الثلاثاء 16 أيلول (سبتمبر) 2014

الجنود المجهولون

الثلاثاء 16 أيلول (سبتمبر) 2014 par علي بدوان

ففي زمن اختلاط المشهد الإعلامي، الزمن الذي يُطلق عليه البعض «الفوضى والدهشة» وصدمة المستقبل في عصر السرعة، تعاظم دور الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب. فالإعلام المرئي بات يتصدر المشهد حيث تشير المعلومات الموثقة بأن ثمة (13) ألف قناة فضائية في العالم، منها (7500) قناة مشفرة و (5500) مجانية. وفي منطقة الشرق الأوسط لوحدها، ثمة (696) قناة تبث من (17) قمراً صناعياً، يشاهدها أكثر من (150) مليون مشاهد للقنوات المفتوحة، بينما (42) مليون للمشفرة منها.

وعلى ضوء تلك المعطيات المتعلقة بعدد قنوات البث المسلطة على المنطقة، لا يمكن الاستهانة بمدى فاعلية الإعلام بشكلٍ عام، وإعلام الصورة المنقولة عبر الفضائيات وتأثيرها الواضح على أفكار واتجاهات وسلوك الناس, ومن تابع مدى تغير الرأي العام منذ بداية البث الفضائي بدايات تسعينيات القرن الماضي وإلى اليوم، لا بد أنه لاحظ مدى قدرة الفضائيات الموجهة على التأثير.

لقد شَكّلَ الإعلام الفلسطيني وبعض الإعلام العربي والأجنبي، حضوراً مُتميزاً في محنة العدوان «الإسرائيلي» الأخير على قطاع غزة، وقدم العديد من الضحايا من الشهداء والجرحى، كان آخرهم الشهيد الصحفي الفلسطيني علي أبو عفش من وكالة الصحافة الفرنسية، والصحفي الإيطالي كاميلي سيمون من (وكالة الأسوشيتد برس) الأميركية، واللذان أستشهدا في الأيام الأخيرة من العدوان «الإسرائيلي» اثناء تواجدهما في مكان انفجار صاروخ من مخلفات الإحتلال «الإسرائيلي» في بيت لاهيا شمال القطاع. خلال تأديتهما واجبهما الصحفي. إضافة الى اصابة الصحفي الفلسطيني حاتم موسى مصور وكالة الاشيوتدبرس الأميركية بإصابة خطيرة. فضلاً عن الاستهداف المباشر لمركز الإذاعات المحلية في القطاع ومكاتب مراسلي القنوات الفضائية العربية والعالمية...الخ. وكان قد سبق شهداء العدوان الأخير من الإعلاميين، شهيد الصحافة والإعلام في قطاع غزة، مصور وكالة رويترز الشهيد فضل شناعة، والذي أُصيب معه الصحفية وفاء أبو مزيد والصحفي أشرف عمارة في العدوان «الإسرائيلي» على القطاع (عملية الرصاص المسكوب) نهاية العام 2008.

وهنا لاننسى أن هناك أعداداً واسعة من صحفيي وكتاب فلسطين دخلوا سجون ومعتقلات الاحتلال، فالآن يوجد في معتقلات الاحتلال الصحفي محمود موسى عيسى، والصحفي صلاح عواد، والصحفي عنان سمير عجاوي والصحفي بكر محمد العتيلي، والصحفي أحمد الصيفي، والإعلامي مراد محمد أبو البهاء، والناشط الإعلامي ثامر سباعنة، والصحفي والكاتب وليد خالد، والصحفي محمد أنور منى من مدينة نابلس، والصحفي والإعلامي عزيز كايد....والقائمة تطول.

