الأربعاء 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

كي لا يصبح الحوثي أسير انتصاره

الأربعاء 1 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par فيصل جلول

تتجه أنظار اليمنيين هذه الأيام نحو “أنصار الله” وما الذي سيفعلونه في اليمن بعد انتصارهم الخاطف على الإخوان المسلمين، وهل يندمجون في الحياة السياسية، أو يستولون على السلطة ويفرضون خياراتهم على الجميع بالقوة أو بالضغط السياسي، أو أنهم سيعتمدون الاقناع والحصول على رضى الرأي العام وهو الخيار الأرجح؟ والسؤال هو كيف يفعلون وهل يصلون إلى هدفهم؟
لنفترض أن “أنصار الله” عقدوا مؤتمراً صحفياً في صنعاء وأعلنوا خلاله أنهم يريدون تطبيق “ديكتاتورية البروليتاريا” في اليمن وأنهم سيناضلون من الآن فصاعداً من أجل اقتصاد تحكمه القاعدة الماركسية “كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته”، الراجح أن أحداً لن يصدق أقوالهم وستجد في مقايل العصر الصنعانية من يقول: “هذا كلام معسول تختفي خلفه مؤامرة إمامية” . وستجد آخرين يقولون “إيش من بروليتاريا وأبو علي الحاكم نهب المليارات من صنعاء لمصلحة بيت حميدالدين” . سيقال هذا الكلام حتى إن كان “الحاكم يخزن القات البلدي الأصفر”، ولربما قال آخرون“هذا قناع يرتديه”الحوثة“تماماً، كما يفعلون اليوم في صنعاء حيث يحتفل علي البخيتي بثورة 26 سبتمبر/أيلول أمام مقر الحزب الاشتراكي في حين يضمر معلمه عبدالملك الحوثي الشر المستطير” .
لن ينتبه أحد إلى أن “ديكتاتورية البروليتاريا” تتناقض تماماً مع مبادئ “الملازم” التي صاغها السيد حسين بدرالدين، وأن هذه الفكرة وكل الأفكار الماركسية الأخرى ملعونة في منهجه الديني، وبالتالي من الصعب أن ينطق بها “أبو علي الحاكم” أو البخيتي أو غيره من قادة “أنصار الله” .
وحده السيد جمال بن عمر مبعوث الأمم المتحدة سيكتشف حقيقة الأمر بوصفه أحد قدامى مجموعة “إلى الأمام” الماركسية المغربية المتشددة التي كان يقودها المناضل المغربي الراحل إبراهام السرفاتي . ولعل ما يعرفه هذا الرجل الذي صار ليبرالياً من بعد، أكثر من هذا بكثير، ولكنه مع ذلك فضل أن يلعب في الملعبين معاً . ملعب “أنصار الله” وملعب المحايدين أو الناجين من معركة مذبح والصافية وحدة والستين والجوف وعمران، مع معرفته التامة أن اللعب يتم على حد السكين، ولعله لهذا السبب كف عن وصف ما جرى في صنعاء ب“الاحتلال” حتى لا يتهم أحد الأمم المتحدة بأنها تدافع عن “الإخوان المسلمين” من دون غيرهم .
يعني ما تقدم ان مستقبل “الانتصار” الذي حققه “أنصار الله” في صنعاء محكوم بالرد على هواجس اليمنيين الذين مازالوا ينظرون إلى هذا التيار بوصفه ماضويا وإمامياً وأنه يريد العودة بهم إلى ما قبل ثورة سبتمبر/أيلول عام 1962 الجمهورية، وفي ظني أن نفيهم لهذه المزاعم لن يجدي نفعاً، ذلك أن الثقافة السياسية اليمنية مبنية على رفض النظامين الإمامي في الشمال والسلاطيني في الجنوب، وهي قاعدة ثابتة ومشتركة وعابرة لكل التيارات السياسية، لابل يمكن القول إن الأجيال اليمنية التي ولدت في الستينات تشكل وعيها الجمهوري على هذه