارض والقدس في الظروف الراهنة فحسب، بل تضع عدونا الصهيوني المأزوم في حال دفاع عن النفس بدلاً من ان يتفرّغ لحياكة كل انواع المؤامرات ضدنا، والفتن بيننا، والحروب علينا.
في هذه الرؤية طبعاً الف مشهد ومشهد ولكنها جميعاً تندرج تحت عنوان واحد لخصته جماهير امتنا في ميادين الثورة الشعبية في اكثر من قطر ( قبل ان تغتال روحها واحلامها مخططات الاعداء وقواها المشبوهة) وهو لا للتبعية، لا للفساد، لا للاستبداد.
في عيد الاضحى المبارك، وفيما ملايين العرب والمسلمين يجتمعون في حجيج الى بيت الله الحرام، يبقى الدعاء الأقوى: يا رب ساعدنا في تحرير هذه الامة، يا رب ساعدنا في توحيد هذه الأمة، يا رب امنحنا القوة والقدرة لكي تعيننا في مواجهة اعدائنا ومراجعة اخطائنا والتبرؤ من خطايانا والتوحيد.
نعم كيف نوّحد من في السماء، ونفرق بين من هم على الارض.
كيف نحطم اصنام الكفر وازلامه التي انتصبت في قلب مكة المكرمة قبل 15 قرناً، ونسكت اليوم عن اصنام التبعية للاستعمار وازلام التواطؤ مع الاعداء والفساد بين الناس وهي مغتصبة حولنا كل يوم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 71 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010