الأحد 7 أيلول (سبتمبر) 2014

انتهى زمن “إسرائيل” “الحصن” . . لكن

الأحد 7 أيلول (سبتمبر) 2014 par علي جرادات

قبل “النكبة” ناهض الشعب الفلسطيني بدايات الغزوة الصهيونية، وتبلورت حركته الوطنية في خضم مقاومة دفاعية متصاعدة، بلغت ذروتها في ثورة (36-39)، والقتال البطولي ضد قرار تقسيم فلسطين .
بعد “النكبة” خفتت المقاومة الفلسطينية لكن جمراتها لم تنطفئ، والإعداد لاستئنافها لم ينقطع . بعد هزيمة 67 تحولت شرارات العمل الفدائي الفلسطيني إلى مقاومة شعبية مستمرة وشاملة، تنقل مركز ثقلها من الأردن إلى لبنان وصولاً إلى الوطن بتفجر الانتفاضة الشعبية الكبرى، 1987 . بل، حتى بعد “مدريد” و“أوسلو” وبدء “مسارات” التفاوض المباشر تحت الرعاية الأمريكية لتحقيق “تسويات” “الأرض مقابل السلام”، تواصلت المقاومة الفلسطينية من “هبة النفق”، ،1996 إلى “انتفاضة الأقصى” ،2000 إلى جولات المقاومة الباسلة ضد حرب المجازر والتدمير المفتوحة على الشعب الفلسطيني من بوابة قطاع غزة في (2008-2009)، و(2012)، و(2014) . ذلك، لأن حكومات “إسرائيل”، حاولت، برعاية أمريكية، تحويل 20 عاماً ويزيد من المفاوضات إلى غطاء لتكريس الاحتلال وتعميقه، وتحقيق المزيد من الأهداف الصهيونية، بل إلى آلية لتصفية القضية والحقوق والرواية والمقاومة الفلسطينية .
يعنينا مما تقدم استخلاص أنه رغم أن المقاومة الفلسطينية لم تستطع، (حتى الآن)، أن تحقق نصراً سياسياً حاسماً، ولو في حدود إرغام “إسرائيل” على الانسحاب الشامل الكامل، ودون قيد أو شرط، إلى حدود 4 يونيو/حزيران ،1967 إلا أن “إسرائيل” صاحبة أقوى جيش في المنطقة، لم تستطع أن تكسر شوكة المقاومة الفلسطينية، أو أن تمنع تطورها، كماً ونوعاً، أشكالاً ومضامين، ثقافة وبنية، وصولاً إلى أن تصبح نداً عنيداً لجيش يملك ترسانة تسليحية هائلة وتقنية عسكرية فائقة التطور، تدعمها بلا حدود دول عظمى، في مقدمتها الولايات المتحدة . ما يعني أن المقاومة الفلسطينية، (ككل مقاومة تحررية دفاعية)، تستطيع تحقيق النصر تقدم الأمر أو تأخر، إنما ب“النقاط” وليس ب“الضربة القاضية” . أما لماذا؟
لئن كان عبور الجيشين المصري والسوري في حرب العام ،1973 قد أنهى حلم أيديولوجية “إسرائيل” “الكبرى”، عندما أخلت سيناء وفككت المستوطنات فيها، (وإن في إطار صفقة كامب ديفيد)، فإن إجبار “إسرائيل” على إخراج جيشها من التجمعات السكانية الكبرى في الضفة وقطاع غزة بفعل “الانتفاضة الأولى”، ثم فك ارتباطها العسكري والاستيطاني الأحادي مع غزة بفعل “انتفاضة الأقصى”، قد أنهى أيديولوجية إنكار وجود الشعب الفلسطيني إلى غير رجعة .
وأكثر، فإنه، لئن كان نجاح المقاومة الوطنية اللبنانية في طرد الجيش “الإسرائيلي” بلا قيد أو شرط من جنوب لبنان في العام ،2000 وفي هزيمته، باعتراف قادته، في العام ،2006 قد فتح باب إنهاء حلم “إسرائيل” “الحصن العصي على الهزائم”، فإن نجاح المقاومة الفلسطينية في إفشال أهداف الحرب الأخيرة على الشعب الفلسطيني من بوابة قطاع غزة، قد جعل هذا الحلم مجرد حلم أيديولوجي منفصل عن الواقع ليس إلا .
لذلك، ومع عدم الاستخفاف بقوة “إسرائيل” بمعناها الشامل، وبمستوييها الداخلي والخارجي، فإن “إسرائيل” هذه صارت في الواقع عاجزة عن إملاء شروطها بانتصارات ميدانية حاسمة واضحة، وعن منع ارتداد حروبها العدوانية إلى بطنها الرخوة، (جبهتها الداخلية)، وعن التجرؤ على توسيع القتال البري لتحقيق الردع، ما قادها إلى رفْع عنصريتها إلى مستوى فاشية اعتماد نظرية الردع بالقصف الجوي والبحري والبري عن بعد، أي بالتدمير الشامل وارتكاب المجازر بحق المدنيين، الأمر الذي سيقود إلى تسريع تجريدها من مكانة “الدولة المدللة”، وإنهاء شذوذ بقائها دولة مارقة فوق القانون الدولي .
