السبت 30 آب (أغسطس) 2014

غزة إلى البقاء وكيان الإرهاب إلى زوال

السبت 30 آب (أغسطس) 2014 par علي عقلة عرسان

بعد استشهاد أكثر من 577 طفلًا فلسطينيًّا في غزة خلال خمسين يومًا من العدوان الصهيوني الهمجي المستمر عليها، قُتل ولدٌ إسرائيلي يدعى “دانيئيل ترجمان”، فأعلن نتنياهو أنه سيجعل غزة تدفع ثمنًا غاليًا لمقتل ذلك الطفل، وبدأ سلسلة جديدة من التدمير والإبادة متابعة لما سلف من ذلك الجنون، وترافق هذا الإعلان العدواني الوحشي والصلف العنصري من إرهابي مجرم عنصري بلا أخلاق مع ضجيج لعالم غربي رسمي منكوب بالنفاق ومسكون بالخوف من تهمة “اللاسامية” وبازدواجية معايير تقحمه في عَماء سياسي وأخلاقي خطير، بدأ صيحات الاستنكار لمقتل طفل يهودي إسرائيلي وهو يتعامى عن استمرار العدوان، ويتغاضى عما في إعلان الإرهابي نتنياهو من مواقف وسياسات تدينها المواثيق الدولية .. أما الأطفال الفلسطينيون الذين تجاوز عددهم 577 طفلًا قتلهم كيان الإرهاب الإسرائيلي بالغارات الجوية والقذائف الصاروخية وبأسلحة وذخائر أميركية وأوروبية، فلم يشعر بهم ذلك العالم المنافق، ولا هو استنكر ضحايا من الأطفال على الخصوص بينهم أكثر من ألف معوق هم بشرٌ لهم آمال وأحلام وأسماء وآباء وأمهات وإخوة وأخوات، ويجري في عروقهم دم من فصائل الدم البشري؟! وقد استهدف العدو بالقصف قائد قوة حماس العسكرية محمد الضيف وقتل زوجته وابنه البالغ من العمر سبعة أشهر ودمر أبراجًا سكنية في غزة على من فيها، فلم يحرك هذا الحدث الإجرامي أولئك المتواطئين مع المجرم .. ومضى الصهاينة في فلسطين المحتلة إلى المطالبة بما هو أكثر من تدمير غزة على رؤوس سكانها، وأكثر من 2137 شهيدًا و11100 جريح فلسطيني تم قتلهم في أثناء العدوان المستمر بينهم 577 طفلا، و261 امرأة، و101 مُسِن، وإصابة أكثر من 11100 بجراح فيها، مضى الصهاينة يطالبون بمسح غزة وأهلها من الوجود؟!
لا يمكن لبشر يملك الحد الأدنى من السويَّة العقلية والنفسية، وذرة من الوجدان، وأدنى مستوى معرفي ـ إنساني، ويتمتع بدرجة من حس المسؤولية الأخلاقية، أن يفهم العقلية العنصرية الصهيونية التي تقدم على هذه الجرائم ولا أن يقبلها أو يتفهَّم تكوينها الثقافي وقيمها التي تدعيها ومعاييرها التي تأخذ بها، ولا أن يتصور أن لديها ذرة من الأخلاق، فضلًا عن أن يمنحها أي درجة من الحق فيما تفعل، أو أن يسوِّغ عملها ويدرجه تحت مسمى مقبول مثل “الدفاع عن النفس” الذي يروج له تبريرًا لإجرامها، لا سيما وأنها تحتل وطن الشعب الفلسطيني الذي تحاصره وتقتله وتلاحقه بمسلسلات إبادة منذ عقود من الزمن؟! ولا يمكن لأي مجتمع تحكمه أدنى درجات الحكمة والعدالة والقيم والمعايير السليمة أن يقبل تصرف “دولة” من هذا النوع وهي بهذا القدر من الوحشية والعنصرية الدموية والخروج على القانون؟! .. ومن غير المقبول أو المفهوم كيف يتغاضى عالمٌ يسمي نفسه متحضرًا عن قتل وإصابة كل هذا العدد من الفلسطينيين، وعن تدمير غزة بهذا الشكل الهمجي بعد حصارها لمدة ثماني سنوات، وعن قتل 577 طفلًا من أطفالها ثم يرفع عقيرته بالشكوى والاحتجاج لمقتل ولد إسرائيلي واحد في حرب عدوانية معلنة؟! لا يمكن أن ندرج هذا السلوك “الرسمي والجماهيري” تحت أبواب الجهل بالوقائع والحقائق ونقص المعلومات، ولا أن نسوِّغ المواقف بأنه نتيجة لسلوك وسائل إعلام ضالعة في التضليل لمصلحة المعتدي، ذلك لأن هذه الأمور معروفة عالميًّا، ولأن الانحياز والتواطؤ أكثر من واضحين في هذا الصراع منذ نشوبه قبل عقود من الزمن.
