الأحد 25 تموز (يوليو) 2010

سيرة الحاج أمين الحسيني في جريدة «الأخبار»

الأحد 25 تموز (يوليو) 2010 par د. ثائر دوري

بدأب يحسدون عليه، ما فتئ بعض كتاب جريدة «الأخبار» اللبنانية يشنون الهجوم تلو الهجوم على الحاج أمين الحسيني لسبب واحد وحيد لا شريك له وهو تحالف الحاج أمين مع هتلر في الحرب العالمية الثانية.

لعب الحاج أمين دوراً تاريخياً هاماً على مساحة المشرق العربي في فترة تاريخية هامة. وكان له ما له وعليه ما عليه، وهو - ككل شخصية تاريخية - يجب أن يخضع للدرس وللنقد وللتشريح وللتفكيك، كما يفعل أي دارس للتاريخ، إلا أن ذلك أبعد ما يكون عن التناول المبتسر الصبياني لشخصية الحاج في جريدة «الأخبار»، وموضوع هذه المقالة ليس الدفاع أو نقد الحاج أمين الذي قيل في نقده الكثير، وإذا أراد نقاده من كتاب «الأخبار» إجراء تقييم جاد لسيرة الحاج فليعودوا على الأقل إلى مذكرات المرحوم الشقيري الذي ينقد الحاج نقداً جاداً لاذعاً دون أن يتطرق لحكاية تحالفه مع هتلر، التي هي حكاية ثانوية ضخمها الصهاينة وكتاب جريدة «الأخبار» من اليساريين.

يوحي التركيز بالنقد على تحالف الحاج أمين مع هتلر على أن كوارث الشعب الفلسطيني كانت كلها بسبب هذا التحالف، بما يعني ضمناً أنه لو لم يتحالف الحاج مع هتلر لما كان هناك نكبة، وربما كانت الأمور ستسير سيراً حسناً، هذا المضمر الأول في الإلحاح على شتم الحاج الحسيني بحجة تحالفه مع هتلر. أما المضمر الثاني فهو اعتبار النازية ممثلة بهتلر قمة الإجرام والدموية والعنصرية التي أنتجتها البشرية، وأنها مجسدة للشر المطلق، وبالتالي فإن كل من يلمسها يتلوث بشرها، ويصبح حسب قانون التناضح العكسي شريراً مثلها.

التحالفات في السياسة مسألة معقدة فقد تحالف ستالين مع هتلر في بداية الحرب قبل أن ينقض هتلر على هذا التحالف، وتحالف ستالين مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب ثم انقلبا على بعضهما واعتبر كل فريق من الحلفاء الفريق الآخر رمزاً للشر المطلق، كما اعتبر أتباع الولايات المتحدة كل من يتحالف مع الإتحاد السوفيتي شريراً يجب ادانته وبالعكس. كان الحاج الحسيني يقوم بفعل سياسي أثناء تحالفه مع هتلر، وهو فعل مشروع تقوم به كل الأمم والشعوب عندما تتصدى لعدوان تعرضت له، فهي تبحث عن العون من أي جهة كانت. وموضوع هذا التحالف لا أجده يقدم كثيراً أو يؤخر فيما آلت إليه الأمور فيما بعد، لأن هناك أمثلة تاريخية عربية معاكسة تحالف فيها عرب مع الحلفاء ولم يكن حصادهم أفضل من حصاد الحاج، على سبيل المثال لم يكن هناك مؤيدون لهتلر بين السياسيين الجزائريين الأساسيين، وتطوع مع الحلفاء ولم يكن حصادها أقل مراراً من حصاد الحاج، على سبيل المثال لم يكن هناك مؤيدون لهتلر بين السياسيين الجزائريين ومات أعداد كبيرة من الشباب الجزائري في جيوش الحلفاء (يُقدر عدد الجنود المغاربة الذين حاربوا مع الحلفاء بربع مليون)، ومات كثير منهم في معارك الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ماذا كانت النتيجة؟ هل شكرت فرنسا لهذا الشعب؟ هل ساعده الإنكليز؟ هل وقفت أمريكا معه؟

