الجمعة 29 آب (أغسطس) 2014

ما المتوقّع بعد فشل الصهاينة مجدداً وتقدم الشعب الفلسطيني؟

الجمعة 29 آب (أغسطس) 2014 par محمد شريف الجيوسي

تم مبدئياً وقف العدوان الصهيوني على غزة بشروط فلسطينية اضطرت «إسرائيل» لقبولها، ليتحقق واقع مستقبلي أفضل مما كانت عليه الحال قبل بدء العدوان.

وعلى رغم حجم الخسائر الكبير في الأرواح والجرحى والبنى التحتية الهشة وفي العمران والمؤسسات الفلسطينية، فقد تكبد العدو الصهيوني خسائر كبيرة، ربما لم تعادلها خسائر إلا في عدوانه على لبنان والمقاومة اللبنانية في تموز 2006.

مع ملاحظة أن تأثير خسائر الكيان الصهيوني المحدودة في كيانه بالقياس بحجم الخسائر الفلسطينية، أكبر بكثير من تأثيرها وتداعياتها على الشعب الفلسطيني، بل إن هذا الحجم الهائل من الخسائر، شدّ من اللحمة الوطنية الفلسطينية واستنهض ولو بقدر الشعب العربي، وفتح عيون العالم أكثر من أي وقت مضى على همجية الكيان الصهيوني وفضح حقائق لم تكن لتصدق أو يمكن أن يستمع إليها.

وعرّت همجية الكيان وعدوانيته، محور التخاذل الرجعي العربي المرتبط بأميركا والغرب الأوروبي والكيان الصهيوني وانكشارية رجب طيب أردوغان «النيتوي»، بقدر ما كسب العرب والعالم أصدقاء جدداً للحق والحقيقة في أميركا اللاتينية، وعمقت الشقة بين هذه المجموعة الصاعدة وواشنطن الهابطة بشكل مضطرد، وتعزز محور المقاومة إقليمياً ودولياً.

ولكي نكون على قدر معقول من الدقة، لم تكن نتائج الحرب متعددة الأشكال على غزة والضفة ومدينة القدس كاملة النصر، كما لم تكن هزيمة مكتملة للكيان الصهيوني، لكن الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني فشلت في تحقيق أي من أهدافها من حيث نزع سلاح المقاومة أو تدمير الأنفاق إلا عدداً يسيراً منها وفي تخريب المصالحة الفلسطينية بين الضفة وغزة، وفي تثبيت واقع ما قبل العدوان عليهما من حصار وانفصال. وبقيت بنية المقاومة في غزة مشتعلة موحدة، وفي الضفة استنهض الشارع الشعبي على نحو فاجأ العدو الصهيوني، مكبداً إياه خسائر إضافية. واستعاد الشعب الفلسطيني ترابط الضفة والقطاع وحقق مكاسب لغزة ضمنت مصر تنفيذها. بل واتضح ترابط الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967 وفي الشتات.

وبقدر فشل «إسرائيل» في تحقيق أهدافها العدوانية، نجح الشعب الفلسطيني في انتزاع مكاسب عسكرية وسياسية، وتأكد للعدو الصهيوني ومن خلفه، أن أمنه ليس آمناً، في العمق والأطراف من فلسطين المحتلة عام 1948 طالما أن فلسطين لم تتحرر من الماء إلى الماء.

كما أن فشله العسكري، نقل جانباً من الصراع الفلسطيني البيني، والفلسطيني العربي البيني، والعربي البيني، والعربي الإسلامي البيني، والإقليمي، الذي كان الهدف الرئيس لما أطلق عليه الربيع العربي، بخندقة المنطقة ضد بعضها، وإطلاق صراعات مذهبية واثنية لا ينطفئ أوارها. أقول أن الفشل العسكري الصهيوني نقل جانباً مما كان مؤملاً تحقيقه من صراعات ونزاعات واحترابات بين مكونات المنطقة إلى صراع بيني صهيوني، وهو ما بدأت تنفثه وتعبر عنه وسائل إعلام صهيونية، حيث بلغ الفشل حداً لم يعد ممكناً إخفاء تداعياته.

مع ملاحظة أن صراع السلطة والحكم في الكيان الصهيوني وظهور قيادات غير مسؤولة من وجهة صهيونية، بدأت مقدماته قبل عقدين، منذ اغتيال رابين، حيث برزت قيادات «إسرائيلية» قدمت وصولها للحكم على مصالح «الكيان الصهيوني» الاستراتيجية، وخشية الاغتيال على أيدي متطرفين وزاد فشلها في أكثر من حرب عدوانية، من توجهها المتطرف من جهة وتعمق الصراعات الداخلية بينها، وشرعته سلوكيات منحرفة.

حيث ـ مثلاً ـ مارست تسيبي ليفني قبل الجماعات الإرهابية الإسلاموية الجهاد على طريقتها، فمنحت الجنس مدعومة بفتاوى حاخامات يهود، لمن «يفرط» أكثر أو يدلي بمعلومات تخدم تفوق كيانهم الاحتلالي العنصري العدواني الصهيوني.

