الجمعة 12 أيلول (سبتمبر) 2014

الحرب الأمريكية الثانية على الإرهاب

الجمعة 12 أيلول (سبتمبر) 2014 par محمد الصياد

في مقال الجمعة الماضية أوضحنا كيف تحولت العلاقة الملتبسة بين الولايات المتحدة، وبمعيتها حليفاتها الغربيات، وبين ما يسمى من علاقة تحاذر الاشتباك التي استمرت زهاء ثماني سنوات، منذ إنشاء “داعش” في ،2006 إلى علاقة مجابهة تفرض الاشتباك القتالي الضاري والمميت بين الجانبين إثر تجرؤ ميليشيا “داعش” على تخطي الخطوط الحمر ومحاولة غزو اقليم كردستان، ومن بعد إقدامها على جريمة قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي مساء الثلاثاء 12 أغسطس/آب ،2014 وهو ما أدى إلى نهوض هذه القضية فجأة لتغدو قضية عالمية مصيرية، للمجتمعات ومكوناتها الإثنية والدينية والمذهبية والقومية، كما للحضارة الكونية .
وحسبنا أن تلك الانعطافة السريعة في الأحداث هي بالذات التي تفسر سرعة قيام لندن، بإيعاز من واشنطن بإعداد مشروع قرار حمل الرقم 2170 قُدم الى مجلس الأمن الذي لم يتأخر في التصويت عليه في 15 أغسطس/ آب 2014 بالإجماع وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة لتنفيذه في نزع سلاح وتفكيك تنظيم “داعش” وجبهة النصرة وجميع الكيانات والأفراد المرتبطين بالقاعدة بشكل فوري .
فهل هو إيذانٌ بتخلي واشنطن عن سياسة الاحتواء للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم “داعش”، والتحول الى سياسة قوامها إزاحتها من المشهد تماما باستخدام أسلوب قائد قوات الحلفاء في عاصفة الصحراء لعام 1991 الجنرال الأمريكي الراحل نورمان شوارزكوف والمتمثل في “اقطع واضرب”، وذلك بتقطيع أوصال ميليشيات التنظيم وضربها وتفتيتها على الجبهتين العراقية والسورية؟!
هذا على الأقل ما تفترضه ظواهر التحركات الدبلوماسية والسياسية الأمريكية والمواقف اللفظية المكرسة للتحشيد الإقليمي والدولي ضد “داعش”، واستعداد واشنطن العلني للتخلي عن بعض ثوابت سياستها الخارجية بالانتقال من النقيض الى النقيض . . من العمل بشتى السبل لإسقاط النظام السوري الى الانخراط في اتصالات غير مباشرة معه للتنسيق المشترك ضد “داعش”، وذلك بعد التحدي المستفز للتنظيم الإرهابي والمتمثل في عملية الذبح البربرية لجيمس فولي، وكأننا أمام إعادة إنتاج تاريخية للظروف والملابسات التي أحاطت باندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918) . هنا اندلعت الحرب إثر أزمة دبلوماسية نشبت حينما أعلنت الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على مملكة صربيا بسبب اغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند مع زوجته من قبل طالب صربي يدعى غافريلو برينسيب أثناء زيارتهما سراييفو في 28 يونيو/ حزيران 1914 . وهو ما ترتب عليه قيام الإمبراطورية النمساوية المجرية بغزو مملكة صربيا وظهور تحالفات القوى الكبرى وتموضعها على جبهتين عالميتين وتقاتلها حتى هزيمة الإمبراطورية الألمانية وحلفائها . وفي الحالة التي نحن بصددها أيضا فقد شكلت عملية الذبح الهمجية التي نفذها “داعش” مساء الثلاثاء 12 أغسطس/آب 2014 بحق الصحفي الأمريكي فولي الذي كان خُطف في سوريا في نوفمبر/ تشرين الثاني ،2012 وتهديد التنظيم بأنه سيقطع رأس الصحفي الأمريكي