كانت أولى المكافآت التي حصل عليها هذا الشعب مجازر فرنسية في عيد النصر على النازية عام 1945، فقد قتل الفرنسيون عشرات الآلاف من هذا الشعب الذي قاتل في صفهم وساهم في تحرير بلدهم من النازية. فليس مآل الأمور إذاً مرتبطاً بتحالفات الحاج. الأمر الثاني أيهما كان أكثر خطورة على القضية الفلسطينية، تحالف الشريف حسين مع الانكليز غير الفاشيين وغير النازيين خلال الحرب العالمية الأولى، أم تحالف الحاج مع هتلر؟ باعتقادي إن تحالف الشريف حسين مع الانكليز الديمقراطيين المنتمين إلى العالم الحر في الحرب العالمية الأولى هو الذي أضاع فلسطين، لأن فلسطين ضاعت في الحرب العالمية الأولى.

نأتي لحكاية رفع هتلر والنازية لمرتبة الشر المطلق، وهذا الأمر يتعامل معه كتاب جريدة «الأخبار» على أنه بديهية لا تقبل النقض، ولا يأتيها الباطل من أمام أو من خلف. النازية ايديولوجية عنصرية مجرمة لكنها لا تختلف كثيراً عن ايديولوجيات العصر الغربي الذي يحكم العالم منذ خمسمائة عام ونيف. تعرض العرب في الأندلس إلى أول تطهير عرقي وثقافي في التاريخ على يد الملوك الاسبان قبل أن يكون هناك هتلر، وتعرض الهنود الحمر إلى أكبر مقتلة بشرية على يد الأنغلوساكسون دون أن تكون هناك ايديولوجية نازية أو فاشية، وقتل الفرنسيون مليون ونصف من الجزائريين، والفرنسيون يحملون شرعة حقوق الإنسان ومبادىء الثورة الفرنسية في الإخاء والمساواة، واشتركت كل الأطراف الغربية في قتل الأفارقة واستعبادهم وتدمير ثقافاتهم وكان نصيب ألمانيا النازية في هذه المجازر هو الأقل، وأنغلوساكسون اليوم - أعداء هتلر وغير النازيين - يتابعون القتل في العراق وأفغانستان وفلسطين بهمة يحسدهم هتلر عليها، فقد تجاوز عدد قتلاهم مليون شهيد في العراق وحده دون أن يكون هتلر هو المسؤول عن ذلك.

إن هذه الشيطنة لهتلر وللنازية مفهومة بين أطراف متحاربة، وفي سياق تاريخ كتبه المنتصرون، ولو أن هتلر كان المنتصر لكُتب التاريخ بشكل مناقض لما هو مكتوب الآن، ولرأينا مثقفي جريدة «الأخبار» يكتبون معلقات حول مجزرة دريسدن، المدينة الخالية من أي منشآت عسكرية والتي دكتها الطائرات الأمريكية والبريطانية على رؤوس أهلها في أعنف قصف جوي عرفه التاريخ (قبل قصف العراق) مسببةً مقتل ما يقدر بربع مليون شخص في يومين. ولو انتصر هتلر كنا سنشاهد محاكم في نومبرغ لمجرمي الحرب الأمريكان الذين خططوا وأمروا بقصف هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة النووية.

النازية عقيدة عنصرية متعصبة متعالية، لكنها لا تختلف عن أي ايديولوجيا حملها حكام هذا العصر الأوربي - الأمريكي منذ نشأته على عظام ضحاياه من العرب والمسلمين في الأندلس، وحتى الطريق الممتد بين القدس وبغداد وكابول اليوم. وأما انفعال اليساريين العرب المبالغ به ضد النازية فلا تفسير له إلا بالعبارة الشهيرة «إن أمطرت في موسكو .....». فموسكو تضررت بعمق من العدوان النازي ومن حقها أن تقول ما تريد في هتلر وفي النازية. لكن لو كان كتاب جريدة «الأخبار» يرون المسألة بعيون عربية لأدركوا على الفور أن النازية لا تختلف بشيء عن بقية عقائد العصر الغربي والدليل جروحنا وجثث ضحايانا. وهتلر ليس أكثر اجراماً من بقية قادة هذا العصر من ايزابيل وفرينادو وصولاً إلى جورج بوش الابن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165355

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165355 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010