الأربعاء 10 أيلول (سبتمبر) 2014

انحدار اخلاقي قاتل !!

الأربعاء 10 أيلول (سبتمبر) 2014 par د.عادل محمد عايش الأسطل

تميزت علاقات الدول العربية على مدار تاريخ القضية الفلسطينية، بجدل في التقييم المناسب والدقيق بين ما تفرضه مصطلحات العروبة كأمّة واحدة، وبين مصالحها القومية كلٌ على حِدة. وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنها كانت أكثر تماسكاً وحرصاً على القضية، مقارنةً بالمرحلة هذه، وبخاصةً في أثناء الحرب العدوانية الإسرائيلية – الجرف الصامد- والتي تواصلت ضد المقاومة والسكان معاً داخل القطاع، على مدار ما يقرب من شهرين متتاليين، حيث لم تعد القضية الفلسطينية، ولا ما ينتج عنها، قضية أولوية لديها، بحجج ومبررات تكاد لا تحصى، وسواءً تم ربطها بنفاذ صبرها، أو إهمالها لعدم استفادتها سياسياً واقتصادياً، أو لمناكفتها لبعضها البعض، أو لانشغالها ببعض مشكلاتها الداخلية، أو لانزلاقها إلى متاهات التطبيع مع (الكيان الإسرائيلي).
توضح الكل جلياً، عندما وقفت أمام الامتحان - العدوان الإسرائيلي- ولم تستطع أغلبيتها من ملئ الفراغ بكلمة واحدة، تنبؤ عن أن لديها نيّة باتجاه النجاح، برغم المدة الطويلة الممنوحة لها، ووسائل الدراسة السهلة والميسرة التي كانت تحت تصرّفها، وبرغم أيضاً من التدخل في شأن تلقينها الإجابة الكافية، وفي كل ما يتعلق بالعروبة والعزة والكرامة، وغيرها، بهدف الأخذ بيديها لتتجاوز هذه المرحلة الكئيبة، إلاّ أن ذلك كلّه ذهب دون فائدة.
وبرغم السقوط الذي اعتبر من أكثر السقوطات دويّاً وصخباً، إلاّ أن كل دولة وببساطة، ترى نفسها على حق، وهي ملزمة باحترام صوابيتها، بمعزل عن انتقادات جهات أخرى لها، وسوغت في كل مرة مواقفها تجاه القضية باسم علاقات متشابكة وتطورات أهم، وتقوم من جهة أخرى بالتجرؤ على رد منتقديها، وحتى في حصول صحة نقدها بحذافيرها، وتُكنُّ بالعداء فوراً.
صحيح أن ليس من الحق ولا من المصلحة، أن تتدخل الدول في الشؤون الداخلية لدولٍ أخرى، لكن بعضها اختارت أن تتدخل برغم معرفتها مسبقاً بأن تدخلها يضر بمصلحتها وبالمصلحة العربية ككل، بسبب أن الآثار المترتبة لن تقف عند حدود معينة، بل ستتجاوز الحدود بحدود أخرى، علاوة على أن الدول المتورطة، لن تستطع المضي قدماً نحو اتخاذ موقف أخلاقي بشأن علاقاتها فيما بينها، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، أو بمشكلات الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام.
نجح إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج بوش” وعلى مدر فترتين رئاسيتين ومن بعدها إدارة الرئيس “باراك أوباما” في تثبيت شيئين رئيسين، ضمنا بهما اشتعال المنطقة العربية وفي نفس الوقف الحفاظ على المصلحة الأمريكية كمهمّة كبرى، وهما: بث روح الفتنة بين الأنظمة العربية، وتثبيت شعار محاربة الإرهاب لديها، بعد أن كانت واشنطن متورطة في خلقه منذ البداية، حتى أصبحت تلك الدول، دائبة في تعليق جل مشكلاتها على عاتق ذلك الإرهاب، الذي يتوقف تماماً، عندما يتصل بالحال الإسرائيلي، وسواء كان ذلك خوفاً من العقاب أو طمعاً في مكرمة، ففي الوقت الذي أصبحت تندد تلك الدول ضد بعضها البعض جهاراً، فإنه لا يمكنها فعل الشيء نفسه ضد (إسرائيل)، وحتى إذا توفرت إمكانية لتنسيقٍ مسبق.