الثلاثاء 26 آب (أغسطس) 2014

مستوطنات غلاف غزة تفرغ من سكانها

الثلاثاء 26 آب (أغسطس) 2014 par حلمي موسى

بمعايير إسرائيلية كان المنظر فظيعاً. عائلات إسرائيلية تسكن في كيبوتسات ومستوطنات أقيمت منذ عقود على طول الحدود مع قطاع غزة تخلي بيوتها، نتيجة استمرار حرب «الجرف الصامد».
مشهد كهذا في الماضي كان يعتبر خيانة للفكرة الصهيونية، فهذه المستوطنات نشأت أيضاً ضمن نظرية أمنية أساسها البرج والأسوار. لكن البرج لم يعد ينذر تماماً برغم توفر «القبة الحديدية»، والأسوار لم تعد مجدية في زمن القذائف منحنية المسار و... الأنفاق.
وكانت المسألة تراكمية قبل أي شيء آخر، فقد تجاوز عدد الصواريخ المطلقة من قطاع غزة رقم أربعة آلاف والتي تسقط في غالبيتها في المناطق القريبة من الحدود مع القطاع.
والتقديرات الإسرائيلية تتحدث عن وجود ما لا يقلّ عن ثلاثة آلاف صاروخ آخر في حوزة المقاومة في غزة، ثلثاها لمدى يبلغ 20 كيلومتراً، وبضع مئات صواريخ لمدى 40 كيلومتراً، وربما 100 صاروخ لمدى يصل تل أبيب وأبعد. وقد أضيف إليها مؤخراً خطر جسيم يتمثل في تصعيد إطلاق قذائف الهاون التي تعتبر أكثر دقة من الصواريخ محلية الصنع التي تطلقها المقاومة في غزة.
لهذا ليس صدفة أن يبدأ إسرائيليون من الرئيس رؤوفين ريفلين مروراً برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشي يعلون ووزير المالية يائير لبيد وحتى قادة في الجيش الإسرائيلي، بالبحث عن تبريرات لما يحدث.
واحد يعلن أنه ليس أخلاقياً دعوة أناس للبقاء في مكان خطير، خصوصاً بعدما صاروا يفقدون أبناءهم وتتضرر بيوتهم، وآخر قال إن إسرائيل لا تستخدم مواطنيها دروعاً بشرية لذلك لا تطلب منهم البقاء. وثالث يعلن أنه لم يعد كافياً عدم الطلب من المستوطنين البقاء في أماكنهم بل تجب مساعدتهم على مغادرتها إلى أن تنتهي الأزمة، ورابع يطالب بتمويل «إجازة» المستوطنين إلى حين عودتهم.
وقال ريفلين، موجهاً كلامه لمستوطني الجنوب، إنه «ليس لنا الحق في الطلب منكم مواصلة السكن هنا، لكننا نطفح بالانفعال من الحس الصهيوني النابض داخلكم واستعدادكم لمواصلة البناء والازدهار». أما يعلون فقال إن بقاء المستوطنين في غلاف غزة «هو خلاصة الصهيونية... ومشاعرهم القاسية مبررة، ونحن ملزمون بمساعدتهم في هذه الفترة، وحتى بعد أن تنتهي، وملزمون بإعادة الهدوء والأمن لهم».
وبشكل ضمني وبرغم الإعلان عن أن الحكومة الإسرائيلية لم تطلب من المستوطنين المغادرة، اعترف قائد الجبهة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان بأنه كان من الخطأ دعوتهم للعودة إلى بيوتهم عند إعلان الهدنة قبل حوالي أسبوعين.
وكان رئيس الأركان الجنرال بني غانتس قد دعا المستوطنين للعودة، موضحاً أن «الأزهار ستتفتح وأن الندى سيزيل غبار حركة الدبابات». ولكن الحرب استمرت، وهي حالياً في يومها الخمسين من دون أن تلوح في الأفق فرصة لوقف النار يمكن الركون إليها.
وتحاول إسرائيل غسل الكلمات واستخدام تعبير «إنعاش» بدلاً من ترحيل، لكن لا يهم التعبير بقدر ما تهم الدلالة: إسرائيل تخلي مستوطنات قريبة من غزة من سكانها الإسرائيليين بعد تدهور قدرتهم على الاحتمال.
