الاثنين 22 أيلول (سبتمبر) 2014

الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى

سليمان تقي الدين
الاثنين 22 أيلول (سبتمبر) 2014 par سليمان تقي الدين

القرن التاسع عشر هو عصر الثورة الصناعية الذي جعل للاستعمار أهدافاً أوسع من فكرة الاستيلاء على خطوط مواصلات دولية وتأمين بعض الموارد الحيوية والاستخدام الواسع لتجارة الرقيق . تطورت الصناعات الحربية وزادت الحاجة إلى أسواق استهلاكية ودخل النفط عاملاً مهماً مطلع القرن العشرين .

يصادف هذا العام الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى (1914) . اتخذت هذه الحرب الصفة العالمية كونها شملت كل القارات والإمبراطوريات ومعظم الدول . لكن إرهاصاتها بدأت في الحروب الاستعمارية خلال القرن الثامن عشر وتطورت منذ 1830 . في القرن التاسع عشر باحتلال فرنسا للجزائر، ومحاولة توسع روسيا في إيران وأفغانستان، وحرب القرم بين روسيا والدولة العثمانية (1854) وحرب إنجلترا على الصين وانتصارها عليها في ما يعرف بحرب الافيون (1839-1840) ومحاولة أمريكا إخضاع اليابان (1851) وقضاء بريطانيا على ثورة الهند الكبرى في (1857) وتوسعها في شبه الجزيرة وسيطرة هولندا على مستعمراتها في جزر الهند الشرقية . فضلاً عن عدة حروب إقليمية منها حرب محمد علي باشا المصري في الجزيرة العربية وبلاد الشام والتدخل الفرنسي الإنجليزي فيها (1831-1840) . في الرواية التاريخية للحرب الأولى وقفت ألمانيا في وجه فرنسا وروسيا والإمبراطورية الثنائية (النمسا والمجر) وانخرطت فيها بريطانيا وإيطاليا ثم الولايات المتحدة وكذلك الإمبراطورية العثمانية، أي الدول التي كانت تسيطر على المسرح الدولي منذ منتصف القرن التاسع عشر والتي تنافست وتنازعت ووقعت اتفاقيات دولية تخص مصالحها بعد حروب إقليمية ومن المعروف أن ثلاث دول استعمارية كانت قد بدأت تتراجع آنذاك هي هولندا والبرتغال وإسبانيا والتي اتجه نفوذها سابقاً نحو أمريكا الجنوبية والوسطى وإفريقيا .
القرن التاسع عشر هو عصر الثورة الصناعية الذي جعل للاستعمار أهدافاً أوسع من فكرة الاستيلاء على خطوط مواصلات دولية وتأمين بعض الموارد الحيوية والاستخدام الواسع لتجارة الرقيق . تطورت الصناعات الحربية وزادت الحاجة إلى أسواق استهلاكية ودخل النفط عاملاً مهماً مطلع القرن العشرين .
دارت الحرب العالمية الأولى على جبهات متعددة منها السيطرة على أوروبا الشرقية، والمضائق والممرات من طريق الهند إلى البوسفور والدردنيل وقناة السويس إلى الخليج العربي . ومنها مصير دول البلقان ومصر وشمالي إفريقيا وبلاد الشام والعراق . قضت تلك الحرب على الإمبراطورية الثنائية (النمسا والمجر) ونشأت عشرون دولة جديدة في شرق ووسط أوروبا، وعلى الإمبراطورية العثمانية، وجرى تحييد روسيا بالثورة البلشفية (1917)، وخسرت ألمانيا وخضعت لنظام من العقوبات، وبرزت الولايات المتحدة كقوة صاعدة وكسبت بريطانيا وفرنسا حصة الأسد من الإرث الاستعماري لاسيّما في الشرق مع توسع هائل للاستعمار القديم والجديد في إفريقيا . فاقت الخسائر البشرية عشرة ملايين قتيل واستمرت الحرب أربع سنوات عكس التوقعات الخاطفة، واستنزفت موارد الدول وخلقت أوضاعاً اجتماعياً مزرية اسهمت في ظهور الإيديولوجيات الشوفينية (التعصب القومي) والفاشية والشمولية وساعدت على نشر الفكر الاشتراكي ونهوض حركات التحرر الوطني والاستقلال وأسست رابطة دولية جديدة هي “عصبة الأمم” على أساس حل النزاعات بالطرق السلمية والتفاوضية ووقف الحروب الاستعمارية، والإدارة الرشيدة لدول الاستعمار تحت عنوان “الانتداب” مع الإقرار بحق تقرير المصير، وهي المبادئ التي أطلقها الرئيس ويلسن . لكن “عصبة الأمم” هذه خضعت لدول الحلفاء المنتصرة (بريطانيا وفرنسا وأمريكا) وفشلت في معالجة المشكلات الدولية الناتجة عن آثار الحرب . وخلال عقدين كانت القوى الدولية تعيد تنظيم صفوفها لحرب دولية جديدة بين القوى الاستعمارية نفسها ولكن بمعطيات جديدة .
كان الأثر الأكبر للحرب العالمية الأولى (1914) يتمثل في “إنهاء المسألة الشرقية” التي شغلت أوروبا منذ القرن السادس عشر (1529-1682) حين دقت الإمبراطورية العثمانية الإسلامية أبواب أوروبا المسيحية وسيطرت من قبل على القسطنطينية ذات الموقع الحيوي والإرث التاريخي بالنسبة للغرب .
