الأربعاء 3 أيلول (سبتمبر) 2014

كيف نحافظ على انتصار غزة؟

الأربعاء 3 أيلول (سبتمبر) 2014 par عوني صادق

لقد احتفلنا جميعاً، مقاومة وشعباً، في غزة والضفة، وفي فلسطين المحتلة 48 وفي الشتات أيضاً، بانتصار المقاومة في غزة، الذي ساهمت فيه جماهيرها بصمودها ودعمها للمقاومة واستعدادها لتحمل الثمن المطلوب لتحقيقه . ورغم أن بعض مظاهر الاحتفال لم تكن كما ينبغي، حيث نظمت حركة “حماس” احتفالاً وحدها، ونظمت حركة “الجهاد الإسلامي” احتفالاً آخر وحدها، ورفعت كل منهما أعلامها، ولا ندري إن كانت هناك احتفالات أخرى نظمتها أو ستنظمها فصائل أخرى . وكان من الأفضل أن ينظم احتفال واحد باسم “المقاومة الفلسطينية” وأن يرفع العلم الفلسطيني بدلاً من أعلام الفصائل، أو على الأقل إلى جانب تلك الأعلام، لكننا تعودنا منذ البدايات الأولى على هذه النرجسية الفصائلية!
ويعتقد كثيرون من قيادات المقاومة والسلطة، وكثيرون من التجمعات الفلسطينية وقادة الرأي، وحتى الأفراد، أن المهمة الملحة بعد وقف إطلاق النار تتمثل في المباشرة بإجراءات إعادة سبل الحياة إلى غزة وجماهيرها، وإخراجها إلى الوجود من تحت أطنان القنابل التي ألقتها طائرات ال(إف 16) “الإسرائيلية”، وبدء إجراءات إعمار ما تهدم بفعل تلك الأطنان من القنابل . وليس من شك في أن المهمتين المذكورتين لهما الأولوية في السياق العادي، لكنه ليس من شك أيضاً في أنه من المهم جداً أن يتحقق ذلك بالتزامن مع الطرح والتفكير جدياً في السؤال الأهم في هذه اللحظة، الذي يخشى لنشوة الانتصار إن طالت أن تضيعه، أو أن تقلل من أهميته، وهو: كيف نحافظ على انتصار غزة؟
نعرف جميعاً أن الجزء الأهم في اتفاق وقف النار، وهو المتعلق بالميناء والمطار، تأجل الحديث فيه مدة شهر من سريان الاتفاق، وأن الموافقة “الإسرائيلية” على الاتفاق، وما جاء فيه وما نفذ منه حتى الآن، وضع بنيامين نتنياهو وحكومته وائتلافه في مأزق، وفتح بينهم حروباً جعلت المراقبين يعتقدون أن انتخابات مبكرة للكنيست في الطريق . هذا يعني أن نتنياهو وأنصاره سيحاولون ما وسعهم الجهد، سواء خلال الشهر قبل أن تبدأ المفاوضات في القاهرة، أو أثناء المفاوضات، لملمة أوضاعهم والتوجه لنسف الاتفاق، والعودة إلى الحرب . والسؤال هو هل أعد الفلسطينيون أنفسهم لمثل هذا الاحتمال حقاً؟
في ضوء ما أعلنته فصائل المقاومة من أنها جاهزة لمثل هذا الاحتمال، على أساس شعارها “إذا عدتم عدنا”، يمكن ترك هذا الجانب العسكري للأجنحة العسكرية التي ازدادت الثقة بها بعد ما كشفته وقائع الحرب وأداؤها المشرف فيها . ويكفي التنبيه إلى أنه يتوجب عليها أن تعزز من جهودها في هذا الاتجاه، بتعويض ما صرفته من صواريخ وذخائر، وتطوير مواصفات الأسلحة لديها، ولا يقل أهمية من ذلك تكريس وحدتها في الميدان . وتبقى بعد ذلك الممارسة السياسية والموقف الفلسطيني الموحد أثناء مفاوضات القاهرة، هذا الذي كان أحد أسباب الانتصار الذي تحقق .
في هذا الإطار السياسي، تستوقفنا المحاولات الأمريكية والغربية لمقايضة الإعمار بنزع سلاح المقاومة، ومحاولات شق الموقف الفلسطيني الذي توحد أثناء الحرب العدوانية، وذلك من خلال قصر التعامل مع السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، في محاولة لتجيير نصر المقاومة لمصلحة السلطة ورئيسها، من دون تغيير في سياستهما التي لا تتفق وضرورات المرحلة المقبلة . حتى الجزء الأسهل من الاتفاق والمتعلق بفتح المعابر، لا ترى الجهات المعنية الأمريكية والأوروبية والعربية عنواناً له إلا السلطة الفلسطينية . وكذلك أموال الإعمار والتصرف فيها . ويتناغم مع هذه التوجهات الأجنبية والعربية، ما جاء في خطاب الرئيس عباس بعد وقف النار، وتأكيده أنه لن يقبل بوجود “حكومة ظل” في غزة، وإلا وداعاً لحكومة الوحدة! في هذا التصريح رائحة التهديد قوية، وكان المطلوب التأكيد عليها، ولكن بسياسات وصلاحيات جديدة ألقت عليها الحرب أضواءها الباهرة .
كان المطلوب من الرئيس محمود عباس قبل الحديث عن “حكومة الظل”، أن يتخذ مجموعة من القرارات الضرورية لإعطاء مطلبه المصداقية كممثل للشعب الفلسطيني كله، مثل:
- التخلي وسحب خطاباته وتصريحاته المعادية للمقاومة والكفاح المسلح من التداول .
- التخلي والإعلان عن انتهاء “اتفاق أوسلو” وما ترتب عليه من قيود على السلطة وأولها إلغاء “التنسيق الأمني” مع العدو الصهيوني وأجهزته الأمنية .
- الإعلان عن عدم صلاحية الإدارة الأمريكية وسيطاً في “عملية السلام”، والتوجه مباشرة إلى الرأي العام الدولي والأمم المتحدة ومنظماتها وبشكل مباشر، وأولاها “محكمة الجنايات الدولية” .
- إلى جانب إطلاق المجال واسعاً للتحرك الشعبي في الضفة، ووقف عمليات الملاحقة والاعتقالات في صفوف الفصائل الفلسطينية المسلحة .
في هذه الحالة فقط، وبعد إعلان هذه المواقف جميعاً، لن تعارض فصائل المقاومة أن تكون السلطة ورئيسها عنواناً لكل من يخاطب الفلسطينيين، أو يريد المساهمة في مستقبل غزة أو مستقبل القضية الفلسلطينية، سواء باقتراح الحلول أو المبادرات لحلها . أما التنطح للحديث باسم الشعب الفلسطيني، خصوصاً بعد الحرب الثالثة على غزة، بالمنطق القديم الفاشل نفسه، وبالقناعات والمواقف الانهزامية الاستسلامية نفسها التي ثبت ضررها، فهو إهانة لدماء الشهداء وتضحيات الأحياء، وعودة إلى الحلقة المفرغة التي أردنا الخروج منها منذ سنوات ولم يتيسر لنا ذلك .
سيقول البعض إن هذه دعوة لو استجيب لها، تعني إعلان الحرب على الضفة مثلما هي معلنة على غزة . ولكن من ادعى، أو يمكن أن يدعي، أن الحرب ليست معلنة على الضفة قبل أن تعلن على غزة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2166065

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2166065 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010