الخميس 7 آب (أغسطس) 2014

الأنفاق وابجدية التراب

الخميس 7 آب (أغسطس) 2014 par الياس خوري

من الآن فصاعدا لن يجد القاتل الاسرائيلي من يحاوره، فالشروط تغيرت بشكل جذري. الذي يريد ان يحاور الفلسطينيين عليه ان يهبط الى الأنفاق، ويتعلم ابجدية التراب.
ألَيس الصراع هو على الأرض؟
يريد الصهاينة أرض فلسطين لهم وحدهم، مستندين في ذلك الى اسطورة «أرض الميعاد». اذا تعالوا الى الأرض، انزلوا معنا الى باطنها، تعالوا الى الأنفاق التي حفرتها الارادة وصنعها الصبر، هناك يتم الحوار الحقيقي الوحيد، وهناك ستقول لكم الأرض سرها وحكايتها.
الأنفاق التي يشكون منها، ويتباكون خوفاً من اثرها، ويحشدون الدعم الدولي لتدميرها، صارت هي الحقيقة التي انتظرها الفلسطينيون طويلاً. هناك في باطن الأرض حيث يمتزج التراب بأجساد الموتى، هناك يدور الحوار الحقيقي بين القاتل والضحية.
لماذا تخافون الأرض؟ ألستم من يدّعي انها له؟ اذاً تعالوا، لاقوا الفلسطينيين في عتمة ضوء التراب، وهناك أظهروا لنا شجاعتكم، وبرهنوا أنكم تستطيعون انتزاع الأرض من ابنائها.
الآن ايها السادة بدأت اللعبة.
لا، لن نناقشكم في الصفات والنعوت، الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض قال عن حكاية أسر الملازم الاسرائيلي هادار غولدين (الغامضة والملتبسة والموصولة ببروتوكول هنيبعل الوحشي) انها عمل بربري! ممتاز. اذا كان قتال الغزاة هو عمل بربري في عرف الحضارة فلم لا. فليكن اسمنا البرابرة، سمونا ما شئتم، ولكن تعالوا. انزلوا من دبابات الميركافا 4 المسيجة بـ «معطف الريح» والتي اسميتموها «النمر»، واقتربوا من الأرض وادخلوا معنا الى الأنفاق.
قتل اطفال غزة عمل حضاري، اما قتل جنود الجيش الاسرائيلي فعمل بربري! مبروك عليكم الحضارة. تغرغروا بالكلام واستحموا بدمائنا كما تشاؤون، دمروا البيوت كما يحلو لكم، اقصفوا، عربدوا، ولكن رجاء توقفوا عن البكاء.
عيب ايها الجنود الشجعانّ، يا «خطيبات جولاني» وابطال»غيفعاتي»، رجاء توقفوا عن البكاء، وتعالوا، نحن في انتظاركم. تريدون ارضنا أهلاً وسهلاً، ولكن عليكم ان تكتشفوها اولا. لقد مضى زمن «الزعبرة»، فأنتم لا تواجهون جيوشاً مهمتها حماية اسيادها من المستبدين لذلك لا تقاتل، انتم تواجهون شعباً قررتم أنه يجب أن يختفي، طردتم من طردتم وقتلتم من قتلتكم، أما من تبقى فعليه أن ينحني بذلّ لهيمنتكم وعنصريتكم، ويختفي في اللامرئي.
انحنينا ايها السادة الى نهاية الإنحناء، واختفينا الى نهاية الإختفاء، حفرنا الأرض واختبأنا في انفاقها، نفذنا رغبتكم في ان لا تروننا، وها نحن ننتظركم.
تعالوا.
لن نطلب منكم التوقف عن اللغو واتهام الضحية وشيطنة الفدائيين والمقاتلين، تابعوا الكلام كما تشاؤون، ابكوا على السلام، قولوا انكم ضحايا، اقتلوا الأطفال وابكوا على جنودكم «الأبطال»، دمروا بقدر ما تستطيعون، فأنتم اسياد الجو والبحر. ولكن الأنفاق لنا.
الأنفاق هي ارضنا، ونحن احرار في أن نحفرها كما نشاء، ونعيش فيها كما نريد، ونقاتل منها وفيها.
هل تعون حجم المفارقة؟
اردتم موتنا ودفننا في الحفر، وها نحن نحقق لكم امنيتكم، نحن من يحفر، ونحن من يقيم في الأنفاق، ونحن من يحتمي بالأرض.
رجاء، العبوا كما يليق بالجنود، كونوا جنوداً وتوقفوا عن الثرثرة.
المسألة بسيطة، اعتبروها دعوة، الفلسطينيون يدعونكم الى باطن الأرض، فتعالوا.
هنا، في هذا التحت الذي لا تحت تحته، سترون وجوه ضحاياكم في العتمة، وسترون أنفسكم في مرايانا التي قمتم بتحطيمها.
هل تعرفون معنى ضوء العتمة؟
منذ ستة وستين عاماً والفلسطينيات والفلسطينون يستلّون الضوء من عتمة نكباتهم. من غير المجدي تذكيركم بتاريخنا الذي صنعتموه لنا بالمذابح والتدمير والتهجير، من دير ياسين الى شاتيلا وصبرا، ومن جنين الى الشجاعية ورفح. هذا تاريخنا الذي لن ننساه، ولن نفاجأ بنسيانكم له.
انسوا كما تشاؤون، ولا تتذكروا شيئاً. صنعتم من ذاكرة المحرقة مبرراً لتاريخكم، ثم عند ارتطامكم بجريمتكم في أرضنا، نسيتم كل شيء.
انسوا وتناسوا، أنتم احرار في خياراتكم، قررتم أن تتحولوا الى شعب النسيان، فمبروك عليكم ذاكرتكم المفقودة.
المسألة اليوم لا علاقة لها بكل هذا الجدل العقيم معكم، ومع أكثرية مثقفيكم، الذين يدّعون حبهم للسلام حين يساوون بين القاتل والقتيل.
نحن في يوم آخر أيها السيدات والسادة، ويومنا مصنوع من ضوء العتمة في باطن الأرض.
نحن لم نخترع الأنفاق، تعلمناها من الشعوب المقهورة، حفظنا دروس المقاومة الفيتنامية، وعرفنا أن ثمن الحرية قد يكون أكبر من الحرية نفسها، لكن لا مناص من دفعه.
لا تقولوا انكم تدافعون عن الحضارة الغربية في وجه الاسلام، فالذين يقاتلونكم يحملون اسماء مستعارة، كانوا في الماضي «الجهاد المقدس» ثم صاروا فدائيي فتح والشعبية والديموقراطية، وبعد ذلك صاروا حماس والجهاد وشهداء الأقصى وسرايا ابو علي مصطفى، وغدا قد يتخذون اسماء أخرى…
لا تتوقفوا عند اسمائهم المستعارة، بل تذكروا وانتم تسبحون في الدم أن اسمهم الحقيقي هو فلسطين.
«ما تبقى لنا» هو الأرض. نحن ندعوكم الى هذا الضوء الذي يشعّ في عتمة الأنفاق، وهي دعوة صادقة، ونعدكم أننا سنقودكم الى السر الذي جعل من أرض فلسطين أكبر من كل الأساطير التي بررت للغزاة حروبهم ثم قادتهم الى الهزيمة.
وفي داخل هذا السر يصير الحوار ممكناً، وربما السلام أيضاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 92 / 2178229

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178229 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40