في إطار هذا الفهم، القانون العام، الذي يحكم معادلات المواجهة بين المقاومات الدفاعية لحركات التحرر الوطني والجيوش الباغية للمحتلين والغزاة يجب تقييم والحكم على النتائج الميدانية لمعركة قطاع غزة الأخيرة، كواحدة من معارك الحرب المفتوحة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني . فإخفاق الجيش “الإسرائيلي” في حربه الهمجية على قطاع غزة لا يعكس مجرد فشل لنتنياهو ويعالون وغانتس، كما يشيع معارضوهم ومنافسوهم، بل هو برهان جديد على أن “إسرائيل” النظام العسكري والأمني لم تعد هي ذاتها، وعلى أن زمن أحلام “إسرائيل” “الكبرى”، و“إسرائيل” الحصن المنيع“، و”إسرائيل“المارقة و”المدللة"، قد ولى إلى غير رجعة .
قصارى القول: لئن كان من الطبيعي ألا تجد دروس معركة غزة صدىً لدى قادة “إسرائيل” الفاشيين الذين لن يكفوا عن ارتكاب المزيد من جرائم الحرب الموصوفة في المستقبل القريب والبعيد، ولا لدى قادة حليفهم الأمريكي الاستراتيجي الثابت الذين لن يكفوا عن تغطية هذه الجرائم بذريعة “حق”إسرائيل“في الدفاع عن نفسها”، فإن غير الطبيعي هو ألا يتعامل مع هذه الدروس بالجدية التي تستحقها طرفا الانقسام الفلسطيني اللذان فاجآ شعبهما بتجديد خطاب انقسامهما البائس المدمر، بصورة تنذر بالعودة إلى مربع ما قبل التوحد الميداني في المعركة وتشكيل وفد التفاوض الوطني، بل ربما إلى مربع ما قبل تشكيل “حكومة التوافق الوطني” . ذلك، عوض تطوير ما حققه شعبهم بصموده الأسطوري ومقاومته الباسلة وتضحياته الجسيمة الغالية من انجاز ميداني يقر به العدو، إلى انجاز سياسي يصعب، بل يستحيل، بلوغه دون ارتقاء وحدة “حكومة التوافق الوطني” الشكلية المتعثرة إلى وحدة وطنية حقيقية ببرنامج سياسي موحد يمكن الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية من التصدي لمرحلة ما بعد الحرب بمهامها الوطنية العاجلة: فك حصار غزة وإعادة اعمارها وحماية مقاومتها ومنع تكريس فصلها عن الضفة، والمرحلية: دحر الاحتلال إلى حدود 4 حزيران ،1967 وكل ذلك بما لا يغلق باب مواصلة النضال لحماية جوهر القضية الفلسطينية: حق اللاجئين في التعويض والعودة إلى ديارهم الأصلية وفقاً للقرار الدولي ،194 وبالاستناد إلى الحقائق الثلاث التالية:
أولاً: تطوير القائم من الوحدة بين أطراف الحركة الوطنية بمشاربها المختلفة ليس أمراً اختيارياً، إنما هو مفروض، ودونه يصبح طرفا الانقسام الداخلي في واد وشعبهما في واد آخر، ويسهمان، بوعي أو بجهالة، في تحويل انتصار شعبهما الميداني المعمد بشلال من الدماء والتضحيات الجسيمة الغالية، وبما لا يوصف من أشكال الدمار، إلى هزيمة سياسية .
ثانياً: المقاومة الفلسطينية الدفاعية بمعناها الشامل لم تكن يوماً أمراً اختيارياً، إنما مفروضاً ما دام الاحتلال قائماً، ولا يرى في الفلسطينيين سوى “مجموعات سكانية غير يهودية” لها حاجات إنسانية تمنحها أو تسحبها “دولة الشعب اليهودي” القائمة على “أرضه التاريخية” .
ثالثاً: إطالة أمد تحقيق الشعب الفلسطيني لنصره السياسي الحاسم تتعلق بطبيعة الاحتلال الذي يواجهه . فهو ليس احتلالا تقليدياً قامت به دولة قائمة لنهب خيرات شعب دولة أخرى، بل احتلال استيطاني إقصائي احلالي ذو وظيفة استعمارية وإمبريالية غربية، نفذته حركة عنصرية، (الحركة الصهيونية)، اخترعت لنفسها شعباً وأرضاً، وحولت عصاباتها إلى جيشٍ باغٍ أنشأ “دولة” شاذة مارقة، نفذت أبشع عملية سطو سياسي عرفها التاريخ الحديث، وارتكبت، ولا تزال، ما لا يحصى من جرائم الحرب الموصوفة والتطهير العرقي المخطط والإبادة الجماعية الممنهجة التي لم يوقفها، ولن يوقفها، الاتكاء على رعاية الولايات المتحدة لمفاوضات قيل قبل عشرين عاماً إنها ستجلب تسوية الصراع على أساس “الأرض مقابل السلام” . -



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165814

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165814 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010