الاثنين 15 أيلول (سبتمبر) 2014

الزمن يجدّد نفسه

الاثنين 15 أيلول (سبتمبر) 2014 par د.عبدالله السويجي

مرت ذكرى الهجوم على برج التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، الذي وقع في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 مروراً مريباً، حيث تجاهلته وسائل الإعلام وواضعو السياسات وأصحاب القرار والمراقبون، بحجة الانشغال بمحاربة تنظيم “داعش”، وحشد تحالف عالمي للقضاء عليه وعلى من شابهه، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” بقوله إن التحالف “الجديد” لا يحارب تنظيم “داعش” فحسب، وإنما يحارب الإرهاب في العالم .
ذكرني قوله بالمسلسلات المكسيكية (وحالياً التركية) التي سمعت عنها ولم أتابعها، والتي تمتد إلى أكثر من 100 حلقة من اللعب على الزمن والإطالة وافتعال الأحداث والضجر في التمثيل وغيرها من كل عناصر الملل، لكن التشابه في الجمهور الذي يتابع 100 حلقة بصبر، وبجمهور محاربة الإرهاب الذي بدأ يبتسم في الخفاء من هذه الجهود التي تسخن في أوقات وتبرد في أوقات أخرى . وكأن التاريخ يمد لسانه مستهزئاً بالمخططين والمنفذين قائلاً لهم: “ما أشبه اليوم بالبارحة، وأردتم أن تهزموا الإرهاب فإذا به يدق أبواب بيوتكم في العواصم كلها” .
مرت الذكرى ولم يسأل أحد إن كان العالم أصبح أكثر أمناً، بعد الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على تنظيم القاعدة، وبعد احتلالها لأفغانستان، أو أن العالم أصبح خالياً من أسلحة الدمار الشامل وأقل “دكتاتورية”، بعد القضاء على نظام صدام حسين في العراق، وأن المنطقة العربية أصبحت أكثر ديمقراطية بعد التخلص من نظام معمّر القذافي في ليبيا، ونظام بن علي في تونس، ونظام حسني مبارك في مصر، وهل سيصبح أكثر أمناً بعد القضاء على نظام بشار الأسد في سوريا؟! وعلينا أن نلفت الانتباه إلى حقيقة مربكة ومشؤومة وهي أنه لم يعد يتحدث أحد إن كان “الربيع العربي” قد أتى أكله بعد هذا الدمار المخيف للدول والشعوب في المنطقة، كل ما حدث هو أن الولايات المتحدة تستعد للعودة بشكل آخر وبطريقة أخرى إلى المنطقة لمحاربة تنظيم “داعش”، وأن الإرهاب ازداد عنفاً وضراوة وإجراماً، وأن صورة الإسلام المغلوطة بدأت تنتشر كالنار في الهشيم في أوساط العالم الغربي، وحتى العالم الإسلامي، ونموذجا “داعش والنصرة” وكل المتطرفين الضريرين بدآ ينتشران بجهل مخيف بين أوساط الشباب، وهذا الانتشار بين هذه الفئة أمر مخيف للغاية، ويستحق القيام بدراسات اجتماعية وفكرية وثقافية وبيئية .
وعلى جانب آخر ترفض تركيا المشاركة في ضرب “داعش”، وهو موقف يؤكد انخراط تركيا في تربية هؤلاء الوحوش، ويثبت أنها لا تريد أن تتراجع عن موقفها، من دون أن تدري أن السحر سينقلب على الساحر، بعد أن كشّر الذئب عن أنيابه، وبات يهدد تلك الدول التي ربته في أحضانها وهيأت له كل سبل التمدّد، حتى بنى قوةً لا يستهان بها، وامتلك أسلحة متطورة، وسيطرة على آبار النفط، ولم يعد في حاجة لأسلحة أحد، ولا أموال أحد، فالسوق السوداء تضج بتجار السلاح والنفط والمخدرات والأعضاء البشرية، وهؤلاء على استعداد للتعامل مع الشيطان من أجل تراكم الثروات، بغض النظر عن تراكم تلال من الجماجم، أو انتشار القبور الجماعية، أو اغتصاب النساء والفتيات وتجنيد الأطفال وتهيئتهم ليكونوا مجرمين قادرين على الذبح بدم بارد .
