السبت 13 أيلول (سبتمبر) 2014

أيّ نظام للمشرق يريده أوباما؟

السبت 13 أيلول (سبتمبر) 2014 par د. عصام نعمان

باراك أوباما معني، بالدرجة الأولى، بمواجهة “داعش” . المواجهة ستكون سياسية وعسكرية وثقافية . لذلك ستكون طويلة الأمد، أقلّه ثلاث سنوات .
التركيز سيكون معظمه على الصعيد العسكري . ف “داعش” يسيطر تقريباً على ثلث مساحة العراق، ويطمح للسيطرة على مساحة مماثلة في سوريا . كونه لن يكتفي بما في حوزته حالياً من أراضي محافظة الرقة وأرياف حلب ودير الزور، يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيجدون أن لا مناص من التعامل معه في سائر بلاد الشام . كيف؟
المرجّح أن الأمريكيين سيلجؤون إلى طريقتين: الأولى، تبادل معلومات استخبارية مع دمشق مباشرةً ومداورةً . بغداد قد تلعب دوراً على هذا الصعيد . الثانية، الغارات الجوية على المواقع والتجمعات التي تشكّل خطراً على العراق حيث الجهد العسكري الأمريكي الرئيس . أياً ما كانت الطريقة المتبعة، فإن الغاية المتوخاة لن تكون سحق “داعش” بل احتواءه .
ل “داعش” في خطة أوباما دور، ولو محدود، في إنهاك الجيش السوري . اذا احجم عن النهوض بهذه المهمة فسيجد أن سائر فصائل المعارضة السورية المسلحة الجاري احياؤها وتسليحها، ستكون مسرورة لإيلائها مهمة مزدوجة: إنهاك “داعش” والجيش السوري معاً .
لا تفصيل في خطة أوباما المعلنة حول ما يعتزم وحلفاؤه عمله على الصعيدين السياسي والثقافي . ثمة خطوط عريضة بلا شك، لكن يلزمها الكثير من التعميق والتحديد بالتعاون مع سائر الدول الأعضاء المشاركة في “التحالف الدولي” ومع الدول العربية والإسلامية المواكبة له .
عدم اكتمال الأبعاد السياسية والثقافية في خطة أوباما يطرح للتوّ سؤالاً: أيّ نظام سياسي وأيديولوجي للمشرق يريده أوباما؟
ثمة معطيات متنوعة في طبيعتها وتركيبتها وتأثيراتها لا يستطيع أوباما ومساعدوه تجاهلها . إنها من موروثات النظام العثماني التي ما زالت حية في أزياء النظم السياسية التي خاطها الغرب الأوروبي الاستعماري للأقطار العربية التي انتهت إدارتها إليه بعد انهيار السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 .
على الصعيد السياسي، كانت السلطنة تعتمد شكلاً من أشكال النظام الفيدرالي حيث الصلاحية المطلقة للباب العالي في اسطنبول بكل ما يتعلق بالشؤون الخارجية والدفاع والمالية العامة والتنظيم الإداري للدولة فيما سائر الشؤون تبقى من صلاحية الولاة المعيّنون من الباب العالي في شتى ولايات السلطنة . ما فعلته بريطانيا (وفق اتفاق سايكس - بيكو) أنها دمجت ولايات البصرة وبغداد والموصل وجعلت منها دولة العراق، وحذت حذوها فرنسا فدمجت ولاية دمشق (في معظمها) وولاية حلب وقسماً من ولاية بيروت (ساحل اللاذقية وطرطوس) وجعلت منه دولة سوريا، ودمجت قسماً من ساحل ولاية بيروت (عكار والجنوب وسهل البقاع) بمتصرفية جبل لبنان وجعلت منها دولة لبنان الكبير . وسلخت بريطانيا فلسطين عن سائر ولايات سوريا وأقامت لها نظاماً خاصاً تحت انتدابها، وسلخت شرق الأردن عن ولاية دمشق وجعلت منه إمارة تحت لواء الأمير عبد الله بن الحسين الهاشمي .
يتضح من تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الولايات المتحدة ترنو إلى إعادة رصف محافظات العراق في نظام فيدرالي . صحيح أن دستور العراق الحالي (الذي وضعته واشنطن) ينطوي على نظام فيدرالي يقوم على أساس المحافظات، إلاّ أن ما تصبو إليه واشنطن هو نظام فيدرالي يقوم على أساس تقسيم العراق إلى اقاليم تضم محافظات ذات لون مذهبي أو لون أثني (قومي) غالب، فيكون لمحافظات الشمال الكردية إقليم (كما هو واقع الحال اليوم) ولمحافظات الغرب السنّية إقليم، ولمحافظات الجنوب الشيعية إقليم، على أن يقوم بين الأقاليم الثلاثة اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي تكون صلاحيات السلطة الاتحادية أو المركزية فيه ضعيفة .
ربما تخطط واشنطن لكل من سوريا ولبنان نظاماً فيدرالياً أو كونفيدرالياً طائفياً أو مذهبياً أو أثنياً على غرار ما تريده للعراق، لكن ما من شيء محسوس أو معلن ظهر حتى الآن .
على الصعيد الثقافي، ربما تفكر واشنطن بالعودة إلى النظام الملّي العثماني الذي مكّن كل طائفة أو جماعة دينية بأن تحافظ وبالتالي تمارس شؤونها الدينية والثقافية وفق الانظمة الخاصة بها . إنه نظام للمحاصصة الطائفية بإمتياز اعتمدته سلطات الانتداب الفرنسي، واحتفظت به دولة الاستقلال في لبنان، وما زال ساري المفعول . وقد نقلته سلطات الاحتلال الأمريكي في العراق وطبقته، كما في لبنان، على أساس حصص محفوظة لكلٍ من الطوائف والأقليات الموجودة فيه .
دولة الاستقلال في سوريا نأت بنفسها عن نظام المحاصصة الطائفية . لكن تنظيم “داعش” اعتمد في ممارسته على استقطاب أهل السنّة والجماعة واستنفارهم وحشدهم واعتماد رجاله وموظفيه منهم الأمر الذي يسهّل على واشنطن اعتماد نظام المحاصصة الطائفية في سوريا بعد فراغها من احتواء “داعش” .
في ضوء هذه المعطيات والتحديات والاحتمالات تستبين الحاجة إلى يقظة عامة في صفوف القوى الوطنية الحية في سوريا ولبنان والعراق من أجل مواجهة ما يعدّ لبلادها من مخططات تصبّ في مهاوي تقسيم المقسّم وتفتيت المفتت . ولعل منطلق المواجهة الأفعل والأسلم هو في اعتناق واعتماد الهوية الوطنية والقومية العامة أساساً لكل تنظيم سياسي يلتزم مواجهة هجمةِ الغرب الاستعماري العائد إلى المشرق في ثياب “المنقذ”، كما مواجهة هجمة التنظيمات التكفيرية الإرهابية المتنكرة بلبوس الإسلام السلفي، هذا ناهيك عن “إسرائيل” التي تلعب بالجميع وعلى الجميع بغية تجذير استعمارها الصهيوني الإقتلاعي في أرضنا .
غني عن البيان أننا، في مواجهتنا للتحديات، يجب أن ننتمي إلى الذات، وأن نعتمد على النفس، وأن نتوخى دائماً المحافظة على هويتنا وحقوقنا ومصالحنا وقيمنا العليا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165410

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165410 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010