الجمعة 22 آب (أغسطس) 2014

حماس حركة “ولاّدة” للقادة الاشداء والعقول المبدعة..

الجمعة 22 آب (أغسطس) 2014 par عبدالباري عطوان

في عام 1995 وبعد ايام معدودة من استشهاد مهندس المقاومة يحيى عياش، كنت في زيارة الى العاصمة الاردنية عمان لالقاء محاضرة سياسية واللقاء مع الفعاليات الفكرية والسياسية على هامشها، في اليوم الاخير اتصل بي احد اعضاء المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية “حماس″ طالبا اللقاء لطرح وجهة نظر الحركة حول بعض القضايا الملحة في حينها.
الرجل جاء متخفيا، والتقينا في سيارته الحمراء القديمة المتهالكة من نوع “تويوتا” في شارع جانبي للفندق الذي اقيم فيه، على ما اذكر، فالحركة كانت محظورة من العمل في الاردن في حينها بعد تصاعد عملياتها الاستشهادية واتهام السلطات الاردنية بالتستر عليها، التفاصيل كثيرة، ولكن ما اريد ذكره منها، انني خطأته، والحركة، في الاعلان عن تنفيذ الحركة اربعة عمليات استشهادية ستهز كيان العدو ثأرا وانتقاما لاغتيال الشهيد المهندس عياش، فوجهة نظري تقول في حينها ان عدم ذكر عدد العمليات الانتقامية مسبقا افضل تحسبا لعدم القدرة، لامر ما، على تنفيذها جميعا، وهنا قال لي الرجل، وبكلمات حاسمة، ان الحركة ستنفذ ما تعهدت به باذن الله، وستلقن الاسرائيليين درسا لن ينسوه انتقاما لقائدها يحيى عياش والايام بيننا.
الحركة نفذت خمس عمليات استشهادية في فترة زمنية قصيرة اولها في بلدة الخضيرة وثم القدس المحتلة، وتل ابيب، على ما اذكر، وليس اربع عمليات مثلما وعدت وتعهدت، واوقعت خسائر بشرية ومادية ومعنوية هائلة في الجانب الاسرائيلي، ويمكن الرجوع الى تلك العمليات الموثقة على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) للمزيد من التفاصيل لمن اراد.

تذكرت الواقعة امس عندما ارتكبت الطائرات الاسرائيلية مجزرة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، راح ضحيتها ثلاثة من قادة الذراع العسكري لكتائب القسام هم الشهداء رائد العطار، محمد ابو شمالة، ومحمد برهوم الذين شكلوا الخلية القيادية الميدانية للمنطقة الجنوبية، وكانوا خلف التطور النوعي لهندسة الانفاق والصناعات العسكرية الصاروخية، وخطف الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليط، واسر الضابط هدار غولدن في عملية انفاق مماثلة اثناء العدوان الحالي.
حركة “حماس″ توعدت بالانتقام لشهدائها هذه المرة مثلما تعهدت في المرات السابقة، وهي حتما ستنفذ هذه المرة مثلما نفذت في كل المرات السابقة، وستعوض هؤلاء الرجال حتما، فهي حركة “ولاّدة” للمقاتلين الاشداء مثل ابناء شعبها الفلسطيني، ثم ان هؤلاء الرجال الثلاثة الذين انضموا الى قافلة الشهداء الطويلة عددا ومقاما، كانوا يتطلعون الى الشهادة ويتمنونها بل يستعجلونها ونالوها عن جدارة، وهذا ما لم تفهمه اسرائيل وحلفاؤها العرب والغربيين معا.
ما لا تدركه القيادة الاسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري، ان التجارب اثبتت ان البدائل للقادة الشهداء يأتون اكثر تشددا وتصميما على المضي في المقاومة وتطوير ادائها وادواتها، فالمجاهد محمد الضيف جاء عوضا للمهندس يحيى عياش وحمل الراية بعده وبعد استشهاد احمد الجعبري عام 2012 وكان خير خلف لخير سلف، مثلما تقول ادبيات جناح القسام، مقرونه بالحقائق العسكرية المتمثلة في القفزة الكبيرة في التسليح وحرب الانفاق وتطور ابعاد ومدى الصواريخ وفعاليتها، ويمكن القول نفسه على الفترة التي تولى فيها الشهيد احمد الجعبري قيادة كتائب القسام بعد استشهاد صلاح شحادة في غارة اسرائيلية عام 2002 نسفت منزله، وقتلت جميع افراد اسرته ودمرت ثلاث عمارات مجاورة ومن فيها، في واحدة من ابشع المجازر في حينها.
ما لا يدركه نتنياهو وجنرالاته، وادركه شارون ورابين من قبلهم، انهم لن يستطيعوا هزيمة قطاع غزة وشعبها، مهما امتلكوا من اسباب القوة، فهؤلاء يعيشون من اجل المقاومة والشهادة، ومن استمع لنساء القطاع العظيمات يؤكدن هذه الحقيقة، وهن يشيعن اطفالهن الشهداء وازواجهن، ويقدمن درسا في الوقت نفسه في الكرامة والشهامة والصمود والايمان لكل قادة الجيوش العربية وزعمائهم دون اي استثناء.

غزة ليست دولة عظمى حتى يهدد نتنياهو بأنه سيشن حرب استنزاف ضدها، وحماس لا تملك الجيش الذي يحتل الترتيب الرابع على قائمة اقوى الجيوش في العالم، كما انها تقاتل وحدها بلا عمق عربي، فقد تواطأت ويتواطأ العمق العربي مع العدو الاسرائيلي ضدها، ولكنها قادرة، ببأس رجالها وايمانهم، على الصمود والانتصار باذن الله، مثلما انتصرت على شارون الذي سحب جنوده ومستوطنيه هاربا في ليلة ظلماء، وقبله اسحق رابين الذي تمنى ان تغرق في البحر لاستعصائها عليه وجيشه واجهزته الامنية.
الانتصار امر نسبي، والصمود كذلك، واسرائيل وكل داعميها العرب تورطوا في هذا العنوان الابرز للمقاومة في القطاع لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا واسمه قطاع غزة، فالعبرة ليست بالمساحة الجغرافية صغرت او كبرت، وانما في عزائم الرجال الذين يحمونها ويدافعون عنها واراداتهم الحديدية، ولعمري انهم الرجال الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، واكرر في الختام مقولة عضو المكتب السياسي لحركة “حماس″ في سيارته الحمراء القديمة المتهالكة والعرق يتصبب من جسمه وجسمي من شدة الحر: والايام بيننا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2177747

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177747 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40