الجمعة 22 آب (أغسطس) 2014

غزة… و”رقصة العفاريت”!

الجمعة 22 آب (أغسطس) 2014 par عبداللطيف مهنا

ليس ثمة ما يدعو للمفاجأة في انهيار مفاوضات القاهرة غير المباشرة، هذه التي دارت بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني عبر الوسيط المصري، لأنها ببساطة، ومنذ البدء، لم يكُ من السهل التكهن لها بغير هذا المآل… أُمر الوفد الصهيوني بقطعها والعودة فسارع إلى المغادرة، أما الفلسطيني الذي انتظر بعدها لساعات فلم يجد بدًّا من رحيله أيضًا وعودة أعضائه كل من حيث أتى. وبذريعة صواريخ ثلاثة لم يثبت أنها قد أُطلقت، أعاد الصهاينة هذه المفاوضات المتعثرة إلى ساحة الميدان المُقررة بخرقهم لآخر متوالية هدنها المتدحرجة، فعادت بالمقابل صواريخ المقاومة لتمثِّل وحدها الإرادة الفلسطينية فيها… عادت رحى المحرقة الصهيونية ضد غزة للدوران، فعاد الدم الفلسطيني المقاوم إلى موالاة تسطير المزيد من صفحات ملحمته النضالية البطولية.
تصعيد الصهاينة الدموي المستميت بحثًا عن إنجاز ميداني ما قد يسهم في إقناع جمهورهم المحبط والمذعور والمتعطش أكثر فأكثر للدم جراء فشل استهدافات حربهم العدوانية على غزة، والذي أضاف إلى استهداف المدنيين العُزَّل أطفالًا ونساءً، محاولة اغتيال القائد العام لكتائب القسَّام محمد الضيف الفاشلة، وللمرة الخامسة، ونجاحهم لاحقًا في اغتيال القادة القسَّاميين الثلاثة في رفح، قابله محاصرة صواريخ المقاومة للمستعمرين في ملاجئهم ولحركة الطيران في مطار اللد، وإعلان أبو عبيدة الناطق باسم الكتائب بأن مفاوضات القاهرة، أو ما وصفها بـ”رقصة العفاريت”، قد ولدت ميتة، داعيًا إلى الانسحاب منها وعدم العودة إليها…
لكن، ورغم هذه العودة إلى حتى ما قبل المربع الأول، إلا أن هناك بعد من يفضِّل القول بتعليق المفاوضات بدلًا من الجزم بانهيارها، مستندًا إلى أنه لا الوسيط، ولا طرفيها، ولا رعاتها الأميركان، يريدون لها فعلًا نهائية مثل هذا المآل. المصريون، ما زالوا المصرِّين على على أن وساطتهم، التي تعني لهم دورهم، لم تُستنفد بعد، ويوالون، وفقما يعلنون، اتصالاتهم بالطرفين. والصهاينة، رغم عنجهيتهم ومكابرتهم وبحثهم عن انتصار ميداني ولو وهميا، باتوا يدركون محدودية قدرة آلتهم الحربية الهائجة وعجز جبروتها عن التمكن من إعادة مارد الإرادة الفلسطينية المقاومة إلى قمقم غزة المحاصرة محكم الإغلاق بعد أن أخرجه فجورهم الدموي منه، وإذ لا معنى لديهم للمفاوضات سوى محاولة انتزاع المزيد من التنازلات ممن يفاوضهم، أو ما يعطيهم ما قد عجزوا وسوف يعجزون عن أخذه بالقوة في الميدان، فهم لن يعدموا توسل إخراج ما، أو لن يصعب عليهم الاستعانة بالرعاة، كي يسهل عليهم العودة إلى طاولتها.
