السبت 16 آب (أغسطس) 2014

ما بعد غزة ليس كما قبلها

السبت 16 آب (أغسطس) 2014 par الياس سحاب

أكتب هذه السطور في خضم مفاوضات القاهرة السياسية بين قيادة العدو “الإسرائيلي”، والقيادة الفلسطينية الموحدة، وسط سريان هش ومتقطع لوقف إطلاق النار، مرة بعد مرة . ومع ذلك، ومن قبل أن تظهر النتائج النهائية للمفاوضات السياسية، فإنني ممن يعتقدون أن النتائج النهائية للمواجهة التي بدأت في مطلع الاسبوع الثاني من الشهر المنصرم، قد أصبحت واضحة بدرجة تكفي لمحاولة تبين ملامحها .
قبل الجولة الأخيرة في غزة، كانت “إسرائيل”“تمارس سيطرة طويلة المدى على الموقف العام في إطار الصراع العربي -”الإسرائيلي":
1- ابتعاد معظم العرب عن الصراع، بعضه مباشر وواضح، وبعضه غير مباشر .
2- استغراق طويل للسلطة الفلسطينية في رام الله في استراتيجية معلنة، تستبعد نهائياً أي شكل من أشكال المقاومة، وتستغرق بلا حدود في مسيرة مفاوضات عبثية، لا تمتلك فيها السلطة أي ورقة قوة، وليس بوسعها، بالتالي، سوى التفرج على القضم الاستيطاني المنهجي الذي تمارسه “إسرائيل” بكل وضوح وبكل إصرار ومثابرة، لما تبقى من أراضي الضفة الغربية، والقدس الشرقية . مع إصرار من قبل السلطة، على أنه ليس هناك أي بديل ممكن لمسيرة المفاوضات العبثية، والتي تزداد خطورة وكارثية في نتائجها المتراكمة يوماً بعد يوم .
3- جولات من الاشتباك المسلح غير المتكافئ بين جيش الاحتلال “الإسرائيلي” وبين قوى المقاومة في غزة (8200_ 2014)، تنتهي كل واحدة من هذه الجولات نهاية غير محسومة، على طريقة: هدوء مقابل هدوء، مع استمرار وضع غزة تحت ضغط حالة حصار خانق في البر والبحر والجو، دون وجود أي أفق سوى احتمال تجدد جولات الاشتباك التي لا تفضي إلى نتيجة . هذه هي باختصار شديد حالة الوضع العام في الصراع العربي- “الإسرائيلي”، كما كان سائداً في السنوات الأخيرة، قبل الجولة الأخيرة من الاشتباكات التي انطلقت في شهر يوليو/ تموز، وما زالت متواصلة في شهر أغسطس/ آب .
الآن، تجد جميع الأطراف نفسها أمام وضع جديد، ليس فيه أي فرصة لأي من هذه الأطراف بالعودة إلى الوراء، أي إلى الحالة السابقة للجولة الأخيرة:
1- عربياً، هناك ثغرات لدى معظم الأنظمة العربية، بالدرجات المتفاوتة لابتعادها عن المجريات العامة للصراع العربي - “الإسرائيلي”، أمام الاعتقاد بأنه لم يعد بالإمكان لعب أي دور عربي في الصراع .
2- فرضت جولة غزة الأخيرة حالة من التوحد السياسي الطبيعي على مختلف القيادات الفلسطينية، في كل من رام الله وغزة، وأثبت عملياً، دون الحاجة إلى أي نقاش سياسي، أن احتفاظ الفلسطينيين بسلاح المقاومة المسلحة، بين أساليب المقاومة المتعددة (كالانتفاضة الشاملة مثلاً)، هو أمر بالغ الضرورة، وشديد الفائدة، فها هم مقاومو غزة يضعون أمن المجتمع “الإسرائيلي” المحتل، في كفة موازية لأمن المجتمع الفلسطيني، لأول مرة منذ نشوب الصراع في العام ،1948 بحيث أصبح مستحيلاً، بعد جولة غزة الأخيرة، الاستمرار في الاستهتار “الإسرائيلي” والدولي بأمن المجتمع الفلسطيني وحقوقه السياسية والاقتصادية .
3- تحولت “إسرائيل”، بعد مواجهتها مع لبنان في ،2006 والمقاومة في غزة في ،2014 من قوة إقليمية لا تقهر، وبالتالي لا يرد لها طلب أو مطمع، إلى كيان متضائل في حدود قوته وحدود تسلطه، ترتد أقصى طموحاته من أحلام السيطرة على المنطقة العربية، إلى حدود المحافظة على الحد الأدنى الممكن من الحماية في وجه الضغوط الفعلية التي بدأت تحيط بها من الجنوب ومن الشمال .
لا يعني هذا الكلام أننا أصبحنا على مسافة قريبة من الحل التاريخي للصراع العربي - “الإسرائيلي”، لكنه يعني حتماً أننا دخلنا، بعد جولة غزة الأخيرة، في طور جديد للصراع، حجم “إسرائيل” الاستراتيجي فيه، أصغر بكثير، وأضعف بكثير مما كان الأمر قبل جولة غزة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2165500

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165500 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010