الأربعاء 27 آب (أغسطس) 2014

إدانة المدان

الأربعاء 27 آب (أغسطس) 2014 par محمد عبيد

لا يحتاج كيان الاحتلال والقتل الدموي شهادة أو شهادات جديدة تثبت عليه الجرائم التي لا يزال يرتكبها بحق فلسطين الأرض والشعب، منذ اقترفت آلته الحربية أولى المجازر بحق السكان الأصليين في فلسطين المحتلة، لكن ذلك لا يقلل من شأن شهادة 300 من الناجين من المحرقة النازية “الهولوكوست” الذين أكدوا أن جرائم “إسرائيل” في قطاع غزة تتجاوز في همجيتها وبشاعتها ما ارتكبته ألمانيا النازية من جرائم بحق الإنسانية جمعاء، إبان الحرب العالمية الثانية .
المهم في هذه الشهادة - إن جازت التسمية - أنها صدرت باسم من يحاول الكيان على الدوام توظيف مأساتهم، بحيث يظلون عقدة تاريخية لألمانيا التي لا يكاد يمر يوم من دون أن تتبرأ من جرائم النازية، ومن دون أن توجه الاعتذار وتقدم المبادرات للكيان، كأن الأخير هو الوكيل الحصري لعذابات بني البشر بسبب ذلك النظام العنصري، الذي يتجاوزه عنصرية وهمجية وإجراماً .
إدانة المُدان أمر طبيعي، لكن أن تأتي من جهة يزعم الكيان أنه يدافع عنها تاريخياً، أمر جدير بالملاحظة، رغم أن ما يؤسف له وما يخشى منه فعلياً، أن تكون هذه الورقة مجرد جرعة تخدير، أو محاولة لإظهار جانب إنساني ما قد لا يكون موجوداً، لدى الكثير من الموالين والمناصرين ل“إسرائيل”، وفي الوقت ذاته، يبدو سلوكاً أكثر وعياً، من انسياق كثيرين من الساسة والمثقفين ونجوم السينما والوسط الفني في الولايات المتحدة والعالم ككل، إلى تبني الدعاية الصهيونية، والانحياز لرواية الاحتلال، وإدانة الضحية لمحاولتها رد العدوان الدموي عن نفسها .
المهم هنا ما هو ظاهر في البيان الذي دان الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، وأعرب عن القلق من محاولات الاحتلال “شيطنة الفلسطينيين” ووصمهم بالإرهاب وغيرها من الأوصاف المنافية لكل قيمة أو عرف أو إنسانية، ولام واشنطن لتمويلها العمليات العسكرية “الإسرائيلية” ضد غزة .
والأهم من ذلك، ما سيكون لمثل هذا البيان من أصداء، سواء على مستوى الصهيونية العالمية، أو داعميها في العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة، رغم أن التجارب لم تدع مجالاً للتعويل على القوى الدولية في العودة إلى رشدها أو التحلي بشيء يسير من الضمير الإنساني، لتزيل ما يغطي على أبصارها كلما ارتكب الكيان جريمة جديدة .
الكيان مدان ومجرّم، لكن المدانين في محكمة التاريخ الحديث كثر، أكثر من أن يتم إحصاؤهم، فهم لم يتورعوا على مدى 66 عاماً أو أكثر عن دعم الاحتلال ومنحه الغطاء من الملاحقة والمحاسبة، وهم أيضاً الذين ساهموا قبل قرابة 100 عام في منحه حقاً مكذوباً في أرض ليس له فيها شيء، حتى من التاريخ، وهم الآن من يتلهون ويلهون العالم بتفجير الأزمات وتصعيد الصراعات، وفتح الملفات الشائكة لصرف النظر عن إحدى أهم القضايا العالمية .
الفلسطينيون ليسوا بحاجة لهؤلاء، وليسوا باحثين عن تعاطف دولي مغلف بالأسى، وتعبيرات جاهزة تبدي القلق أو الفزع أو حتى التنديد، فهم يدركون أن “العالم الحر” لا يقف مع طالبي التحرر والحقوق، ولا يساند إلا ذوي الأطماع التوسعية والاستعمارية، وهم متيقنون بقدرتهم على مواصلة مقاومة الاحتلال الغاشم، مهما حاول تشويه صورة نضالهم التحرري، وقلب الحقائق أمام العالم المنحاز لرواية الطرف الأقوى .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165603

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165603 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010