واحتلت مسألة هجرة المستوطنين لبيوتهم في غلاف غزة اهتماماً بارزاً في الصحافة الإسرائيلية، التي اعتبرت أن حماية السكان مسألة ذات أولوية لدى أي حكومة طبيعية.
وقالت إن تأخر الحكومة الإسرائيلية في معالجة هذه المسألة يعبر عن عدم اهتمام حقيقي بالمواطنين وعدم إدراك لمشاكلهم. ونشرت الصحف رسوماً كاريكاتورية معبرة عن الواقع الذي بات، بأشكال مختلفة، يعبر أيضاً عن أزمة جوهرية تعيشها إسرائيل.
وذهب بعض المعلقين في إسرائيل إلى اعتبار صور ترحيل المستوطنين من الكيبوتسات المحيطة بغزة هي فعلاً «صورة النصر» التي تتطلع إليها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. ومن المؤكد أن قولاً كهذا يشير إلى الأهمية التي يمثلها هذا الأمر في ذهن الكثير من الإسرائيليين الذين يرون لذلك وزناً معنوياً وردعياً أشد أهمية من «صورة النصر» التي يعمل لأجل الحصول عليها نتنياهو على شكل صورة جثمان لهذا القائد أو ذاك من حماس.
ولاحظ كثيرون أن ترحيل سكان مستوطنات الجنوب هو بين أهم ثمرات ونتائج حرب الاستنزاف الجارية التي تصر إسرائيل على عدم السماح بها. ويقول هؤلاء إذا كانت الحكومة أقرت في نهاية المطاف ترحيل سكان غلاف غزة بسبب كثافة النيران التي يتعرضون لها، فماذا ستفعل عندما تتكثف النيران على مدن قريبة مثل عسقلان ومدن أبعد مثل أسدود وبئر السبع؟ هل ستعمد أيضاً إلى ترحيل هؤلاء إذا خشي السكان على مصير أبنائهم بعد افتتاح السنة الدراسية قريباً؟
إن عمليات هجرة المستوطنين من غلاف غزة كانت في البداية أقرب ما تكون إلى إجازة في ظل اعتقاد أن الحرب ستطول بضعة أيام فقط. فوزير الدفاع موشي يعلون طلب من سكان الجنوب «العض على الشفاه والصبر ليومين أو ثلاثة»، لكن الدماء سالت من الشفاه بعد خمسين يوماً والصبر نفد. وحاول البعض العودة اضطراراً بسبب عدم وجود خطط لاستيعابهم خارج مناطقهم بعدما طالت الحرب. ولكن الوضع لا يطاق!
وعندما بات كبار المسؤولين الإسرائيليين يمتنعون عن الوصول إلى مستوطنات غلاف غزة بسبب تعاظم خطر قذائف الهاون، شن كثيرون حملة على هؤلاء المسؤولين.
في البدء كانت الهجرة طوعياً وشبه فردية. بعد وقت صارت أقرب إلى الترحيل في الكيبوتسات العائدة لحركات تعاونية وافقت على استيعاب أعضاء الكيبوتسات من الجنوب في الوسط والشمال إلى أن يمرّ الغضب. ولكن ماذا عن الموشافيم وما يعتبر بلدات مثل سديروت؟ في البداية كان كل واحد «يدبّر رأسه».
في البداية، قام كيبوتس «عين هشلوشا» بترحيل حوالي 120 من أعضائه بشكل منظم إلى نواد شبابية في القدس، وكذلك فعلت كيبوتسات أخرى. مثلاً في «عين هشلوشا» اضطر حوالي نصف الأعضاء للرحيل، لكن الوضع أسوأ في الكيبوتسات والمستوطنات الأخرى: نيريم، نير عوز، كيسوفيم، حوليت، صوفا وكيرم شالوم، حيث لم يبق فيها إلا 30 ـ 40 في المئة من السكان. وتزداد نسبة المستوطنين الباقين في المستوطنات الأبعد عن الحدود مع القطاع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2165265

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165265 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010