الأحد 21 أيلول (سبتمبر) 2014

خطة مشبوهة . . لماذا؟

الأحد 21 أيلول (سبتمبر) 2014 par علي جرادات

الدول العربية مهددة، بتفاوت، بالتفكك لمصلحة إقامة دويلات بعدد الطوائف والمذاهب والاثنيات والمناطق . تتكفل تنفيذ هذه المهمة الجهنمية تنظيمات تكفيرية إرهابية يوحدها رغم اختلاف مسمياتها استلهام فكر “تنظيم القاعدة” المستمد أصلاً من فكر “الإخوان” “القطبي” الذي يكفر كل ما عداه، وينتهج العنف لاستعادة “دولة الخلافة الإسلامية” على أنقاض الدول الوطنية العربية التي نشأت بعد إفشال الغرب الاستعماري كل محاولات العرب إقامة دولتهم القومية، (الدولة الأمة)، في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية . ولئن كانت التنظيمات التكفيرية هي أدوات مشروع تفكيك الدولة القُطرية العربية، فإن الولايات المتحدة هي الراعي الأساسي والمُستخدم الأول لهذه التنظيمات، سواء في محطة تأسيس واستخدام حركة “طالبان” الأفغانية ورديفها تنظيم “القاعدة” لمواجهة الاتحاد السوفييتي في مطلع ثمانينات القرن الماضي، أو في محطة استخدام “محاربة الإرهاب” بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 لاحتلال العراق وتحويله إلى مرتع لنشوء “داعش”، أخطر تلاوين تنظيم “القاعدة”، أو في محطة استخدام الحراك الشعبي السلمي العربي ذريعة لنشر الفوضى في أكثر من قُطْرٍ عربي، وخصوصاً سوريا التي غزتها التنظيمات الإرهابية بألوانها، وجند أخطرها، “داعش” عشرات آلاف المقاتلين، وسيطر على أجزاء واسعة ومتصلة من العراق وسوريا، واستولى على آبار نفط وأسلحة عسكرية نوعية، وتوافرت له مسالك حدودية آمنة، تركية تحديداً، لتسويق النفط المسروق وجلب المزيد من المقاتلين الأجانب بجنسياتهم المختلفة .
وبعد كمون أملته لسنوات الآثار الكارثية لاحتلال أفغانستان والعراق والأزمة الاقتصادية عادت الولايات المتحدة، قائدة القطب الغربي، إلى تشديد الهجوم على القطب الدولي الناشئ بقيادة روسيا من بوابة أوكرانيا، ما يعني تجديد “الحرب الباردة” بفعل عدم تسليم الولايات المتحدة بالتخلي عن السيطرة المنفردة على العالم لمصلحة بناء نظام دولي أكثر توازناً . في الإطار ذاته عادت الولايات المتحدة إلى استخدام محاربة الإرهاب وما يشكله تنظيم “داعش” من خطر فعلي على دول المنطقة، والعربية منها بالذات، غطاء لاسترداد ما خسرته من نفوذ في المنطقة . ما يعني أن ثمة حسابات أمريكية إقليمية ودولية خاصة تحرك مبادرتها إلى إعلان “خطة استراتيجية لمحاربة تنظيم”داعش" .
قد يرى بعضهم الأمر على غير هذا النحو . لكن كيف لعاقل أن يصدق أن الولايات المتحدة جادة في محاربة التنظيمات الإرهابية، فيما هي صاحبة الدور الأساس في نشوء وانتشار وتعاظم قوة هذه التنظيمات، والمُستخدم الأول لها، تبعاً لتقلبات الظروف والمعادلات السياسية في المنطقة والعالم، منذ بداية ثمانينات القرن الماضي وحتى يوم الناس هذا . وأكثر من ذلك، ثمة ما يدعو إلى التشكيك في صدقية الخطة الأمريكية لمحاربة تنظيم “داعش”، ذلك لأنها، (الخطة)، تقوم على:
1: اختزال خطر الإرهاب في الخطر الذي يمثله تنظيم “داعش” دون سواه من التنظيمات التكفيرية الإرهابية، ما يعني أن ثمة تمييزاً بين إرهاب وإرهاب وفقاً لحسابات الولايات المتحدة الخاصة ومصالحها العليا في المنطقة والعالم .