من المؤسف أن يحصل هذا في عالمنا، وفي القرن الحادي والعشرين الذي تطلع كثيرون من البشر إلى أن يسجل تقدمًا في الجوانب الإنسانية للتطور التقني والحضاري، فكانت الأمور على العكس من ذلك، إذ بدأ القرن البائس بتدمير العراق ثم إشعال النار في المنطقة!؟ ومن المؤسف بصورة أشد أن تتحول منطقتنا العربية وبلدان منها على الخصوص “العراق وليبيا وسوريا..”، من جراء السياسات العنصرية ـ الإجرامية ـ الاستعمارية، ونتيجة للاستثمار الدولي في الإرهاب والفوضى المنظمة التي أريد لها أن تكون خلاقة في التمزيق والتدمير وإعادة رسم الجغرافية الطبيعية والسكانية فجاءت مبدعة في صنوف الشر كافة، وقد زخرت المنطقة بتنفيذ برامج الإبادة الجماعية الممنهجة، وإثارة الحروب والفتن المذهبية والطائفية والعرقية على يد الصهاينة وحلفائهم، وساعد في ذلك بيئة ـ كانت للأسف ـ حاضنة لبذور الخراب والظلم وأنواع من الاستبداد والفساد ومساندة المستبدين والمتآمرين على أوطانهم .. فكان أن تحولت بعض البلدان العربية إلى مناطق منكوبة يُقتل أهلُها ويتشردون، ويفترسها الإرهاب، ويكثر فيها الدمار والقتل وتسودها الفوضى، ويستثمر في نكبتها مستثمرون دوليون يستثمرون في الإرهاب والعنصرية والفتن المذهبية وسفك الدم والقتل الفظيع، وتخريب المنطقة وإضعافها وتمزيقها اجتماعيًّا .. بهدف الوصول إلى التحكم بشؤونها، وفرض استراتيجيات وتحقيق مكاسب سياسية ذات تأثير في مجرى السياسة الدولية وفي فرض هيمنة ونفوذ يؤديان إلى التحكم بمصائر دول وشعوب، والاستيلاء على الطاقة والثروات والأسواق لا سيما سوق السلاح حيث يراد ترويجه، وترسيخ العنصرية ونتائج العدوان الذي تمارسه منذ عقود عصابات إرهابية صهيونية احتلت فلسطين وأعلنت دولة عنصرية وإرهاب فيها، وهي تريد أن تستكمل مشروعها التوسعي، وأن تفرض “شرعية وجودها” بتمزيق كل ما حولها من دول ومجتمعات وإضعافها وإفقارها، وبإبادة كل من تستطيع إبادتهم من الناس المتصلين بأرض وعقيدة وتاريخ وهوية وبوطن احتله أولئك الإرهابيون بتواطؤ دولي، وهم يعملون مع حلفائهم منذ قرون على تشويه تاريخه والحقائق المتصلة بالصراع فيه وعليه، ليكون لهم، من بعد ترسيخ التشويه، حقٌّ يدعونه ويطالبون به، ولكي يبقى الكيان الإرهابي الصهيوني الذي أقاموه بالقوة والخديعة والتآمر مهيمنًا وآمنًا وقادرًا على القتل وتصدير الشر والاستثمار في الفتن. ويتم ذلك بوضع مخططات ورسم سياسات وتنفيذ برامج إبادة منظمة وتخريب ثقافي واجتماعي وعقائدي، تؤيدها وتساندها دول استعمار واستلاب معروفة، ذات تاريخ أسود وادعاءات أخلاقية وإنسانية عريضة فارغة من كل مضمون ومنعدمة المصداقية، وقوة عمياء تفتك بلا رحمة .. وتفعل ذلك بادعاءات منها أن ما تقوم به إسرائيل هو حقٌّ لها و”دفاع عن النفس”؟! .. وأي دفاع عن النفس لعنصري إرهابي مجرم يحتل أرض الآخرين ويحاصرهم ويقتلهم في بيوتهم ويريد أن يبيدهم ليتخلص من وجودهم ومن مطالبتهم بوطنهم التاريخي وبحقهم في الأرض والاستقلال والحرية وإقامة العدل في أرض الآباء والأجداد؟! ومن المؤسف أن تدعم هذا النوع من العدوان والعنصرية المتوحشة وحروب