الآخر ستيفن جويل سوتلوف المحتجز لديها منذ اختطافه في يوليو/تموز 2013 قرب الحدود بين سوريا وتركيا، ظرفاً مُشدداً وحاسماً للحرب الطاحنة التي ستخوضها الولايات المتحدة، ضد “داعش” في العراق وسوريا، خصوصاً أن الأخيرة قد نفذت تهديدها وأقدمت الثلاثاء 2 سبتمبر/أيلول الجاري على قطع رأس سوتلوف بالطريقة الوحشية نفسها التي أزهقت بها روح مواطنه فولي! . . فكان من المنطقي أن تزيد هذه الجريمة الموقف اشتعالا بين قطبي الحرب القادمة .
إنها إذاً الحرب الأمريكية الثانية على الإرهاب بعد تلك (الأولى) التي كان أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الإرهابية على واشنطن ونيويورك . وهو -أي أوباما - الذي كان قرر سحب مسماها من التداول الإعلامي والسياسي توطئةً لإنهائها ضمن خطته الشاملة لتخليص بلاده من تركة هذه الحرب وبضمنها سحب قوات بلاده من العراق وأفغانستان، والاكتفاء ب “العمليات الجراحية” غير المكلفة التي تنفذها طائرات درون (طائرات بدون طيار) ضد مراكز تجمعات مقاتلي تنظيم القاعدة في باكستان واليمن .
ومع ذلك يبقى سلوك وردات فعل واشنطن تجاه التحدي القوي الذي أظهرته لها ميليشيات “داعش” وأضرابها من الجماعات الاسلامية المسلحة في العراق وسوريا، مثاراً للتساؤل أقله على سبيل المثال صمت واشنطن على ميليشيات النصرة رغم تجريمها أسوة ب “داعش” في قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالارهاب الدولي، بما فيها قراره الأخير، وملابسات تسليم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا رهينة أمريكية إلى “إسرائيل” عبر معبر القنيطرة الحدودي الملاصق لمرتفعات الجولان المحتلة من قبل “إسرائيل”، هو بيتر كيرتس الذي كان محتجزاً لديها منذ عام ،2012 فيما يعتقد انها مازالت تحتجز الصحفي في واشنطن بوست اوستن تايس الذي اختفى في سوريا منذ أغسطس/آب 2012؟!
والأنكى من ذلك أن الولايات المتحدة لا يبدو أنها بصدد تغيير موقفها من التنظيمات الارهابية في ضوء تجربتها الطويلة و“الحافلة” مع تنظيم القاعدة . وهو موقف تمسرح على شكل متوالية تبدأ بالرعاية والتوظيف قبل بروز التضاد الذي يتلوه الصدام الدامي الشرس . وهو ما تُرجح شواهد الأمور، حتى الآن على الأقل، تكراره مع تحدي مجابهة “داعش”، على ذات منوال التداعي الدرامي للتحدي الذي فرضه عليها تنظيم القاعدة، خصوصاً في ضوء تردد كلمة “احتواء” “داعش” وليس القضاء عليها بين آونة وأخرى على ألسنة “المحللين والمراقبين والخبراء” الذين تزداد طلاتهم عبر وسائط الميديا المعبرة عن وجهة النظر الأمريكية!
وكما في الحرب الأمريكية الأولى على الارهاب ضد القاعدة، فإن العالم لن يأخذ بما في ذلك الدول التي أعلنت “اكتتابها” في سندات الحرب الأمريكية الثانية على الارهاب - ضد “داعش” هذه المرة - الولايات المتحدة على محمل الجد، ما لم يقترن هدف الحرب في القضاء على “داعش” مادياً، بحرب موازية على جبهة الأيديولوجيا التي تواصل بذر بذور شقاقها وفتنتها في المجتمعات التي تُنثر في أراضيها “الخصيبة” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165997

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165997 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010