القاعدة وبالتالي سيكون من الصعب على الحوثيين أن يقنعوا اليمنيين عموماً، والصنعانيين بخاصة، أن لا علاقة لهم بالإمامية وأن حركتهم مطلبية، على الرغم من اعتراف الأب المؤسس بدر الدين بن أمير الدين الحوثي في مقابلة شهيرة قبل سنوات بالنظام الجمهوري وأنه يطيع ولي الأمر علي عبدالله صالح وبالتالي لا تشترط حركته نظاماً إمامياً . وسيكون من الصعب على الحوثيين أن يقنعوا أحداً بأن علاقتهم بإيران مردها المقاومة والمواجهة مع “إسرائيل” وأمريكا، وأن مذهبهم يختلف عن مذهبها، ذلك أن القوى السياسية اليمنية خلصت إلى معادلة مفادها أن دول الخليج والدول الخمس الكبرى تمارس تدخلاً شرعياً في اليمن وإن كل تدخل آخر، بما فيه الإيراني ليس محموداً . وسيكون من الصعب أيضاً على الحوثيين إقناع الجمهور العربي بأن شرعيتهم القومية هي كشرعية حزب الله مستمدة من المقاومة ومن الدفاع عن الطبقات المسحوقة، وذلك بسبب أن الحزب اللبناني ولد من رحم حركة المحرومين ضد القطاع في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية والقتال ضد “إسرائيل”، في حين يعتبر التيار الحوثي في لا وعي اليمنيين وريثاً للاقطاع الإمامي ويريد العودة إليه وأن رفضه للجرعة وتبنيه المطالب الشعبية أشبه بتكتيك الإمام أحمد الذي تحالف مع الشيوعيين الروس خلال الحرب الباردة .
وسيكون من الصعب على الحوثيين إقناع اليمنيين بأنهم يمثلون الخيار الأفضل لقتال القاعدة وسائر التكفيريين باعتبار أن نهوضهم سيثير مثل هذه الحركات وسيحملها على استقطاب أنصار جدد وبالتالي سيعزز التوتر الطائفي في اليمن .
لن تنتهي الصعوبات عند هذه الحدود، فهناك الاقتصادي منها والاجتماعي والخارجي الإقليمي والدولي، فضلاً عن البند السابع المسلط حول رقاب اليمنيين إن لم يستجيبوا لإرادة الدول الكبرى ويطبقوا السياسات التي تريدها، ومنها الجرعة التي رضخ الإخوان المسلمون لتطبيقها مع علمهم بانطوائها على كارثة محققة .
حتى يتجاوز “أنصار الله” هذه الصعوبات كافة عليهم أن يسحبوا مقاتليهم من صنعاء اليوم قبل الغد، وأن يبادروا إلى تشكيل جبهة سياسية يمنية موحدة على قاعدة طي كل صفحات الماضي دفعة واحدة وفتح صفحة واحدة للمستقبل تتيح حل المشكلة الجنوبية بما يرضي الجنوبيين، على أن تكون القوى السياسية الأخرى مستعدة لإعادة النظر في مخرجات الحوار بما يتناسب مع دمج الحوثيين في مؤسسات الدولة والحياة السياسية وفق دستور يرضي الجميع . والحال أن على القوى السياسية اليمنية كافة أن تدرك أن إنقاذ اليمن ليس بعودة الحوثيين إلى صعدة ورجوع الإخوان المسلمين إلى أماكنهم السابقة والجنرال علي محسن إلى مذبح، وإنما عبر تسوية سياسية تأخذ في الاعتبار الواقع اليمني الجديد والتطورات التي شهدتها مصر وتونس والمخاطر الماثلة في ليبيا وسوريا، علماً وأن مخرجات الحوار هي وسيلة لإرضاء اليمنيين، وليست كتاباً مقدساً لا يمسه إلا المطهرون .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2178519

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178519 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40