2: حصر خطر الإرهاب القائم منه في كل من العراق وسوريا، وكأن لبنان واليمن ومصر وليبيا وتونس والصومال والجزائر والمغرب لا تشهد، بتفاوت، موجات من الإرهاب التكفيري الإرهابي ذاته الذي يمثله تنظيم “داعش” .
3: اختصار دور الولايات المتحدة في محاربة “داعش” على إدارة العمليات العسكرية وتنسيقها وتقديم الاستشارة والقيام بضربات جوية لا تتكفل هي تمويلها، ذلك مثلما فعلت في ليبيا، ولا تزال تفعل في باكستان واليمن . دون أن ننسى أن ثمة تضارباً بين تصريحات الرئيس الأمريكي، أوباما، الذي يجزم بعدم المشاركة الأمريكية في العمليات البرية ضد “داعش”، وبين تصريحات رئيس هيئه أركان الجيوش الأمريكية التي تبقي باب هذه المشاركة مفتوحاً تبعاً للتطورات الميدانية على الأرض .
4: اقتصار هدف الخطة الأمريكية على “إضعاف”، وليس اجتثاث، تنظيم “داعش”، بل وإطالة أمدها لمدة ثلاث سنوات، وكأن هذا التنظيم قوة عظمى تضاهي أو تفوق قوة الولايات المتحدة التي تستطيع احتلال اليابسة والجو والبحر في أية بقعة من العالم .
5: تجاوز دور هيئة الأمم وتفرد الولايات المتحدة في تحديد هدف خطة محاربة “داعش” وآلياتها ومدتها واختيار الدول المشاركة في تنفيذها، ما يشي بأن “وراء الأكمة ما وراءها” .
6: ارتباط توقيت طرح الخطة الأمريكية لمحاربة تنظيم “داعش” بتهديده لمدينة أربيل الكردية تحديداً، بينما يعلم الجميع أن هذا التنظيم وتنظيمات إرهابية أخرى تعيث منذ سنوات فساداً في الأرض وترتكب ما لا يحصى من جرائم التقتيل والتذبيح والتخريب والتدمير في العراق وسوريا وغيرهما من الدول العربية، بل تشعل حريقاً كبيراً غير مسبوق في الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه .
7: مطالبة تركيا بالمشاركة في محاربة “داعش”، وتجاهل أنها كعضو في حلف الناتو، وبتطلعاتها العثمانية الجديدة بقيادة حزب أردوغان “الإخواني”، تلعب منذ سنوات الدور الأساس في رعاية تنظيم “داعش” وكل التنظيمات الإرهابية، وتدريب مقاتليها، وتسهيل تدفقهم إلى العراق وسوريا، وتنظيم عملية استيراد النفط المسروق منهما، علاوة على تجاهل دور تركيا هذه في رعاية التنظيم الدولي ل“الإخوان المسلمين” وحلفائه من التنظيمات التكفيرية الأخرى في مواجهة النظام المصري الجديد منذ أطاح الشعب المصري بدعم من جيشه الوطني سلطة “الإخوان” في ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 . هذا ناهيك عن تزامن طرح الخطة الأمريكية لمحاربة تنظيم “داعش” مع عودة الحديث عن عزم تركيا اقتطاع جزء من أراضي سوريا لإقامة منطقة عازلة على الحدود معها .
8: حصول الخطة الأمريكية لمحاربة تنظيم “داعش” على تأييد “إسرائيل” وترحيبها، بينما يلفت الانتباه تزامن طرح هذه الخطة مع سيطرة “جبهة النصرة” الإرهابية على السياج الفاصل في الجولان المحتل، علماً أن اقتطاع جزء آخر من أراضي سوريا لإقامة منطقة عازلة تمتد من القنيطرة في الجولان المحتل إلى درعا هو هدف “إسرائيلي” معلن منذ بداية الأزمة السورية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165480

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165480 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010