لقد افتى حاخامات يهود بأن تمارس ليفني «الحب» مع أشخاص معينين، لكن حاخامات ينسبون أنفسهم للإسلام أجازوا أن تمارس المسلمة الجنس مع رجال متعددين خلال ساعات وليس حتى لغاية الحصول على معلومات أو مواقف سياسية، وإنما لغاية تفريغ شهوة هؤلاء «المجاهدين» وأجبروا بعضهن على ذلك البغاء .

أقول أن انحطاط «إسرائيل» بلغ حد استخدام قيادات نسائية صهيونية في إغواء قياديين فلسطينيين، وقيادات كهذه لن تفرز انتصارات وإنما فشلاً بعد آخر. وقد أدركت واشنطن ذلك، فاستبدلت انتصارات كانت تحققها «إسرائيل» لم تعد ممكنة، باحترابات بينية: حروب سنية ـ شيعية وصراع فارسي ـ عربي وممارسات عدوانية طائفية ومذهبية واثنية، وكان اتفاق مكتب الإرشاد العالمي الإخواني مع الولايات المتحدة لتحقيق هذه الاستراتيجية.

ومثل جهاد نكاحٍ شرعنه مفتو فتن، كانت فتاوى ليفني بممارسة ما تشاء، وبالتوازي مع ذلك ولإشباع رغائب مضللين منحرفين، كان الذبح على الهوية وغير الهوية وتكفير الآخر، أيّ آخر، فيكون الصراع مع الصهاينة مؤجلاً غير مسموح به، فيما يقدم التكفير والتطهير العرقي والمذهبي والطائفي، ما يجعل من وجهة ذرائعية غربية قيام دولة يهودية نقية، أمراً مبرراً.

وعليه، أمام الفشل الصهيوني المتكرر، تجاه المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، ومع نجاح الجماعات الإرهابية النسبي في حرف البوصلة وإشغال الأمة عن مقاصدها الرئيسة وقضيتها المركزية الفلسطينية، فإن الحرب الصهيونية المقبلة بمواجهة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ومقاومتين مفترضتين سورية وعراقية، ستكون من نوع جديد، وهو ما شاهدنا مثله في لبنان، إذ وجدت الجماعات الإرهابية في عرسال والقلمون، بدعم قيادات محسوبة على السنة، كما شاهدنا كيف قدمت «إسرائيل» دعماً لها ضد سورية بتزويدها بمحطة اتصالات تجسسية متقدمة ومعالجة جرحى الجماعات الإرهابية، ذلك على أقل تقدير.

هذا يستدعي من المقاومات العربية تنظيف صفوفها من الاختراقات واتخاذ أقصى درجات الحيطة من تسرب جماعات إلى مناطقها على شكل خلايا نائمة، بانتظار فرصة التحرك والتخريب، على ألا يتخذ ذلك طابع التصفيات السياسية بذريعة الأمن.

«إسرائيل» لم تنتصر للمرة الرابعة في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها، وعليه من المؤكد أنها وداعميها سيجترحون أساليب جديدة لاستعادة زمام المبادرة، ولأجل تحقيق حصاد سياسي، يعوض الفشل العسكري، من ذلك التحول إلى حرب نظامية مع دول لا تكون «إسرائيل» طرفاً فيها، وإسقاط قيادات سياسية نظيفة بتهم غير نظيفة أو بالاغتيال الجسدي أو السياسي، إلى جانب استمرار الجماعات الإرهابية في التخريب، وهذا الخيار ليس بالضرورة أن يكون في كل مكان، فقد ينحسر في العراق ويستمر في سورية، أو فتح جبهة لبنان لإحداث إرباك وتشتت في صفوف المقاومة اللبنانية، وقد تتسلل عناصر إرهابية عبر «إسرائيل» إلى الضفة والقطاع والقدس لإرباك المقاومة الفلسطينية، وغير ذلك من احتمالات.

ما سبق يعني ألا تبهر النتائج ال يجابية التي حققها الشعب الفلسطيني عن الاحتمالات المفتوحة في إطار صراع محموم على الحكم في الكيان الصهيوني، وفشله الذي لا يعني فشله هو فقط، وإنما دائرة أوسع بمواجهة دائرة أوسع من التحالفات تتقدمها روسيا.

سيخوض الصهاينة ومن معهم لعبة صراع جديدة تندمج فيها مشتركات عدوانية جديدة وقديمة غير عادية، في محاولة مستميتة لإعادة رسم خريطة المنطقة، تستعيد مكونات التحالف العدواني بنتيجتها عبثاً مكانتها مع شيء من التقدم، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن نجم الصهاينة والغرب الأوروبي والانكشارية وأميركا والرجعية العربية قد غرب، ما لم تعد هذه بإعادة إنتاج نفسها، أي بإلغاء ذاتها والعودة بقواعد جديدة، أما «إسرائيل» فلا فرصة أمامها لا بصعود ولا بانتصار ولا باستمرار أو إعادة انتاج، لكن يقينها هي بذلك وصراعات السلطة البينية داخلها سيجعلها ترتكب حماقات غير محسوبة أشد سوءاً وفاشية ودموية حتى زوالها نهائياً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2181941

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2181941 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40