الاثنين 26 تموز (يوليو) 2010

هل الجنرال بترايوس بطل حرب حقاً؟!

الاثنين 26 تموز (يوليو) 2010 par فرج بو العَشّة

واضح هو تورط الولايات المتحدة في المستنقع الذي صنعته بغزوها أفغانستان واحتلالها. ومع ذلك تصر واشنطن، على لسان وزير دفاعها روبرت غيتس، على أنها ليست «في مستنقع»، بل يُضيف : «اعتقد اننا نحقق بعض التقدم (...) واعتقد اننا نتقدم الى الامام».... وهو اعتقاد لا مصداق له في الواقع على الأرض. فأي تقدم إلى الأمام وجحافل جيوش الناتو عاجزة عن إتمام السيطرة على معاقل طالبان في جنوب أفغانستان منذ قرابة تسع سنوات. وأي تقدم إلى الأمام ولا تنمية حقيقية على الأرض، يستفيد منها الناس، حيث 93% من أموال المساعدات الدولية لأفغانستان تذهب لأغراض عسكرية، بينما خُصصت 7% فقط للمشاريع المدنية، التي باتت، في معظمها، مشاريع للفساد المالي، الذي تبلغ تكلفته 2.5 مليار دولار سنوياً، مما يضع أفعانستان في قائمة أكثر دول العالم فساداً إلى جانب العراق «المتنعمة» هي أيضاً بـ «الديمقراطية البوشية».

على المقلب الآخر تقود طالبان، بغض النظر عن الموقف الشخصي من آيديولوجيتها، حركة مقاومة جهادية، استطاعت أن تزاخم عملياتها القتالية الفعّالة على مدى سنوات الاحتلال التسع، لترتفع خسائر عدوها في الأرواح إلى مائة وواحد قتيل في شهر حزيران/ يونيو الماضي... فهل بمقدور الجنرال ديفيد بترايوس، الذي اُحِلّ محل الجنرال ماكريستال، أن ينجح في ما قيل إنه نجح فيه في العراق، فصار يُعَدَّ في أمريكا «بطل حرب»، إذ يُنسب إليه الفضل في إنقاذ العراق من الحرب الأهلية، ووضع استراتيجية مكافحة التمرد وزيادة القوات، التي أدت، كما يشاع، إلى تحسين الوضع الأمني، مما أتاح للولايات المتحدة تنفيذ خطتها للانسحاب المجدول من العراق..

إن هذه الصورة البطولية الهوليوودية المرسومة للجنرال بترايوس سرعان ما يظهر زيفها عند التحليل الملموس لواقع العراق الملموس، المتفكك على إثر الغزو، عرقياً ومذهبياً، على خلفية احتقانات تاريخية يتضمنها نشوء الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الفائت. وتذهب بعيداً حيث «موقعة الجمل»...

إن تحسن الوضع الأمني في العراق وانحسار المقاومة الوطنية وتلاشي سيطرة «القاعدة» على المحافظات السنية، لا يعود لعبقرية الجنرال بترايوس وخطته لزيادة القوات، إنما لمعطيات الواقع العراقي. بمعنى أن وقائع الأحداث خدمت الأمريكيين. من حيث أن القوى الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال تحالفوا مع الغزاة الأمريكيين في السيطرة على العراق ومحاربة المقاومة الوطنية، التي انحصرت في الأقلية العربية السنية، التي وجدت نفسها تقاتل الغزاة الفرنجة وحلفاءهم الشيعة (المدعومين من إيران) والكرد (المدعومين من الأمريكيين وكذا «الإسرائيليين») من دون ملاذ أمن كالذي وجدته طالبان في جبال باكستان وعند طالبان باكستان. كما كان على المقاومة العراقية أن تتصدى للجماعات المتطرفة التي رفض المجتمع السني ـ حاضن المقاومة، آيديولوجيتها الظلامية وجرائمها الدموية. ومن هنا تشكلت حركة الصحوات من أهالي السنة وعشائرهم للدفاع عن أنفسهم ضد جماعات القتل المجاني، وإن خالطتها، في ما بعد، «صحوات» كثيرة مأجورة لخدمة الأمريكان وحكومة المنطقة الخضراء. أما إنقاذ العراق من شفير الحرب الأهلية الطائفية فيعود إلى رفض غالبية الشعب الانغماس في فتنتها وليس لاستراتيجية بترايوس. كما يعود التراجع الكبير نسبياً في القتلى الأمريكيين إلى، أولاً، تكتيك المقاومة الوطنية، بتحجيم عملياتها بعدما نجحت في إجبار الإدارة الأمريكية على الاقرار بهزيمة مشروعها الإمبريالي في العراق واعتماد استراتيجية خروج مجدول من العراق. وثانياً انسحاب قوات الاحتلال من المدن وتمركزها في معسكرات نائية يصعب مهاجمتها. وبالتالي من المنطقي أن تأخذ المقاومة «استراحة المحارب» تاركة القوات الأمريكية تكمل انسحابها النهائي من العراق حسبما هو مخطط له، والاستعداد لطور جديد من المقاومة ضد من يعدون عملاء ودخلاء. لذلك فإن الاستعانة بالجنرال بترايوس، بصفته «بطل» حرب العراق ليكون بطل حرب أفغانستان المنتظر، ليس، في رأيي، سوى توهم هوليوودي. ذلك أن إفغانستان عالم آخر مفارق تماماً لمعطيات الواقع العراقي، تاريخياً وطوبوغرافياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وجيوبولتيكياً...

إن المقاومة الطالبانية الجهادية تقودها قومية باشتونية قادت عبر العصور فكرة الوطن الأفغاني. وهي قبائل في قبيلة واحدة كبرى مشبوكة وجودياً، فرداً فرداً، بإسلام سني غليظ الإيمان، وتقاليد قبلية شديدة المراس في قيم الشرف والفروسية، حيث فشلت محاولة الأمريكان استنساخ فكرة «الصحوات» في شكل قوات شركة محلية في المناطق التي تسيطر عليها طالبان، ثم ان حركة طالبان لم تكن حزباً مدنياً مصطنعاً يتفكك بسهولة كما حدث لحزب «البعث» بعد الغزو الأمريكي. ولم يشكل وجود «القاعدة» أي تناقض معها، بل انها خسرت الحكم بسبب تمسكها بحمايتها، عكس المقاومة العراقية التي يمكن القول ان «القاعدة» أفسدت مشروعها الوطني بما ارتكبته من تفجيرات في سياق قتل مجاني، بمنطق القتل للقتل. إن المقاومة الأفغانية قائمة على المجاهدة الشعبية، المرتبطة باجتماعها الباشتوني، الممتد بأصوله العرقية والقبلية على الجانب الباكستاني، حيث انبثقت طالبان باكستان كالتوأم السيامي.

ومن هنا فإن المعطيات والظروف التي صنعت من الجنرال بترايوس «بطل حرب» في العراق، ليست متوفرة له في أفغانستان.. بل قد تطيح الحرب في أفغانستان بهيبته ومعها هيبة أمريكا...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010