مرة أخرى يختلط الأمر ما بين المقاومة العربية المشروعة والنبيلة والبطولية للاحتلال والعدوان، وما بين الهمجية والتمثيل بالمدنيين والقتل العشوائي. قبل يومين، سيطرت على وسائل الإعلام العربية والعالمية أخبار إعادة العدوان الإسرائيلي على غزة وبطولات الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والهمجية التي يمارسها العدو الصهيوني، ولكن في سوريا سيطر المشهد الفظيع لقيام أحد مجرمي تنظيم داعش بقطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي اشتهر بتقاريره المفصلة والموثقة لمعاناة الشعب السوري في الحرب الأهلية.
في غزة يتم تقديم نموذج مذهل وفي منتهى الروعة للمقاومة البطولية وباستخدام وسائل حربية متواضعة ضد جيش مدجج بكافة أنواع الأسلحة ويفتقد لأدنى درجات الضمير ويستهدف امرأة وطفلا عمره سنتين لأنه غير قادر على الوصول إلى العقل المدبر للمقاومة الفلسطينية في غزة المناضل محمد ضيف.
في سوريا يتم تقديم أسوأ وأبشع نموذج ممكن عن حركة أو تنظيم يرفع شعار الإسلام عن طريق قطع رأس مدني أميركي مع الفخر بهذه العملية «البطولية» في قتل أسير أعزل لتعطي بذلك صورة بالغة البشاعة والسوء حول الإسلام فلا يوجد أحد في العالم يمكن أن يقبل ضميره قطع رأس شخص بسبب جنسيته.
في يوم واحد، ألغت بشاعة ما حدث في سوريا على بطولة ما حدث في فلسطين، وأصبح هناك تركيز في الرأي العام الدولي على جريمة داعش وتراجعت قيمة وأهمية المقاومة في غزة. باتت الصورة هي المحرك الأول للرأي العام الدولي، وللصور النمطية عن الشعوب والقضايا السياسية. الصورة هي التي تصنع الرأي العام والتي تصنع السياسات في كثير من الأحيان، وللأسف فأن الغباء والوحشية التي تمثلت في قطع رأس الصحافي الأميركي في سوريا غطت على مكاسب المقاومة البطولية في غزة في تدفق الأخبار العالمية والتي من السهل أن تصنع رابطا وتخلق تشبيها مفتعلا ما بين المقاومة في غزة والجرائم في سوريا.
وفي الحديث عن الصورة يدهشني بشكل عظيم سرعة وكثافة تناقل فيديو الإعدامات المقززة التي تمارسها داعش في أوساط الناس العاديين، حيث تجد نفسك في جلسة تضم العديد من الافراد ليتحول الحديث فجأة عدد الفيديوهات التي توجد عند كل واحد في جهازه الهاتفي المحمول حول قطع الرؤوس وفظاعات ما تمارسه داعش. تنظر إلى هؤلاء الناس العاديين المحترمين في أخلاقهم ومظهرهم ولا يوجد فيهم اي تطرف ظاهر ولكنهم كلهم يتابعون باهتمام شديد مثل هذه الممارسات القبيحة ويتنافسون في عدد الفيديوهات التي يملكونها والتفاصيل الموجودة في كل فيديو، وتتساءل كيف يجدون طاقة لمشاهدة مثل هذه الوحشية والتي تظهر أحيانا مع ابتسامة خفيفة تظهر مدى الرضا عن «المخزون المعرفي» الذي جمعه كل واحد منهم حتى لو تكن الابتسامة تعكس رضا عن الممارسة نفسها!
الجمعة 22 آب (أغسطس) 2014
بين أبطال غزة ومجرمي داعش!
الجمعة 22 آب (أغسطس) 2014
par
باتر محمد علي وردم
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
14 /
2180675
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
16 من الزوار الآن
2180675 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 16