والفلسطينيون، وهم العزَّل والمحاصرون والمستفرد بهم، وفي غياب العضيد والنصير والمساند، والمتعرضين إلى شتى الضغوط، وحفاظًا على وحدتهم التي ما كانت إلا إنجازًا من إنجازات مقاومتهم، يأملون أن توفر لهم سبيلًا لانتزاع متواضع مطالبهم المصيرية، والتي من غير الممكن لهم التنازل عنها، والمتمثلة فيما ليس هو أكثر من وقف للعدوان المباشر، أو المحرقة التي تدار ضد وجودهم، وغير المباشر، أو الأفدح، وهو الحصار الإبادي الشنيع المضروب عليهم في غزة، بشقيه الصهيوني والعربي، لثماني سنوات متواصلة. أما الرعاة فيصعب التفريق هنا بينهم وبين صهاينتهم وإن بدوا أحيانًا أكثر تعقلًا منهم، أو حرصًا على صنيعتهم منها… هل هذا يعني أن لمتعثر هذه المفاوضات بعد انهيارها من سبيل للانتقال من ما فوق الطاولة إلى ما هو تحتها، وعبر ذات الوسيط ورعاية ذات الرعاة؟! وهل سيكون مصيرها في مثل هذه الحالة ما هو المختلف عن ما هو المعلن الآن من راهن المآل؟!
للإجابة، قد يكفينا التذكير بما كنا قد قلناه في مقال سابق، حين حذرنا من أن جل ما يريده الصهاينة هو إدارة الحصار لا رفعه، وتحويل متتابع الهدن المؤقتة إلى دائم الهدوء مقابل الهدوء. كان هذا حينها بالاستقراء والتحليل، لكنما الآن، وبعد انهيار المفاوضات واستئناف العدوان، فقد ثبت للجميع أن أقصى ما يريدونه هو فرض ترتيبات تتيح لهم مواصلة الحصار مخففًا، لكن بما لا يتعدى ما يسمحون هم به، وما يتيح لهم معرفتهم كم حبة أرز تدخل من المعابر محكمة المراقبة إلى غزة، ومواصلة عدواناتهم الدورية متى شاءوا عليها، يضاف إليه تعميم الأنموذج الاحتلالي المطبق في الضفة على القطاع عبر إلحاحهم على ما يسمونه الالتزامات الأمنية، وتكريس الفصل بينهما عبر رفض كافة أشكال الربط بين شطريهما فيما طرح من مقترحات، إلى جانب رهن مسألة إعادة إعمار القطاع بنزع سلاح المقاومة، أو ما يعادل موضوعيًّا تصفية القضية برمتها، الأمر الذي تتحضر لإخراجه الأدوار الأوروبية، ويحشد له من الآن “المجتمع الدولي” الأميركي، والتلويح ببركات ما ستُنعم به ما ستعقد من مؤتمرات لما يدعى بـ”المانحين”، وما يمهَّد له عبر محاولات طمس كل مسببات وحقائق الصراع بالإغراق في التفاصيل والتركيز على الجوانب الإنسانية فحسب، أو حصر كامل القضية بها. لكنما لعل الأخطر والحري بأن يتم التحوط له والحذر منه، هو طبخ قرار أممي وفق البند السابع يتيح للمعتدين تحقيق ما ينشدونه من الهدوء مقابل الهدوء، ويقيهم من حرب استنزاف لا يكتمون خشيتهم منها، وهي أمور يسهِّل منها راهن عربي يعد، ومن أسف، خير محفز لعدوانية دخل فجور دمويتها شهرها الثاني من قبل عدو هو لطبيعته الاستعمارية يشكِّل حالةً عدوانيةً دائمةً، وهو إذ تعيده الآن صواريخ المقاومة إلى الملاجئ، ويتهيب جنرالاتها للعودة إلى الحرب البرية، يستعيض عنها ومعها “رقصة العفاريت” المنهارة، أو المعلقة، بالعودة إلى راهن التفاوض عبر التقتيل والتدمير عن بعد… وفي كل الأحوال، وقبل هذا وبعده، غزة قررت أن تقاوم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2165795

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165795 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010