الأحد 31 آب (أغسطس) 2014

رسالة إلى شباب الأمة

الأحد 31 آب (أغسطس) 2014 par معن بشور

قبل ساعات من اختتام «دورة فلسطين» في مخيم الشباب القومي العربي الرابع والعشرين في مدينة نابل التونسية الجميلة، وفيما تحزمون حقائبكم للعودة إلى أقطاركم التي جئتم منها، من المغرب الأقصى إلى اليمن مهد الأمّة الأول، وبينما تودعون بعضكم بعضاً في لحظات مؤثّرة عرفها كل من سبقكم ممن شارك في هذا المخيم على مدى ربع قرن، لا بدّ أن تتذكروا جملة المعاني التي انطوت عليها تجربة الأيام العشرة التي أمضيتموها معاً، وهي التجربة القصيرة في مدّتها، الغنية في دلالاتها، الموحية في إشاراتها.

1. إن انعقاد مخيمكم للمرة الثالثة على أرض تونس، بعد أن كان القرار في إطلاقه قد اتخذ أيضاً خلال انعقاد أول مؤتمر قومي عربي في تونس في ربيع 1990، كتجسيد لفكرة تكامل العلاقة بين أجيال الأمّة التي تحتاج إلى حيوية شبابها كما إلى حكمة شيوخها وخبرتها ، هو تعبير عن وحدة الأمّة من مشرقها إلى مغربها، وأنه حين تتوافر الإرادة تستطيع طلائع الأمّة أن تحطم كل الحواجز والسدود المصطنعة بين أقطارها ومكوناتها وأجيالها.

2. إن أبناء المغرب العربي، الذي كانت مشاركتهم كثيفة في هذه الدورة خصوصاً من الجزائر والمغرب وتونس، يستعيدون اليوم، كما في أيام خلت، دورهم في صدارة المشهد العربي والإسلامي مسقطين بذلك كل ما قام من عوائق سياسية وثقافية واجتماعية بينهم وبين أبناء أمّتهم.

3. إن اختياركم لفلسطين اسماً لدورتكم هذا العام، وعادة لا تختارون أسماء لدوراتكم لكثرة من يستحقوا من رموز الأمة وشهدائها أن يلتقي الشباب العربي تحت رايته ، لم يكن فقط بفعل البطولات والتضحيات الهائلة التي شهدتها غزّة المعجزة ومعها كل فلسطين التي احتفلتم، ومعكم كل شرفاء أمّتكم وأحرار العالم، بانتصارها، بخاصة أن بينكم شباباً وشابات أتوا من داخل فلسطين المحتلة، ومن غزّة بالذات، ومن عائلات قدمت أنبل المجاهدين وأطهر الشهداء، بل كان هذا الاختيار أيضاً إعلاناً صريحاً منكم بأن فلسطين، التي أراد العدو، ومن وراءه، أن يغتصب أرضها ويدنس مقدساتها ويشرد شعبها لكي يقيم فاصلاً بشرياً بين مشرق الأمّة ومغربها، تتحول يوماً بعد يوم إلى قضية يتوحد حولها أبناء الأمّة، وتحرك فيهم تضحياتها أسمى القيم والفضائل، فكان مخيمكم استمراراً لتلك المسيرات التي امتلأت بها شوارع مدنكم في المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، في اليمن والأردن والسودان ومصر وسورية ولبنان والعراق والكويت، بل كانت أيضاً امتداداً لتلك العواطف المتأججة التي امتلأت بها قلوب أهلكم في ليبيا على رغم فجيعتهم بما ابتلوا به من فتن وحروب كانت دوماً لصيقاً بكل تدخل أجنبي يحاول أن يطل برأسه مرة أخرى في منطقتنا.

4. إن الحوارات التي عقدتموها مع نخبة من مفكري الأمّة وناشطيها، وورشات العمل التي نظمتموها في ما بينكم حول القضايا الكبرى التي تهمكم كشباب ينتمي إلى أمّة عظيمة كأمّتكم، قد كشفت لكم أن الحوار ليس مجرّد آلية للنقاش بينكم بل أنه بات قيمة إنسانية كبرى تتصل بالحرية، التي لا حوار في غيابها، وبالوحدة التي لا تتحصن إلاّ بالحوار بين مكونات مجتمعها.

لا بل لقد كشفت لكم هذه الحوارات قانوناً، نأمل أن يسود كل أقطار أمّتنا ومجتمعاتها ومنابرها وتياراتها، وهو أن اعتمادنا جميعاً الحوار في ما بيننا لا يوصلنا فقط إلى أفضل الحلول للمشكلات التي تواجهنا، وأرقى الرؤى للمعالجات التي نحتاجها، بل أن الحوار هو ضابط إيقاع لحراكنا، وبوصلة تصحح مسارنا، فنكتشف أن خلافاتنا مهما كانت حادة يمكن أن يكون الحوار سقفاً لاحتدامها، فإما الوصول إلى ما نتفق عليه، أو أن نعذر بعضنا بعضاً في ما نختلف عليه.

