الخميس 7 آب (أغسطس) 2014

أطفال غزة والقانون الدولي الإنساني

الخميس 7 آب (أغسطس) 2014 par د. ناصر زيدان

انشغلت الأوساط الإنسانية في مطلع شهر يوليو/ تموز بمأساة الفتى الفلسطيني محمد خضير الذي أحرقه المستوطنون وهو حي، حتى الموت . كان ذلك مشهداً مُرعباً يرمُز إلى وحشيةٍ تُشكل قاعدة ترتكزُ عليها ثقافة القتل عند قادة “إسرائيل” .
صورة خُضير كانت بداية لمُسلسلٍ دموي رسمته آلة الدمار “الإسرائيلية” في غزة، فاق كل تصور، وتجاوز في وحشيته كل حدود . ولعل مشهد بيار كراينبول المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين “الأونروا” وهو يبكي أمام جلسة مجلس الأمن، كانت أصدق تعبير عن المأساة الإنسانية التي تعيشها غزة .
لم يَكُن كراينبول ليتصور أن الإجرام يُمكن أن يصل إلى هذه الحدود . . جثثُ الأطفال مجبولةٌ مع حجارة الخفان والأسمنت المُكسر، وألعاب الأطفال مُحتجزة بين بقايا حيطان المدارس التي رُسمت عليها أزهار الزنبق والياسمين، وعلبُ الحليب والأدوية مبعثرة حول الركام، شدتها غازات القنابل الفراغية بعيدةً عن متناول أيادي الأطفال الشهداء المُشلعة .
ما يقارب العشرة آلاف بين شهيدٍ وجريح، أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، طالت أجسادهم شظايا الموت “الإسرائيلية”، أو ألقت بأجسادهم بين ركام الدمار الرهيب الذي أصاب أماكن الإقامة الآمنة في بيت لاهيا وحي الشجاعية والشاطئ، وفي نواحي غزة المُختلفة .
وفي مخيم جباليا كان المشهدُ أكثر إيلاماً، ولا يمكن أن يوصف بكلمات . طائرات العدو تُغير على مدرسة وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة، فتحول أطفالها والنساء إلى أشلاء . والأمين العام بان كي مون اعترف أن الأمم المتحدة كانت قد أخطرت السلطات “الإسرائيلية” أكثر من مرة، أن المدرسة تُستخدم كملجأ للأطفال والنساء العُزل، فكانت الفجيعة عندما اختلطت دماء الأطفال والنساء مع دماء العاملين مع وكالة الغوث، في جريمة دولية موصوفة، جمعت ضحايا مدنيين، وضحايا من طاقم الأمم المتحدة في آنٍ واحد .
تجاوُز الفظاعات التي ارتكبتها “إسرائيل” في غزة لكل الحدود، دفع بالأطباء - الشهود الأكثر التصاقاً بالمأساة - إلى امتهان مهامٍ جديدة، وتحول قسمٌ منهم من جراحين ومعالجين ومُنقذي أرواح المُصابين إلى قانونيين ومحامين يستعدون لطرق أبواب المحاكم، بهدف سوق المُجرمين إلى أقفاص العدالة .
ذلك كان موقف الطبيب الفرنسي الجراح كريستوف ابرلين، الذي جمع ملفاً عن الجرائم الإنسانية التي شاهدها في غزة، وحصل على تفويض من السلطات الفلسطينية المُختصة، وتعهد بمتابعة القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية، كون ما حصل جرائم ضد الإنسانية جمعاء، ولا يجوز أن يمر من دون عقاب الفاعلين، واللذين يقفون وراءهم . وقد تجند لمساعدته أمام محكمة لاهاي أكثر من 130 أستاذاً متخصصاً في القانون الدولي الإنساني، وفي القانون الجنائي الدولي .
كيف يتعامل القانون الدولي الإنساني مع المدنيين أثناء فترة الحروب، وتحت الاحتلال؟ وما هي القواعد التي تُلزم المُتقاتلين، وقوات الاحتلال حماية الأطفال؟
اتفاقيات جنيف التي أبرمتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في العام ،1949 عالجت الانتهاكات التي تقع ضد المراكز الصحية والدينية والتربوية، ومنعت التعرض للسلامة الجسدية للأسرى والمرضى والغرقى، وتطرقت بالتفصيل إلى الممارسات الممنوعة أثناء فترة الحروب، لاسيما استخدام الأسلحة المُحرمة وضرب أماكن تواجد المدنيين، وصنفت الاتفاقيات أي انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني على أنه جريمة دولية . والجريمة الدولية تعني بالفقه الجنائي أنها جريمتان في آنٍ واحد . جريمة بحق المُتضررين، وجريمة بحق المُجتمع الدولي الذي لايقبل بمشهدية الفظائع أثناء الحروب، أياً كانت .
اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في 12 أغسطس/ آب ،1949 خُصِصَت لحماية المدنيين أثناء فترة النزاعات المًسلحة، والواقعين تحت الاحتلال، وأفردت عدة فقرات حول واجبات قوات الاحتلال تجاه المدنيين، من الحماية الجسدية إلى تأمين وسائل العيش والعناية الصحية إلى منع كل أشكال الترهيب ضدهم .
والمادة 15 من الاتفاقية ألزمت قوات الاحتلال تحييد المدنيين عن ساحات القتال . وفرضت المادة 24 من الاتفاقية ذاتها على المُحتل رعاية الأطفال دون سن ال15 وايوائهم بمأمن عن أي تأثيرات حربية . كما أن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الموقعة في العام 1990 أوصت باحترام قواعد القانون الإنساني، لاسيما كل ما ورد في اتفاقيات جنيف في ما يتعلق بالأطفال .
السلطة الفلسطينية الممثلة للدولة التي حصلت على العضوية في الأمم المُتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر ،2012 صادقت على اتفاقية جنيف الرابعة بتاريخ 2/4/،2014 وأصبحت عضواً كاملاً فيها . ذلك بالتأكيد يسمح لها بمقاضاة مجرمي الحرب “الإسرائيليين” امام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي . فهل يقبل المجتمع الدولي المُنحاز إلى جانب “إسرائيل” بمحاكمة المُجرمين، وبالتالي يحمي أطفال فلسطين العُزل من التوحُش “الإسرائيلي”؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010