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي، لم نحفل كثيراً لغياب مواقف عربية يمكن احترامها ضد (إسرائيل)، بسبب أننا نعلم مسبقاً بها، ترتيباً على مواقف ورؤى ووجهات نظر سابقة، ومن جهةٍ ثانية، هو اعتقادنا بأن العدوان الحالي كسوابقه من حيث القسوة والمدة التي استغرقها. وبرغم تطوراته الخطِرة، من مجرد الإغارة الجوية على أهداف معينة، إلى البدء في حربٍ برية، كنّا أيضاً نجد عذراً لتلك الأنظمة بشكلٍ أو بآخر، في أن لا مواقف لديها مُعلنة ضد تلك التطورات، بسبب محدودية الحرب- كما أشيع-، والتي تهدف إلى تدمير الأنفاق، ومنع عمليات تسلل خلف الخطوط الإسرائيلية وحسب.
لكن الذي لم نجد له عذراً بالمطلق، هو عدم اتخاذها مواقف حاسمة، ولم نجد مبرراً لصمتها المُطبِق، حين بلغ العدوان الصهيوني مرحلة قصوى لم يبلغها أي عدوان من قبل، فكان اسم على مسمّى تماماً كما حصل على الواقع المشاهد، حيث جرف الكل أمامه، بلا فوارق أو تفريق بين إنسان وإنسان، ولا صغيرٍ أو كبير، ولا شجر أو حجر.
فمنذ أيامه الأخيرة، وأمام الجميع، طوّر الجيش الإسرائيلي سلوكه الهمجي ضد القطاع، حيث بات لا يفهم سوى لغة القتل والتدمير وبأقصى أشكاله، ووصل بجنونه قتل الكل من أجل الوصول إلى مطلوب واحد، أو الانتقام من المجموع، بسبب ما يزعم أن قذيفة أُطلقت من المكان، وكان نتيجة ذلك التطور، أن أباد أحياءً سكنية بكاملها، وأخرج ما يقرب من مائة عائلة من السجل المدني الفلسطيني.
لم تأت هذه التطورات هكذا ومن تلقاء نفسها، وإنما جاءت كنتيجة مباشرة للانحدار العربي، والغير مسبوق باتجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، حيث أعطى الحكومة الإسرائيلية التصريح الكافي، لأن تواصل عدوانها رغبةً في تحقيق أغراضها، للوصول إلى أهدافها الرئيسة العليا، ومنها بث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين المدنيين والإضرار بهم في الأنفس والأموال والممتلكات، وأملاً في خلق حالة، ليست للتراجع عن تأييدهم للمقاومة وحسب، بل لتجبرهم على المساعدة في إخمادها، سيما وأنها ما فتئت تدعو من خلال منشورات وزّعتها طائراتها من الجو، إلى التبرؤ من المقاومة وعدم التعامل معها وحتى الإبلاغ عن حركات أفرادها ونشاطاتهم إذا ما أرادوا النجاة بأنفسهم.
يتعذر علينا فَهم، حتى في ضوء تحقيقنا لانتصارٍ مؤزّر، تمّ تسجيله بمداد القوّة والشجاعة في كتبٍ محفوظة، أن كيف تذهب تلك الأنظمة – العربية-، بعيداً عن الاعتراف به كأولوية مُقدّمة، وعمّا هي مطالبةً به باتجاه قضاياها ومقدراتها وأخلاقياتها العربية والإسلامية كأولويّة خاصة أخرى، وهي تعلم بأن خسارتها واجبة، طالما بقيت على نهجها هذا، كما يتعذّر علينا استيعاب أن تغيب في شراكة مباشرة وغير مباشرة مع (إسرائيل) المنهزمة، وهي متأكدة وحتى بعد مئات السنين من أنها لن تحصل على شيء في مقابل تلك الشراكة.

