الثلاثاء 30 أيلول (سبتمبر) 2014

بكين وتل أبيب !

الثلاثاء 30 أيلول (سبتمبر) 2014 par علي بدوان

تُثير العلاقات الصينية «الإسرائيلية» مجموعة من التساؤلات التي يطرحها المراقبون، وهي تساؤلات تتمحور حول الخفايا والمصالح التي تقف وراء تلك العلاقة، في ظل المواقف الصينية المؤيدة للكفاح الفلسطيني وللمواقف العربية بشكلٍ عام إزاء النزاع العربي والفلسطيني مع «إسرائيل».

وفي ظل حرص بكين على استمرار علاقاتها الإيجابية مع عموم الدول العربية التي تربطها معها علاقات إيجابية وشبكة من المصالح الاقتصادية.

فالصين ترى أن الشرق الأوسط، والمنطقة العربية منه على وجه التحديد، عنواناً رئيساً لمصادر الطاقة وسوقاً كبيرة لإنتاجها، وللأيدي العاملة الصينية، كما أنه مصدر للاستثمارات والتكنولوجيا.

وانطلاقاً من ذلك، ظلت الصين ترفض أن تنعكس علاقاتها مع «إسرائيل» لتصل الى مستوى تبادل التمثيل الرسمي بين الدولتين، بسبب الخشية من أن يؤثر ذلك على علاقاتها المُتشعبة مع الدول العربية. وفقط في يناير 1992 أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية كاملة فيما بينهما. وقد تمّ ذلك في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق والكتلة الشرقية، وفي أعقاب الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية و«إسرائيل» وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط نهاية العام 1991 وصولاً لتوقيع اتفاق أوسلو الأول في سبتمبر 1993.

إن دراسة وتفكيك عناصر مسار العلاقات الصينية مع الدولة العبرية الصهيونية يدفعنا للقول بأن أكثر ما يميّز العلاقات بين «إسرائيل» والصين وبالتالي يؤثر عليها، هو احتكامها إلى المقاربة البراغماتية والمرونة التي انتهجتها حكومة بكين حيال الدولة العبرية «الإسرائيلية»، وذلك كون القيادة الصينية تتحكم بمستوى هذه العلاقات وجوهرها وآفاقها على الصعد كافة، وخصوصاً في مجال محدد له علاقة باستيراد جوانب معينة من التكنولوجيا العسكرية وغيرها. فالصينيون معنيون بتعميق العلاقات التجارية والتعاون التكنولوجي مع «إسرائيل». وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين و«إسرائيل» في العام 2013 حوالي ثلاثة مليارات دولار أميركي، وهو يزداد بنسبة 20% سنوياً وفق المصادر «الإسرائيلية».

فبكين تبحث عملياً عن تقاسم المعرفة في شؤون استراتيجية أوسع من الناحية الأمنية مع مختلف بلدان المنطقة بما فيها الدولة العبرية الصهيونية، مع استمرارها في الحفاظ على موقفها التاريخي المتعلق بالقضية الفلسطينية، وتأييدها المطلق لحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة فوق الأرض المحتلة عام 1967 وحل قضية اللاجئين على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

وعملياً، تعود بداية العلاقات بين الدولتين إلى الاتصالات التي شرع رجل الأعمال «الإسرائيلي» شاؤول أيزنبرغ في إقامتها مع القيادة الصينية في السبعينيات من القرن الماضي والتي نجح من خلالها في تصدير الخدمات التكنولوجية «الإسرائيلية» المتطورة، حيث اهتمام الصين باستيراد التكنولوجيا المتطورة في المجالين المدني والعسكري.

إن كل المعطيات المتوفرة، تشير بأن المطامع التي تقود الموقف الصيني من مبتغى العلاقة مع الدولة العبرية الصهيونية، تنبع من رؤية بكين التي تركز في علاقاتها مع «إسرائيل» على قضايا المنفعة المباشرة (البراغماتية) دون لف أو دوران وهي سمة باتت مميزة للسياسات الخارجية للصين، وتحديداً بالنسبة للقضايا العسكرية والتكنولوجيا المتعلقة بها بشأن العلاقة مع «إسرائيل».