لا غرابة أن يصبح تنظيم “داعش” حديث الساعة، ومحور البرامج التلفزيونية الحوارية كلها، ولا غرابة أن يكون موضوع اللقاءات السياسية في العالم، ومحور المؤتمرات حتى تلك التي تنعقد في الكيان الصهيوني، وهذه مفارقة عجيبة أن ينظم الكيان الإرهابي مؤتمراً لمكافحة الإرهاب، وتحضره شخصيات (ثورية) تريد أن تتحرر من الدكتاتورية، ومن هؤلاء المعارض السوري الذي استقال من الائتلاف السوري (يرحمه الله) كمال اللبواني، وقد ظهر هذا اللبواني على شاشة قناة “124” “الإسرائيلية” الناطقة باللغة العربية في لقاء خارج قاعة مؤتمر حول “سياسات مكافحة الإرهاب” في مدينة هرتسيليا شمالي تل أبيب . وإذا كان في الأمر سخرية واستخفاف بعقول العرب، فإننا نجده في تبرير اللبواني لحضوره المؤتمر وزيارته ل “إسرائيل” حيث قال: (أنا هنا لأن الغائب الوحيد عن القرار الدولي اليوم هو الشعب السوري، فيجب أن نُسمع صوته وأن ننقل معاناته، ونقول إن هناك شعباً معتدلاً قادراً على أن يكون شريكاً في التحالف الدولي ضد الإرهاب) .
ولا ندري من الذي أوحى إليه أن الشعب السوري بكل فئاته يريد أن يزور “إسرائيل” ويلتقي بسياسييها ومجرميها، ومن الذي خوّله بتمثيل الشعب السوري، ومن الذي أدخل في قناعته وغسل دماغه أن المجرمين والإرهابيين في الكيان الصهيوني هم الجهة المناسبة التي ستستمع إلى معاناة الشعب السوري!!
ويبدو أن اللبواني وما يمثله الآن بكل وضوح هو الجهة المعتدلة التي أشارت إليها الولايات المتحدة، حين تحدثت عن متعاونين بين فصائل المعارضة، والاعتدال بالنسبة للسياسة الأمريكية والغرب هو الاستعداد لزيارة الكيان الصهيوني والتطبيع معه، وفي فترة لاحقة إبرام اتفاقية معه يتنازل فيها عن الجولان .
يقولون إن الزمن يعيد نفسه كل خمسين سنة، لكن الزمن الآن يعيد نفسه كل 13 عاماً، فما بين الهجوم على برج التجارة العالمي في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وبين نشوء داعش وقطعه رأس صحفيين أمريكيين وبريطاني واحتلاله مساحات شاسعة من سوريا ولبنان بطريقة (السحرة) في سبتمبر/ أيلول ،2014 زمن قليل جداً، وفي الواقع أن التاريخ هذه المرة يجدّد نفسه ولا يعيد نفسه، فبدلاً من أسطوانة تنظيم (القاعدة)، تم طرح أسطوانة “داعش”، وأسطوانة القاعدة هيأت القوات الأمريكية للرقص على حدود الاتحاد السوفييتي (سابقاً) والاقتراب من سور الصين، ولا ندري أي الاحتفالات ستحييها أسطوانة “داعش”!!
من المؤكد أن أحداً لن يفهم أننا ضد محاربة داعش، ولكن من المؤكد أيضاً أن الجرائم التي ترتكبها داعش لا تتم مواجهتها بهذه الليونة والاسترخاء، وكل الخشية أن يجد التحالف في (جبهة النصرة) الجهة المعتدلة التي يتعاون معها، فإن حدث هذا فإننا سنجد أنفسنا أمام مسلسل مدته أكثر من ألف حلقة! ومن داعش إلى النصرة (يا قلبي لا تحزن) .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165371

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالله السويجي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165371 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010