الاثنين 8 أيلول (سبتمبر) 2014

العودة إلى الوراء

الاثنين 8 أيلول (سبتمبر) 2014 par محمد عبيد

العودة إلى المربع الأول ليست إلا “تخصصا” فلسطينياً، فالأشقاء في الدم الفرقاء في السياسة لا يستطيعون إلا ترك خلافاتهم تطفو على السطح، ولا يمكن أحياناً فهم كيفية نزوحهم المستمر إلى المناكفة وتراشق الاتهامات، أو حتى عدم قدرتهم على تطويق خلافاتهم والتوصل إلى حلول وسطى، في ظل المأساة المتواصلة .
هناك ميل دائم إلى تحليل السلوكيات والسياسات والتصريحات من منظور “المؤامرة”، وهذا لا يخدم قضية ولا يحل خلافاً، إلى جانب أنه يسهم في تعقيد الأوضاع أكثر فأكثر، ويتركها تأخذ منحى أكثر توتراً، ويحول دون التوصل إلى صيغة تعاون أو حتى اتفاق الحدود الدنيا، وهذا بالتالي ما يجعل من كل استعداد لمعركة فلسطينية جديدة أمراً مستحيل التحقق .
الواضح أن فرقاء السياسة الفلسطينيين ليسوا في وارد الإقلاع عما اعتادوا عليه، رغم أنهم ذاقوا مرارات تبعاته مراراً وتكراراً، فما كانت أزمة تندلع إلا وتعالت الأصوات الداعية إلى التوافق والكف عن التراشق، لكن عبثاً، فالعودة إلى المربع المذكور باتت أشبه بتخصص سياسي، وتحويل المأساة التي لا بد أن تشكل دافعاً إلى التلاقي والتعاضد، إلى مناسبة أخرى للتصيد، والتراشق الإعلامي، بات أمراً معتاداً في ظل ما تعانيه السياسة الفلسطينية من تشظٍ وانقسام .
لم تلبث حكومة التوافق الفلسطيني ترى النور، حتى أطلق الاحتلال “الإسرائيلي” العنان لعدوان دموي مفتوح على الكل الفلسطيني في قطاع غزة، وبعد واحد وخمسين يوماً من الدمار والدماء والقتل بدم بارد، والمساعي لوقف الهمجية المنفلتة من كل عقال، انتهى المشهد في قطاع غزة إلى ما رأيناه جميعاً من دمار وخسائر بشرية ومادية، لكن ذلك يبدو الآن غير كافٍ لوقف المسلسل السوداوي .
لا يمكن فهم الدعوات الحالية إلى تشكيل حكومة جديدة، ولا يمكن أيضاً استيعاب أي مبرر مزعوم لهذه المطالبة المفاجئة، التي جاءت في خضم محاولة الفلسطيني نفض الغبار وبدء مرحلة مواجهة آثار العدوان، وفي ظل المفاوضات غير المباشرة المنتظرة والمتوقع انطلاقها بعد مضي شهر على الهدنة التي تم التوصل إليها برعاية مصرية، ولا يمكن أيضاً فهم أي اتهامات من أي من الطرفين للطرف الآخر، مهما كانت، فالواقع الحالي يتطلب المواجهة، لا على مستوى داخلي، بل على مستوى الاحتلال .
يدرك كثيرون أن رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ليس في أفضل حالاته، وأن ائتلافه الحكومي القائم على توليفة من المتطرفين الدمويين لن يصمد طويلاً، خصوصاً في ظل ما انتهى إليه العدوان من آثار على الاحتلال، لكن ذلك لا يستغل لرفع سقف التفاوض، على المستوى الفلسطيني، بل يترك لمصلحة صراع سياسي فئوي لن يؤدي إلى نتيجة .
الوضع لا يحتمل المزيد من المهاترات، ولا البحث عن تحقيق “مكاسب جانبية” أو “انتصارات” سياسية داخلية، فلا وجود لمنتصر في صراع داخلي في ظل الاحتلال، بل سيكون الجميع خاسرين، والخاسر الأكبر سيكون الشعب الفلسطيني الصامد الصابر، الذي واجه الاحتلال وهجمته الدامية، وتحمل أن يفقد أحباءه وتدمر منشآته وتسوى السقوف التي تقيه بالأرض .
الشعب الفلسطيني انتصر بصموده، لذلك فهو ينتظر من ساسته أن ينتصروا في ساحتهم، لا أن يعودوا إلى الوراء، ويجروه إلى المربع الأول الذي عانى على مدى سني الانقسام للخروج منه إلى غير رجعة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165775

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165775 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010