فـ «إسرائيل» كانت زودت الصين قبل نحو عقد من الزمن بتكنولوجيا عسكرية متطورة حتى اضطرت تل أبيب وبضغط أميركي لوقف أحادي الجانب لاتفاقية وقعتها مع بكين لتزويدها بأنظمة إنذار مُبكر جوية. وتلى ذلك رفض «إسرائيل» طلباً صينياً للقيام بأعمال صيانة لطائرات من دون طيار زودتها سابقاً للصين بعدما وقعت اتفاقية «إسرائيلية» أميركية وضعت حداً لتصدير تكنولوجيا أدوات ووسائل الاتصالات العسكرية لبكين.

وفي الأعوام الأخيرة، حاولت «إسرائيل» ربط مستوى تطور علاقاتها التكنولوجية المتبادلة مع الصين بمواقف الصين من الموضوع النووي الإيراني، حيث رفضت بكين منح «إسرائيل» أيّ تعهد في شأن الموضوع النووي الإيراني، وأعمق ماقالوه في هذا الصدد بأنهم «يدون تفهماً» لقلق «إسرائيل» حيال جهود إيران الرامية إلى تطوير برامجها النووية. لكنهم (أي الصينيين) إستمروا عملياً على ذات الموقف الذي تتخذه روسيا بشأن الملف النووي الإيراني، ولاننسى هنا ان بكين تستورد يومياً مايقارب نصف مليون برميل من النفط الإيراني غير المكرر.

إن روح البراغماتية العالية، تبدو جلية وصارخة في سياسات جمهورية الصين الشعبية، الخارجية منذ عملية الانفتاح الكبرى التي قادها الزعيم الصيني الراحل (دنغ سياو بينغ) بعد وفاة مؤسس جمهورية الصين (ماو تسي تونغ). فالإصلاحي الصيني (دنغ سياو بينغ) منذ قيادته لعملية الإنفتاح الكبرى في سياسات الصين بأن «الصين مستعدة لأن تضحي بنفسها فقط من أجل دولة واحدة، هي الصين» وهي جملة سمعها دبلوماسيون «إسرائيليون» على لسان مسؤولين صينيين رفيعي المستوى.

إن التقدير «الإسرائيلي» يتجه للقول بأن «إسرائيل» ترى في الصين منذ الآن وفي الأحوال كافة دولة عظمى مؤثرة في الشرق الأوسط، وأن تعمل على تعزيز علاقاتها معها في مختلف المجالات، لكن ليس على حساب «العلاقات الإستراتيجية» مع الولايات المتحدة. لأنّ مقاربة العلاقات مع الصين تظل انتفاعية. كما يتجه التقدير إياه للقول «من الصعوبة بمكان التكهن بشأن الكيفية التي سيتطوّر فيها الموقف الصيني في الشرق الأوسط، لكن ما يمكن إفتراضه الآن هو أن تظل الصين معنية بتعميق الإستقرار في هذه المنطقة، من جهة ومعنية بزيادة نفوذها فيها، من جهة ثانية». في الوقت الذي تجمع فيه مصادر مختلفة بأن ثمة إحتمالات قوية لأن تتعزز السياسة الصينية في الشرق الأوسط بناء على مستجدات الأوضاع في المنطقة ووفقًا لتقلبات ميزان القوى العالمي.

وعلى ضوء استمرار حالة الضعف والإنكفاء في مكانة الولايات المتحدة، واستمرار التآكل الذي طرأ على قدرتها على التعاون مع أوروبا. حيث يمكن للصين ردم الفجوة التكنولوجية والعسكرية القائمة بينها وبين الولايات المتحدة.

أخيراً، إن بكين في علاقاتها مع «إسرائيل» تمارس لغة المصالح بطريقة مُتخمة بالبراغماتية، وكأنها تقول سنتواصل مع الشياطين من أجل مصالح الصين، وهذا هو الديدن الذي يحكم علاقات بكين الحالية مع تل أبيب. وأي تطوير لمواقف بكين باتجاه الاقتراب من العرب وقضاياهم، يتطلب من العرب المبادرة لبناء علاقات مماثلة مع الصين ووفق العقلية ذاتها التي تربط الأمور بلغة المصالح. فمصالح بكين مع العرب أوسع واكبر وأشمل منها مع «إسرائيل»، ومن هنا أهمية الدور العربي في هذا الصدد حتى لاتذهب بكين كثيراً نحو العلاقات مع «إسرائيل».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165924

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165924 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010