الخميس 7 آب (أغسطس) 2014

الذين اكتشفوا هزيمة الجزائر!

الخميس 7 آب (أغسطس) 2014 par د.احمد جميل عزم

يطرح المنطق الذي يرى أنّ حركتي “حماس” و“الجهاد الإسلامي” أخطأتا بعدم قبول مبادرة الهدنة المصرية منذ اليوم الأول لطرحها، وأنّه كان يمكن تجنب مئات وربما آلاف الضحايا لولا “تعنت حمّاس”، يطرح العديد من الأسئلة التي تؤدي في جزءٍ منها إلى فتح التاريخ النضالي للشعوب العربية، بل وكل شعوب العالم، أمام المراجعة. كما أنّ هذا المنطق يقود، بنظرة متفحصة، إلى إدانة قوية للأنظمة والجهات الرسمية التي تطرحه.
لم يكن، ولا يمكن أن يكون سقوط الضحايا غير المبرر أمراً يُمكن التساهل معه، ولا يجوز أن يُغفر لأي فصيل أو قائد أو شخص يرسل أناسا لما قد يؤدي للاستشهاد، من دون أن يكون قد فعل كل ما يجب حتى يحافظ على حياتهم قدر الإمكان، ومن دون أن يكون هناك هدف سياسي وطني واضح ومحدد لكل عمل قتالي، وليس تضحية مجانية. ولكن في حالة غزة الراهنة، لا بد من طرح سؤالين رئيسيين على أصحاب الانتقاد.
أول الأسئلة: إنّ حجم التضحيات كبير جداً في تاريخ الثورات التحررية، ولطالما قيل للأجيال العربية إنّ الجزائر مثلا حصلت على حريّتها بعد مليون شهيد. وبالتالي، فإنّ منطق التقييم للفعل السياسي من مجرد عدد الضحايا، أمر يثير تساؤلا، من دون أن يعني هذا أبداً استسهال سقوط الضحايا. وتطبيق هذا المبدأ قد يعني اكتشاف أنّ الجزائريين كانوا ينهزمون ويخطئون، وأنّ مئات وآلاف الكتب التاريخية، والأعمال الإعلامية والتعبوية، التي تمجّد المقاومة والثورات، بحاجة للتعامل معها وفق منطق مختلف. بطبيعة الحال، فإنّ ما يحصل في غزة ليس قيام الناس بالذهاب لقتال الاحتلال، بل قدوم الاحتلال لقتل وطحن البشر والحجر، ولكن هل يكون الحل بقبول القتل بصمت؟ وهل يمكن قبول قصف الإسرائيليين غزة كلما شاؤوا، ثم التوقف متى شاؤوا (فيصبح الأمر قتلا بالتقسيط بدل القتل بالجملة)، إضافة إلى قتل أهل غزة بالحصار الذي يؤدي إلى تلوث بيئي وظروف تجعل الواقع موتا بطيئا مستمرا؟
التساؤل الثاني: هناك اتفاق أنّ إسرائيل تقوم بجرائم في الضفة الغربية وغزة، وحتى في فلسطين المحتلة العام 1948، فضلا عن الاستيطان وغيره، ولا يوجد أي حل سياسي أو تفاوضي أوصل لشيء. وإذا تبنينا منطق أنّه لا يمكن ولا يجب أن يتضمن الرد على الإسرائيليين استخدام الصواريخ، ويجب قبول الهدنة متى قبلها أو شاء الإسرائيليون، لأنّ هذا يقلل أو يبطئ القتل، فإنّ السؤال: ما هو البديل المطروح لحل مأساة اللاجئين في مخيمات الشتات، والاستيطان، والقتل على الحواجز وفي الشوارع الفلسطينية، التي يقوم بها الإسرائيليون؟
إذا باتت حتى مقاطعة البضائع الإسرائيلية عملية شبه مستحيلة بسبب اتفاقيات اقتصادية فلسطينية –إسرائيلية، وكان التنسيق الأمني يمنع أغلب إن لم يكن كل أنواع المواجهة مع الاحتلال، بما فيها مثلا فرض منع بيع البضائع الإسرائيلية بقوة الفصائل والتنظيمات، فما هو الحل الآخر غير ما يحدث في غزة؟ ما هو البرنامج البديل للمقاومة؟ أو ما هي المقاومة البديلة المقترحة؟
نعم، أهل غزة هم من يدفعون الثمن، والباقي يتفرج من بعيد، ويتضامن بنشاط هنا أو هناك ويعود لبيته الآمن. ولكن هذا لا يعني طلب عدم المقاومة والتوقف عن المواجهة، بقدر ما يتطلب من “القيادة”، وممن ينتقد فصائل المقاومة وأداءها، أن يقدّما بديلا، بما في ذلك الدول العربية ومصر. فإذا كانت الدولة العربية الأكبر التي احتُل قطاع غزة بينما كان تحت سيطرتها وبوجود قواتها، ما تزال تتردد في وضع ترتيبات سياسية ودبلوماسية لفك الحصار عن غزة، فكيف تتوقع أن يبقى الصمت و“الصبر” قائماً في غزة؟
يمكن انتقاد المقاومة، وانتقاد رفض المبادرة، وتحميل المسؤولية لطرف غير المعتدي الذي يرسل طائراته ودباباته وبوارجه للقتل اليومي العشوائي، فقط في حالة واحدة: عندما يكون هناك مشروع حقيقي وعملي يجري تنفيذه وتطبيقه يوميا، ينحسر معه الاحتلال ويتقدم فيه الشعب إلى الأمام؛ سواء أكان برنامج مقاومة أو وسيلة أخرى. أمّا سياسة انتظار يوم يغير فيه الأميركيون والإسرائيليون سياساتهم، فهي سياسة لا تقنع أحداً، ولا يمكن أن يتعايش معها من يُنكّل به ويقتله الاحتلال كل يوم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 83 / 2165303

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165303 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010