أدت الحرب العالمية الأولى على صعيد “المسألة الشرقية” إلى تفكيك وتصفية الإمبراطورية العثمانية والسيطرة الإنجليزية- الفرنسية على تركتها في الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية وشمالي إفريقيا ومصر والعراق وبلاد الشام ودول البلقان .
المسألة الشرقية: اعتبر الغرب التوسع العثماني في أوروبا “صاعقة” خلقت تحديات مريرة حيث أصبح العثمانيون أسياداً مسلمين على شعوب مسيحية . وفي مؤتمر فيرونا عام 1822 جرى استخدام مصطلح “المسألة الشرقية” في المداولات في ضوء ما كان يعتقد أنه انحلال الإمبراطورية العثمانية الوشيك“والقضاء على قوة”الإسلام السياسي" . ورغم تراجع القوة العسكرية للدولة العثمانية منذ نهاية القرن السابع عشر فإن دولتين أوروبيتين أساسيتين هما بريطانيا وألمانيا راهنتا على الاحتفاظ بوحدة الدولة العثمانية طالما أن لهما نفوذاً متنامياً فيها .
وبالفعل حقق الإنجليز والألمان هذا النفوذ الواسع حتى مطلع القرن العشرين بينما انحسر النفوذ الفرنسي في العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية في بلاد الشام (سوريا ولبنان) وعبر الاحتلال المباشر للجزائر وتونس . عشية الحرب العالمية الأولى كان التنافس بين خمسة دول هي بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا وهي الطرف الأضعف التي اكتفت باحتلال ليبيا (1911) . للدخول على خط الصراع . وفي حين كانت روسيا شريكاً أساسياً في المفاوضات والتحالفات الغربية لاقتسام النفوذ في الدولة العثمانية لاسيّما عام ،1915 فقد خرجت من هذا التحالف عام 1917 مع الثورة البلشفية، والمهادنة مع ألمانيا (اتفاقية بريست ليتوفسك) حفاظاً على وحدتها وكيانها، ولم تعد طرفاً في تقاسم التركة العثمانية ولو حظيت ببعض المطالب . حين أعلنت الدولة العثمانية عام 1914 الانخراط في الحرب إلى جانب دول المحور (ألمانيا وإيطاليا) كانت دول التحالف تضم (بريطانيا، فرنسا وروسيا) . وكانت تفاهمات بين هذه الدول قد تبلورت عام 1915 (في ما عرف باتفاق في القسطنطينية ) لاقتسام النفوذ من الدولة العثمانية على الشكل التالي:
أن تحصل روسيا على الاستانة والمضائق
تعديل الحدود الأفغانية الروسية
تحصل فرنسا على أقليم السار والالزاس واللورين
تكوين دولة مستقلة على الضفة اليسرى لنهر الراين
تحويل المنطقة المحايدة من فارس إلى منطقة نفوذ بريطاني
اقتسام الولايات العربية بين بريطانيا وفرنسا
في صيف عام 1916 بدأت بريطانيا وفرنسا عبر وزيري خارجيتهما سايكس وبيكو تداول الأفكار حول مشاريع اقتسام النفوذ في التركة العثمانية . لكن هذه المشاريع خضعت للعديد من المتغيرات في مسار الحرب وتطوراتها، ولم تتبلور نهائياً إلاّ في مؤتمر الصلح في العام 1919 .
ولأن روسيا كانت شريكاً في تلك المفاوضات فعندما قامت الثورة البلشفية (1917) فضحت تلك المشاريع لكن بعد أن كان العرب قد بدأوا الثورة (1916 ثورة الشريف حسين) واسهموا في إضعاف الهجوم العسكري التركي- الألماني على قوات الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) . سعت بريطانيا خلال هذه الحرب إلى تقديم الوعود للحركة العربية ولاسيّما الشريف حسين لإقامة دولة عربية موحدة في آسيا وهو ما عرف بالرسائل المتبادلة بين الشريف حسين والسير هنري مكماهون .
دخلت الحركة الصهيونية على خط الحرب بالتفاوض مع الشريف حسين من أجل تسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين مقابل دعم الثورة العربية وعلى شرط الاعتراف بالدولة العربية الواحدة في آسيا (بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية) . لكن بريطانيا أصدرت وعد بلفور (1917) بإعطاء اليهود دولة مستقلة لهم في فلسطين . وهو أخطر ما نتج عن تلك الحرب بالنسبة للعرب .
أما طموحات فرنسا فكانت في السيطرة على سوريا ولبنان والاحتفاظ بشمالي إفريقيا (الجزائر تونس طنجا ومراكش) .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165259

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165259 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010