الإبادة وإرهاب الدولة المكشوف والادعاءات الجوفاء .. أن تدعمه عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وماليًّا.. إلخ، الدول الأوروبية والدولة الأكبر والأقوى في العالم، صاحبة الادعاء العريض بمناصرة القيم والحقوق والحريات، مع أنها الإرهاب المكتمل مجسدًا في دولة، وذات التمييز العنصري المستمر بمظاهر متعددة حتى اليوم، والدولة التي قامت منذ تأسيسها على إبادة العرق “وجثث الهنود الحمر شاهد”، وعلى دماء ودموع وعرق الأفارقة السود الذين تركز عليهم تمييزُها العنصري، وعلى الحروب العدوانية المدمرة ضد الشعوب .. أعني الولايات المتحدة الأميركية بجبروتها الإجرامي؟! والأدهى والأمر أن يناصر أولئك أو أن يسير في ركابهم ويضع أمواله وثرواته وقدراته في خدمة سياساتهم وبرامجهم الفتاكة لأغراض البقاء الخاص .. بعض العرب ممن يعنيهم بقاؤهم أكثر من بقاء الأمة، ومن يقيمون نفوذهم على حساب العدل والدين والأمة.
إن غزة العظيمة تنجح اليوم في الامتحان وهي في خضم المحنة، وتخوض حربًا فُرضت عليها فتحولها من حرب خاطفة، حسب توجهات المعتدي وحساباته، إلى حرب استنزاف للعدو الصهيوني المحتل، ولو بصور محدودة: “اقتصادية ونفسية وأمنية”!! وقد استطاعت غزة، وهي تحت الحصار والنار أن تكسب، رغم فداحة المصاب وكثرة الخسائر: فقد كسبت حضورًا نضاليًّا/ جهاديًّا مكنها من أن تجعل العدو العنصري الصلف يختبئ في الملاجئ ويخلي مستعمرات حول غزة ويفقد جنودًا، وفي أن تشل حركة العمل في مواقع كثيرة من فلسطين المحتلة، وتوقف مطار اللد “بن جوريون” عن العمل لمدة سواء أزادت أم قصرت فهي إنجاز، وأن تجعل كيان الإرهاب الصهيوني يحسب لها حسابًا وأن يرتبك وينكشف أمام نفسه وأمام العالم .. وقد فعلت ذلك بصمودها واستمرار تصديها للعدوان، وتطويرها لسلاحها، كما استطاعت أن ترغم العدو على مناقشة شروطها لوقف النار والقبول بما لم يكن يقبل به من قبل من شروط، ومن ذلك رفع الحصار عن المدينة البطلة غزة، التي “نسيها العالم” أو تناساها في عتمة الحصار الصهيوني المميت المفروض عليها لسنوات وسنوات .. وربما كان من أهم ما أنجزته غزة بتقديري أنها وأن استعادت نسبيًّا استقطاب الجماهير العربية حول خيار المقاومة، على الرغم من فجور صهاينة من العرب وصراخهم بوجهها مثبطين .. وقد رفعت غزة المقاوِمة قضية فلسطينية من وهدات سقطت أو أسقطت فيها إلى مستوى أعلى بكثير مما فعله “تفاوض” عقيم انحدر بها إلى مستوى التسليم بقضم العدو للأرض وترويج منطق القبول بالقليل حتى لا يذهب الكل .. هذا حتى لا نقول الاستسلام لمطالب المحتل .. فأصبح مما يرد في مشاريع قرارات مجلس الأمن الدولي إقامة دولة فلسطينية على بحدود الرابع من يونيو ـ حزيران 1967 وهو ما كانت الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وحتى اللجنة الرباعية الدولية تسكت على كل ما ينتقَص من ذلك الأفق الذي أقرته الأمم المتحدة، وتتغاضى عنه وهي ترى “إسرائيل” تهشمه ومعها حلفاؤها .. وأصبح رفض كيان الإرهاب للمصالحة الوطنية الفلسطينية ولدولة فلسطينية تضم الضفة الغربية وغزة، ولحكومة فيها حماس شريك سياسي للسلطة في رام الله، مطلبًا مقبولًا لنتنياهو وحكومته، وأصبح انضمام فلسطين إلى مؤسسات وهيئات واتفاقيات دولية، ومنها اتفاق روما، أمرًا واقعًا، وسينتج عنه حتمًا في القادم من الأيام أن يُحاكَم الإرهابيون الصهاينة، بوصفهم مجرمي حرب، أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