وفي العودة للوراء قليلاً، كان للعمل الدعوي والإعلامي أهمية كبيرة في مسار العمل الوطني الفلسطيني. ومنذ البداية اهتمت عموم القوى الفلسطينية بهذا الجانب، إهتماماً ملحوظاً ومميزاً، حيث أدركت أن العملية الإعلامية لاتقل أهميةً عن دور البندقية في ساحة المواجهة المباشرة مع قوات الاحتلال، وذلك منذ أن أصدرت حركة فتح مع بدايات تَشَكُّل نواتها القيادية الأولى مجلة (فلسطيننا ــ نداء الحياة) التي صدر العدد الأول منها في أكتوبر 1959 في بيروت، ورئيس تحريرها الصحفي اللبناني المقاصدي توفيق حوري، هاني فاخوري، والفنان التشكيلي الفلسطيني المرحوم إسماعيل شموط. وتبع ذلك صدور العديد من المطبوعات الفلسطينية التي مازال بعضها يصدر حتى الآن بانتظام، ومنها مجلة الهدف التي أسسها الشهيد غسان كنفاني، ورئيس تحريرها بعد إستشهادة بسام أبو شريف، ومجلة الحرية، ومجلة الى الأمام التي رأس تحريرها الإعلامي الفلسطيني الراحل فضل شرورو. ومجلة نضال الشعب، ومجلة الثائر العربي، ومجلة الطلائع. ومجلة الأفق...

وفي بدايات المرحلة اللبنانية من العمل الفلسطيني، وتحديداً في الثامن والعشرين من ابريل العام 1972 صدر العدد الأول من مجلة (فلسطين الثورة) التي باتت المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي رأس تحريرها في البداية الشاعر الشهيد كمال ناصر، وقد خَرّجت مئات الأقلام الفلسطينية والعربية. وكتب على صفحاتها كبار الكُتاب والشعراء في العالم العربي، كان في مقدمتهم الراحل محمود درويش بمقاله النثري (السياسي/الأدبي) الأسبوعي والذي استمر بكتابته الى حين الخروج الفلسطيني المسلح من لبنان نهاية صيف العام 1982، والراحل سميح القاسم، وأخرين من إعلاميي العالم العربي. وتزامن صدور العدد الأول من مجلة فلسطين الثورة في بيروت مع إنشاء وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، التي باشرت عملها في الخامس من يونيو1972، ومع بث الإذاعة الفلسطينية أول برامجها من القاهرة.

أما في الحقبة الأخيرة، فقد طرأ تحول جديد في مسيرة الإعلام الفلسطيني، مع ظهور حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وبروز الأدوات والوسائل الإعلامية التي كان منها على الأخص عدة قنوات فضائية هي قناة القدس، وقناة الأقصى، وقناة فلسطين اليوم.

وبالرغم من كل المثالب التي قد يسجلها البعض على مسيرة الإعلام الفلسطيني منذ الإنطلاقة المعاصرة للثورة الفلسطينية، إلا أن هذا الإعلام لعب دوراً كبيراً في مسار العملية الوطنية المتكاملة، وأنتج مئات الكفاءات العاملة بهذا المجال. كما سقط في مسيرته عدد كبير من الشهداء، كان منهم الشهيد غسان كنفاني، ومسؤول الإعلامي الفلسطيني الموحد ماجد أبو شرار، والشهيد حنا مقبل. وشهداء عملية تفجير مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، حيث سقط العديد من الشهداء، كان منهم الكاتبة والباحثة (حنه شاهين) زوجة الباحث الفلسطيني المعروف صبري جريس المتخصص بتاريخ الصهيونية. كما سقط العديد من الشهداء من محرري وكتاب مجلة فلسطين الثورة كالشهيد طلال رحمه، والشهيد رشاد عبد الحافظ، والشهيد عادل وصفي (خالد العراقي)، ومحجوب عمر، ونايف شبلاق، وإبراهيم عامر...وغيرهم. والشهيد ناجي العلي، وشهداء مؤسسة السينما وعلى رأسهم المصور الأول في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة الشهيد المقدسي المُبدع هاني جوهرية الذي أستشهد أثناء تصويره لمعارك جبل لبنان عام 1976، ومن بعده الشهيدان إبراهيم مصطفى ناصر (مطيع)، وعمر المختار (توفيق)، اللذين أستشهدا أثناء تصوير معارك إجتياح مارس عام 1978 جنوب لبنان.

تاريخ الإعلام الفلسطيني قبل النكبة وبعدها، تاريخ ناصع، لايقل أهمية ودوراً عن الكفاح المسلح الذي خاضته الثورة الفلسطينية المعاصرة. فرواده وعاملوه هم جيش الجنود المجهولين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 68 / 2165278

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165278 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010