السبت 13 أيلول (سبتمبر) 2014

الحروب المربحة

السبت 13 أيلول (سبتمبر) 2014 par د. حياة الحويك عطية

هو الجسر الشهير في تاريخ الحرب العالمية الثانية: جسر نيميغن، الذي أعطى اسمه لعملية أكثر شهرة هي “عملية ماركت غاردن”، حيث أنزلت الولايات المتحدة الفرقة 82 المحمولة جواً وفوج الحرس الخامس والسبعين للسيطرة على باربادوس، ولاقت فشلاً ذريعاً بحيث طرحت النقاش حول مدى صلاحية التدخل العسكري السريع على أرض العدو . الفرقة ما تزال قائمة وهي تابعة لحلف شمال الأطلسي وتاريخها الحديث لا يشبه القديم فهو حافل بالنجاحات، التي لم تكن تحتسب جميعها في الرصيد العسكري الحربي إلى أن شاركت الفرقة في التدخل العسكري الأطلسي في ليبيا .
اليوم يطرح السؤال: هل تعد الفرقة 85 وغيرها لعملية مشابهة في مكان آخر؟
سؤال طرحه الكثيرون بخصوص روسيا بعد اجتماع الأطلسي الأخير، واستبعده الكثيرون مذكرين بعملية نيميغن . في حين أيده غيرهم مستشهدين بعملية ليبيا .
أمين عام الحلف صرح بلغة غامضة عن: “أزمات متعددة قد تنشب من دون سابق إنذار، والتحرك بسرعة فائقة تترك تداعياتها على أمننا الجماعي بطرق شتى” .
التفسير الأقرب هو الكلام عن أزمات تمس دولاً أخرى في أوروبا الشرقية على غرار أوكرانيا . ولكن روسيا لا تبدو متحمسة لأية تجربة أوكرانية جديدة، ببساطة لأن أهدافها الاستراتيجية مختلفة في الأمكنة الأخرى . لكن على الحلف طمانة أعضائه الشرقيين . أو بالأحرى الإفادة من دعوى طمأنتهم لنشر قوات جديدة على الحدود مع روسيا، فيما ينفع كورقة ضغط قوية في مفاوضات مقبلة .
فيما هو أبعد من ذلك - إضافة إلى ذلك - الإفادة من هذا التصعيد في عملية استنزاف مستمرة لروسيا لتحقيق الهدف الاستراتيجي، أي منع العودة إلى عالم متعدد الأقطاب تحتل روسيا وحلفاؤها موقعها على خريطته . سياسة يبدو أن جناحاً مهماً من السياسيين الأمريكيين لا يقره، وعلى رأسهم هنري كيسنجر الذي دعا في مقالة مطولة له في “الواشنطن بوست” إلى الكف عن استفزاز موسكو وشيطنة الرئيس بوتين والجلوس إلى طاولة المفاوضات معه .
خلاف يلتقي طرفاه في نهاية الأمر: الجلوس إلى طاولة المفاوضات يقتضي مزيداً من الضغوطات والأوراق . ضغوطات تصر واشنطن على توريط أوروبا فيها أكثر فأكثر فتطالبها بزيادة ميزانياتها العسكرية رغم أن دولها تشرف على الإفلاس وتضغط على فرنسا لعدم تسليم “الميسترال” ما يعرض باريس ليس فقط لخسارة مليارات بل وأيضاً لدفع بند جزائي . في حين تطلب من أوروبا، وخاصة ألمانيا، شراء صواريخ أمريكية ذات رؤوس نووية . وما أن ينتهي المؤتمر حتى يطير أوباما في رحلة استعراض عضلات امام بوتين فوق ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا .
الروس من جهتهم كانوا يفهمون الرسالة ويحضرون بدورهم ضغوطاتهم وأوراقهم . وعليه، أُعلن عن توصل الحكومة الأوكرانية والقوى المعارضة شرقي البلاد إلى وقف لإطلاق النار وعن بدء المفاوضات الروسية - الأوكرانية، قبل أن يجف حبر بيان الأطلسي .
غير أن ما يهمنا نحن في هذه المنطقة من العالم، أننا وإن لم نكن الموضوع المعلن لقمة الأطلسي - فإننا حاضرون فيها وبقوة . فإذا كانت أوروبا هي الرهينة الأولى، الحائرة دائماً بين مطرقة الأمريكيين وسندان الروس، فإن العرب هم الرهينة الثانية الأكثر هشاشة والأكثر استهدافاً والأكثر دموية والأكثر ثراء . أوروبا مطرقة ممتازة لكنها نحيلة مصابة بفقر الدم اقتصادياً، وهي إذ تحاول معالجة مرضها لا تجد ما تتغذى عليه إلا ثرواتنا ودماءنا، وأمريكا تتركها تسد الرمق ولكن من دون التعدي على حصة زعيم رعاة البقر . والروس يعرفون أننا مداهم الحيوي، وإن عودتهم إلى التوازن الدولي يتم عبر بوابتين: أوروبا الشرقية والعالم العربي، خاصة المتوسطي منه . حيث إن حديث آسيا وأمريكا الجنوبية أمر مختلف .
لقد رأينا أن الفرقة 85 لم تقم بدور فاعل وجدي وعدواني إلا في ليبيا . فما الذي يمنعها من أن تكون نواة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بحجة قتال داعش؟ والعين على تنفيذ تدخل عسكري مباشر في سوريا، ومن ثم تكر السبحة . حرب ستدوم سنوات بحسب ما يقول أوباما، بما يكفي لتشغيل اللوبي الصناعي العسكري وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي وتأمين “إسرائيل” وإبعاد شبح تعددية الأقطاب على الصعيد الدولي؟ ألم يتم احتلال العراق بحجة القاعدة وابن لادن و11 أيلول؟
الجواب أكثر تعقيداً من السؤال لأن تداخل الأمور في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وبقية الدول العربية يحمل من العناصر والتعقيدات ما لا تحمله الأزمة الأوكرانية، ويشكل ثقلاً على مستوى استعادة تعددية الأقطاب أكثر مما تحمله الأزمة الأوكرانية . وربما يكون أحد تفسيرات موقف كيسنجر وغيره من مثل جاك ماتلوك ومجلة فورين أفيرز هو تبريد الجو مع موسكو في قاعدتها الخلفية الأوروبية للتفرغ لأمور أكثر أهمية على جبهات أخرى .
وإذا كان أوباما قد كرر وأعاد سياسته الرامية إلى عدم إرسال قوات إلى العالم العربي، فإن تحالفاً دولياً سيؤمن له المال والقوات وتوزيع المهام، في حين يمتلك وحده القيادة وجني الأرباح .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165263

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع حياة الحويك   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165263 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010