الأحد 10 آب (أغسطس) 2014

بالوحدة والمقاومة يندحر الاحتلال

الأحد 10 آب (أغسطس) 2014 par علي جرادات

اجتثاث، أو إضعاف عوامل القوة الفلسطينية بالمعنى الشامل للكلمة هدف صهيوني استراتيجي تواظب حكومات العدو على تحقيقه، سواء بوسائل السياسة “الناعمة”، (المفاوضات مثلاً)، أو بوسائلها “العنيفة”، (الحروب) . وفي الحالات كافة فإن كل حروب العدو الصهيوني، وما أكثرها، لضرب عوامل القوة الفلسطينية، وفي مقدمتها قوة المقاومة العسكرية الدفاعية، تستهدف تحسين شروط تصفية القضية والحقوق الفلسطينية، كهدف سياسي صهيوني ثابت المضامين متغير الأشكال .
ماكينة الدعاية السياسية الإعلامية الصهيونية-الأمريكية عملت وتعمل على تزوير الحقيقة، وهذا التزوير هدفه الأساسي، تحسين فرض الشروط الصهيونية لحل القضية الفلسطينية، بعدما تعذر تمريرها، برعاية أمريكية، في آخر جولة من المفاوضات، وبضمنها شرط “إرجاء البحث في مصير القدس وقطاع غزة إلى حين”، كحيلة لتمرير مخطط سلخ القدس وفصل قطاع غزة عن الضفة واقتطاع معظم مساحة أراضي الأخيرة .
لكن، لما كان الشعب الفلسطيني بخبرته النضالية المديدة وحسه الوطني المرهف يعي أن قضيته وحقوقه ومقاومته الوطنية، هي، في نهاية المطاف، هدف سياسة العدو بشقيها الحربي والدبلوماسي، فإن اختراع أهداف أمنية لارتكاب مجزرة العصر في قطاع غزة لم ينطلِ عليه، حيث اصطف على اختلاف مشاربه الفكرية والسياسية وفئاته العمرية والمجتمعية وأماكن وجوده صفاً واحداً، لمواجهة نازيي العصر الصهاينة، بصمود أسطوري، والتف، رغم ما تعرض له من تشريد وتدمير شاملين ومجازر بربرية وجرائم حرب موصوفة، حول مقاومته التي قاتلت ببسالة ومفاجآت منقطعة النظير أربكت العدو وكبدته خسائر بشرية وسياسية واقتصادية ومعنوية وأخلاقية لم يحسب حسابها، بل وأفشل أهداف هذه الحرب الهمجية، بما فيها محاولة منع مواصلة توجهات استعادة الوحدة الوطنية التي تحولت إلى واقع بفضل شلال دماء أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة . ماذا يعني هذا الكلام؟
بعد هزيمة الجيش الصهيوني في آخر عدوانه على لبنان في العام ،2006 تبجح قادة العدو بالقول: “سنعيد بناء الجيش بناء على الدروس المستخلصة بحيث يكون نصره في الحرب القادمة نصراً واضحاً لا لبس فيه” . ولظنهم أن قطاع غزة المثقل بالحصار الشامل وويلات عدوانيْ، 2008 و،2012 يشكل “مكسر العصا” الذي بوسع جيشهم أن يستعيد قوة ردعه وهيبته المتآكلة من خلال شن حرب المجازر الأخيرة عليه، ليتبين لهم، ولحليفهم الأمريكي، وللعالم أجمع، أن “مكسر العصا” هذا بشعبه المكافح الصبور، وبمقاومته الباسلة، قد سبقهم بدرجة كبيرة إلى استخلاص الدروس من العدوانين السابقين، وإلى تطوير وابتكار أساليب وتكتيكات قتالية لم تخطر على بال أحد، وإلى بناء قدرات قتالية نوعية فوق الأرض وتحتها، وإلى إخفاء هذه القدرات عن أعين أجهزة أمن الاحتلال وعملائه ووسائل مراقبته بأشكالها المختلفة وتقنياتها فائقة التطور، وإلى بناء الكادر المقاتل الشجاع المستعد لتنفيذ عمليات فدائية بطولية على خطوط المواجهة الأولى وخلف خطوط العدو أيضاً . بفضل ما تقدم، وبفضل الصمود الأسطوري لشعب فلسطين بمخزونه الكفاحي، واستعداده الدائم لتقديم قوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين، وقدرته على تحمل عذابات حياة النزوح والتشريد وتدمير المنازل، خاب ظن قادة العدو وفشلت حربهم فشلا ذريعاً، هو بحسابات اختلال ميزان القوى هزيمة ميدانية مدوية لجيشهم الذي يحتل مرتبة الجيش الأول في المنطقة، ومرتبة الجيش الخامس في العالم، وقيل عنه يوماً إنه “الجيش الذي لا يُقهر” .
على أية حال، هذه هي النتائج الميدانية لحرب المجازر الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة برأي كثير من الخبراء والمحللين الصهاينة، بل وبعض وزراء حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو الذي يحاول مع وزير الحرب الصهيوني، يعالون، ورئيس أركان جيشه، بني غانيتس، تغطية شمس هزيمتهم بتضخيم إنجاز تدمير عدد من “الأنفاق الهجومية” التي لم تكن ضمن أهداف الحرب وخططها الأولية، ذلك لأن وجودها، (فما بالك بعددها، وتعقيدات شبكاتها)، لم يكن معلوماً، ما أفضى إلى تكبيد جيش الاحتلال الغازي، بعد هجومه البري المحدود والمحسوب، 64 قتيلاً، و1620 جريحاً، وفقاً لصحيفة هآرتس التي سربت تقريراً لقيادة الجيش يرى أن خيار إعادة احتلال قطاع غزة ينطوي على مقتل مئات الجنود “الإسرائيليين” وجرح الآلاف منهم، الأمر الذي أرعب أعضاء “المجلس الوزاري المصغر” وحال دون تصويت أي منهم لمصلحة هذا الخيار، بمن فيهم أكثرهم حماسة له، الوزيران الفاشيان ليبرمان وبينت، بينما أشار آخر استطلاع للرأي إلى أن 34% فقط من “الإسرائيليين” يعتقدون أن جيشهم كسب الحرب .
يعنينا مما تقدم استخلاص مايلي: بوسع قادة العدو الادعاء بالانتصار واستعادة قوة ردعهم بارتكاب مجازر همجية تسببت في سقوط نحو 2000 شهيد، وعشرة آلاف جريح، جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن، وفي تدمير نحو عشرة آلاف منزل وتشريد قرابة نصف مليون مواطن، بل بوسعهم أيضاً، بدعم من حلفائهم بقيادة أمريكية، العمل على تحويل هزيمتهم في الميدان إلى انتصار في السياسة، ووضع مطلب نزع سلاح المقاومة على جدول المفاوضات لتمرير فرض رقابة دولية وإقليمية مشددة على تجديده واستخدامه، لكن ما ليس بوسع قادة العدو هو كسر إرادة شعب فلسطين الذي حقق بدماء أطفاله ونسائه وشيوخه وعذابات مشرديه وبسالة مقاومته نصراً يرتقي لحدود المعجزة، يفرض على قيادته السياسية بشقيها الرسمي والشعبي عدم التراجع قيد أنملة عن مطالبها الموحدة، والتمسك بخيار الوحدة والمقاومة الذي أثبت مرة أخرى قدرته على تحقيق الإنجازات الوطنية، بما فيها إنجاز دحر الاحتلال عن الضفة والقدس وقطاع غزة، كمهمة وطنية مباشرة، ثبت أن تحقيقها ممكن واقعياً من دون شرط أو قيد، ومن دون إغلاق الطريق أمام مواصلة الكفاح الوطني لتحقيق بقية مهمات المشروع الوطني الفلسطيني، وجوهره حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2176615

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2176615 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40