- أفول ربيع المصالحة !

في كل مرة كان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” يضع أمام الرئيس الفلسطيني “أبومازن” شرط التنازل عن اتفاق المصالحة مع حركة حماس كي يواصل معه المفاوضات المباشرة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام، على اعتبار أن المصالحة تمثل التهديد الحقيقي للأمن الإسرائيلي، وما فتئ يُشهر أن يختار “أبومازن” بين المصالحة مع حماس أو السلام مع إسرائيل، وعلى الرغم من علمه بأن نسبة نجاح المصالحة لا تبتعد كثيراً عن الصفر، إلاّ أنه كان يتكئ بكل ثقله على ذلك الشرط، وأثبت في كل مرة بأنه مصمم على إعاقة الوصول إلى مصالحة حقيقية، وذلك عن طريق اتخاذه إجراءات سياسية واقتصادية من شأنها إعاقتها من أن تمضي قدماً، والسعي إلى تقويض عمل حكومة الوفاق الوطني والتي تم تشكيلها بناءً على التفاهمات الحاصلة، في الثاني من يونيو/حزيران الماضي، وكان من أبرزها عدم الاعتراف بها وتجريم الاتصالات بها، وحجز الأموال عنها، وتكثيف النشاطات الاستيطانية، والعمل على تأليب الرأيين الإقليمي والدولي ضدها، باعتبارها حكومة إرهاب وحسب.
لم ينتظر طويلاً “نتانياهو” حتى شاهد بأم عينه عودة الطرفين المتصالحين إلى ما قبل المصالحة، حيث بدأت علامات عدم الثقة بينهما تُترجم أولاً بأول على أرض الواقع وعلى مدار الساعة، حيث تواترت الخلافات ونشأت التباينات وتراءت المشاحنات في أوجها، على أن هذه كلّها، لم تكن ناتجة عن إفرازات العدوان الإسرائيلي على القطاع فقط، بل كانت قائمة منذ اللحظات الأولى لتوقيع اتفاق المصالحة، حيث اشتكت الحركتان من مطاردة نشطائها، بحجة أو بأخرى، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنهما مستاءتان من سلوكهما باتجاه الأخرى.
بعد انقضاء أسبوعين أو أكثر قليلاً، على نهاية العدوان الصهيوني، وعلى الرغم من وحدة الموقف الفلسطيني الذي تم اتخاذه في شأن المفاوضات مع إسرائيل لوقف النار في القاهرة، إلاّ أن ذلك بدى صورياً تماماً، حيث حمّل “أبومازن” حماس مسؤولية العدوان الإسرائيلي بدايةً، وكثف من انتقاداته ضدها سواء باتجاه سلوكها باتجاه المصالحة أو باتجاه نواياها في المستقبل، معتبراً إياها بأنها حكومة ظل تمارس مهامها كالمعتاد ولا تفسح المجال للحكومة الجديدة بأن تقوم بأعمالها، وحذر بأنه لن يقبل بأن يستمر الوضع مع حماس على شكله الحالي، وأنه يجب عليها قبول مبادئ الدولة الفلسطينية الواحدة، وخاصة في شأن التسليم بأن هناك سلطة واحدة ونظام واحد، واتهمها في ذات الوقت بأنها بصدد تنفيذ مخطط يهدف إلى الانقلاب على السلطة في منطقة الضفة الغربية، وهدد بفك الشراكة معها، إذا لم تبدِ موافقة على ما هو مطلوب منها في الاتجاهين الدولي والمحلي، وقيامها بإنهاء حكومة الظل التي تقودها داخل القطاع، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من بسط سيطرتها، والتوقف عن أيّة محاولات لخلق الفوضى في مناطق الضفة الغربية.
في المقابل عبرت حركة حماس عن دهشتها من تصريحات “أبومازن” والمواقف الفتحاوية المترتبة عليها، سيما في أعقاب انتصارها ضد إسرائيل، وبعد أن انتظرت أن يكون هذا الانتصار، حافزاً لأن تُصعّد السلطة من خطواتها ضد إسرائيل، وسواء في شأن التمسك بالمواقف الفلسطينية والإصرار عليها، أو في شأن توجهها إلى الهيئات والمؤسسات الدولية ضد إسرائيل، إضافةً إلى مهمّة جلب التأييد الدولي إلى جانب الحقوق الفلسطينية المشروعة، واعتبرت إقدام “أبومازن” على نشر انتقاداته وتهديداته، بأنها لم تكن متوقعةً لديها وبهذه القوة، كونها لا تصب بالمطلق في صالح الفلسطينيين ولا القضية الفلسطينية وإنما تحقق الرغبات الإسرائيلية والأمريكية فقط.
بعد مرور هذه المدة من إبرام الاتفاق التصالحي بينما، وما تخللها من تناكفات واتهامات متبادلة، فإنها ولا شك، ستضعف من شأن القضية الفلسطينية وستدمر مستقبلها، سيما وأن هناك العديد من الأحداث المؤلمة، والتي تسمح للكل برؤية حالة الانقسام العميقة داخل الشعب الفلسطيني، والتي تجسّد بوضوح، اكتفاء كل منها بالسيطرة على المنطقة التي تسيطر عليها، واقتدائها بسلوكها الذي اختطّته لنفسها منذ البداية، حركة فتح التي اختارت السلام في مناطق الضفة الغربية، وحماس التي تمسكت بالمقاومة داخل القطاع، وهذا الوضع لا يمكن أن يكون مريحاً للفلسطينيين فهو يمثل انتكاسة مؤلمة لهم، بل وأفولاً لربيع المصالحة، وفيما لو تم الاستمرار عليه، فإنه ولاشك هو ما يأمل به “نتانياهو” ويتمناه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2165800

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عادل الاسطل   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165800 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010