لقد سجلت غزة بدماء شهدائها فصلًا جديدًا في تاريخ قضية فلسطين، وحقيقة زلزلت ما استقر قبل “العصف المأكول” من حقائق وهي أن المقاومة تنتصر بإلقاء وأن عروبة فلسطين بالمتناول عبر المقاومة والتضحية والصمود .. وحققت غزة أشياء مهمة منها ما يدخل في استراتيجية المقاومة مستقبلًا، وأغلقت باب الهزائم، وكتبت سطور حضورها بدماء شهدائها، مدنيين ومقاومين وأطفالًا سجلوا حضورهم النوعي في ذاكرة أطفال غزة وفلسطين وأمة العرب والمسلمين، وفي ذاكرة أطفال من أنحاء العالم، ليكبر جيل المقاومين الجدد ويتوسع وفي صلب تكوينه ومعتقده ونضاله تحرير فلسطين، كل فلسطين من البحر إلى النهر، ودحر العنصرية والكراهية والإرهاب، ونصرة الحق والعدل والمستضعَفين الواقعين تحت الاحتلال والاستعمار والاستبداد والعنصرية في العالم، وأكدت غزة أن النصر للحق ويكون عن طريق امتلاك القوة بالعلم والعمل وتطوير القدرات والاعتماد على الذات، والإيمان بأن التحرير آتٍ .. آتٍ .. آت، وأن الصهاينة المحتلين العنصريين المتوحشين، وليل العنصرية والإرهاب إلى زوال، لأن بقاء المحتلين مع أجيال الفلسطينيين والعرب المنتمين لأشرف قضية وأعدلها من رابع المستحيلات..
فلا مستقبل للصهاينة في فلسطين، ولن يكون وجود أو مستقبل لكيان الإرهاب “إسرائيل” في أرض فلسطين العربية. غزة تكتب بالدم، وتكتب لكي يقرأ القادمون من أبناء فلسطين، والقادمون من أبناء العرب والمسلمين والشرفاء من أبناء العالمين، أن مدينة محصورة بين الرمل والبحر، ومحاصرة بالكراهية والسلاح والوحشية وبأكثر من راغب في إبادتها وإخضاعها قد صمدت وقاومت ونجحت في رفع الحصار عنها وفي التمسك بسلاحها وبحقها في الدفاع عن نفسها وحقوقها حتى التحرير، وفتحت بوابات الأمل على المستقبل ليرى كل ذي بصر وبصيرة وأن بقاء المقاومة بوجه آلة الحرب الصهيوني ـ الأميركية انتصار، وأن الحق لا بد أن ينتصر، وأن انتصاره مكلف جدًّا ولكنه حين يحقق نصرًا فإنما يهزم أعداء البشرية جمعاء وأعداء الله والعدل والحرية، وأصحاب الرؤى العنصرية المقيتة المريضة المجردين من الأخلاق، ممن تجاوزتهم كل الثقافات والعقائد والديانات لأنهم إنتاج ثقافة ما قبل التاريخ، وما قبل الديناصورات البائدة، تلك التي تحجرت في عنصرية صوانية وكهوف مظلمة تأكلها الرطوبة والعفن.
غزة إلى بقاء ونماء وانتصار بعون الله وكيان الإرهاب إلى خلل وانهيار وزوال .. والمجد للشهداء والمقاومة المؤمنة بالله وبحقها في الوجود والاستقلال والحرية .. والمستقبل لأطفال فلسطين جيش تحرير الحاضر والمستقبل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2165536

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165536 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010