5. لقد أتيتم إلى المخيم من بيئات فكرية وسياسية واجتماعية متعدّدة، وأحياناً متباينة، لكنكم اكتشفتم، وخلال أيام قليلة، أن ما يجمعكم أكثر بكثير مما يباعد بينكم، واكتشفتم كذلك مكامن القوة في تنوع رؤاكم، وأن الحقيقة لا تكمن في رأي أو رؤية أو موقف لوحده بل في تلك اللوحة الجامعة التي تتفاعل فيها الآراء، وتتكامل الرؤى، وتتراكم المواقف، ولعل تلك اللوحة هي المختصر المفيد للعروبة الجامعة التي ما أُستُهّدِفتْ يوماً وأُستُهّدِف معها روحها المتمثلة بالإسلام، ونهضتها التي كان المسيحيون العرب فاعلاً رئيسياً فيها، إلاّ لكي تُستهدف الأمّة كلها بوحدتها، ووحدة مجتمعاتها وكياناتها، واستقلال قراراها وإرادتها، وتقدم إنسانها ومجتمعاتها، ورسالتها الحضارية في محيطها والعالم.

6. لقد اكتشفتم وانتم تحضرون لمجيئكم إلى تونس، كما اكتشف من سبقكم إلى مخيمات سابقة، صعوبة الحصول على تأشيرات دخول إلى أرض عربية، على رغم التسهيلات التي وفّرتها مشكورة السلطات التونسية في هذا المجال، ولقد حرم بالفعل بعضكم من المشاركة بسبب التأخر في وصول التعليمات، أو بسبب عوائق بيروقراطية قد لا تكون بريئة في بعض الأحيان، ولا بدّ أنكم تساءلتم: لماذا يحتاج العربي إلى تأشيرة دخول إلى بلد عربي؟ فيما نرى مطاراتنا مفتوحة لأبناء دول سبق أن استعمرت بلادنا، وما زالت حكوماتها تساند عدونا المغتصب، ولا بدّ أنكم تساءلتم أيضاً هل يستطيع مواطن عربي نجح في الحصول على جواز سفر أميركي أو أوروبي أن يدخل بلادنا من دون تأشيرة، ولا يستطيع المواطن العربي الملتصق بأرضه وهويته أن يحصل على هذه التأشيرة إلاّ بشق الأنفس.

ألاّ تستحق هذه القضية أن تناضلوا معاً، على امتداد الوطن الكبير، من أجل إلغاء التأشيرات بين العرب في كل الدول العربية؟ كما كان الحال في عراق ما قبل الاحتلال، وفي سورية على رغم جراحها وعلى مدى عقود طويلة.

7. لقد بنيّتم في تجربتكم القصيرة والغنية معاً، كما بنى من سبقكم، مثالاً حيّاً لأمّة الوحدة على طريق الوحدة، ولأمّة الحوار والحرية على طريق الحوار والحرية، ولأمّة العدل والتقدم والتحرر على طريق العدل والتقدم والتحرر، فهل تستطيعون أن تحملوا معكم هذه المعاني والقيم إلى بلادكم وتؤسسون معاً «لجان مبادرة وحدوية» تؤكّد أن الاتحاد العربي ليس إعلاناً دستورياً يعلنه حكام إذا اتفقوا، ثم يسقط إذا اختلفوا، بقدر ما هو حياة يحياها العرب معاً في مختلف جوانب حياتهم الاقتصادية سوق مشتركة ، والتواصلية سكة حديد واحدة ، والثقافية هوية ثقافية جامعة تحترم الخصوصيات وتسعى إلى تكاملها ، وتربوية مناهج مشتركة جذورها في تراثنا وفروعها في منجزات العصر ، واجتماعية عدالة وتنمية تواجهان البطالة والهجرة ، وتوفران تكافؤ الفرص وتطلقان ما في الشباب من طاقات .

8. لقد شعر كل واحد منكم، بالتأكيد، بالأسى لأنه عرف أن أخوة له وأخوات لم يستطيعوا المشاركة في المخيم لأنهم لا يمتلكون ثمن بطاقة السفر إلى تونس وبعضها يناهز ألألف دولار ، وتساءل من دون شك، أيعقل أن تصرف المليارات على انتقال شباب من بلد إلى آخر لينخرطوا في آتون حروب داخلية مدمّرة، ولخدمة أجندات خطيرة ومشبوهة، لا يعرف معظمهم بالتأكيد خلفياتها الحقيقية، فيما لا توجد جهة عربية رسمية أو أهلية، توفر لشباب الأمّة هذه المساحة الجميلة والحضارية والدائمة من التلاقي في كل عام ، وفي كل قطر من دون استثناء.

يا شباب الأمّة…

لقد قادنا الحديث عن مخيمكم إلى الحديث عن أوجاع الأمّة كلها، قطراً قطراً، جماعة جماعة، فرداً فرداً، وهو أمر طبيعي جداً، فكل محاولة لعزل معالجة مشكلات أي منا عن الآخر محاولة محكومة بالفشل حتماً، فيما نعتقد أن تواصل الطاقات، وتراكم الخبرات، وتكامل الأجيال، هو الطريق إلى النهوض…

لقد كنتم في مخيماتكم مسكونين بنهوض أمّتكم، فلتكونوا في حياتكم وداخل مجتمعاتكم حاملي مشروع نهوض هذه الأمّة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165607

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165607 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010