الأحد 25 تموز (يوليو) 2010

هل يزور وزير الأوقاف المصري الأقصى امتثالاً لإتفاقية السلام؟

الأحد 25 تموز (يوليو) 2010 par د. عبد الله الأشعل

لايزال الحديث عن زيارة الأقصى تثير الجدل، وعندما أثارها الشيخ طنطاوي قبل عدة أعوام كانت نية «إسرائيل» في تهويد القدس ليست بهذا الوضوح القاسي ولذلك فإن ترحيب وزير الأوقاف بزيارة الأقصى تثير جدلاً أشد ومن حق الجميع أن يدخل هذا الجدل بأدبياته المعروفة.

فالحديث عن زيارة المسلمين من خارج فلسطين للمسجد الأقصى لدعم الشعب الفلسطيني وصموده تواتر طوال العقد الأخير من القرن الحالي، تارة من جانب الشيخ طنطاوي شيخ الأزهر السابق، أو من جانب د. زقزوق وزير الأوقاف المصري منذ سنوات. ثم دخل مجمع البحوث الإسلامية على خط جدار مبارك الفولاذي فأعلن برئاسة الشيخ طنطاوي أن هذا الجدار مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومن نكره كان آثماً قلبه. وقد علقت على مثل هذه المواقف في حينها، وكان رأيي أن المشايخ لايدركون المدلولات السياسية الخطيرة للأحداث، وعليهم أن يظلوا بالدين بعيداً عن التورط بالجهل أو بالإيحاء في مواقف سياسية شائكة. ولكن الأمر أحياناً يتعدى مجرد الاجتهاد السياسي لرجل الدين، خاصة كلما تعلق الأمر بـ «إسرائيل»، فكلما كانت علاقة «إسرائيل» حميمة مع مصر وهي كذلك للحق منذ سنوات قليلة على الأقل في الممارسات الرسمية وبشكل أخص منذ توحش «إسرائيل» وتسريع وتيرة الإستيطان والتهويد والاقتراب من الأقصى ومقدسات الخليل ثم استهداف قطاع غزة بمحرقة العام الماضي، كلما كانت مواقف المشايخ وقادتهم محل شك، إذ من الوارد أن تكون هذه المواقف طلباً مباشراً من الحكومة وليس مجرد اجتهاد أغرتهم به دقة المواقف وخطورتها.

وبالنسبة لوزير الأوقاف بالذات، فإن الرجل درس في ألمانيا ونال قسطاً من الثقافة السياسية بزواجه أيضاً من ألمانية ومشاركاته بحكم دراسته في محافل ألمانية وأوروبية تعصمه من الاتهام بعدم الإدراك السياسي. ولكن مقارنته في سبيل تسويق فكرته بين «إسرائيل» وكفار مكة، وبأن الرسول الكريم لم يجد حرجاً في استئذانهم لدخول مكة، وأن حصول الوزير على تأشيرة «إسرائيلية» ليس عيباً مادامت هي صاحبة المكان، هذا التشبيه الذي سيق على سبيل تبرير الزيارة أو تسويقها ينطوي على مخاطر عظيمة. أولها، أن الوزير لم يكتفي بأنه مقتنع أو مقنع بالزيارة وأن هدفها هو مصلحة الفلسطينيين، وإنما في تشبيهه إغواء للعامة وكسر لحاجز الرفض وتمثل برسول الله في سابقة تشبه فتوى شيخ الأزهر أيام السادات عندما شبه معاهدة السلام بين مصر و«إسرائيل» بصلح الحديبية. وثاني هذه المخاطر أن التشبيه يعطي «إسرائيل» من وزير في الحكومة المصرية الحق التاريخي والمطلق، فالكفار هم أصل مكة وأما المسلمون الذين يقابلهم في المثال الفلسطينيون هم الوافدون المحدثون بدعواهم، فأساء المثال بذلك إلى الرسول وإلى القضية في آن واحد، خاصة وأنه عند العامة من العلماء وقيادات الرموز الدينية والإسلامية، وهو بعد ليس شيخاً معمماً يلتبس عليه الموقف، ولكنه أستاذ للفلسفة الإسلامية ومدرك للنظر العقلي عند ابن رشد وغيره، فيكون التشبيه في حالته بعيداً عن العفوية. الخطر الثالث هو أنه يأتي في وقت يلعن فيه وزراء «إسرائيل» أقرانه في حكوماتها المتعاقبة العرب والمسلمين ويدعون الحق في كل فلسطين.

الخطر الرابع، أن هذا الموقف بالذات وهذا التشبيه بعينه ينسجم مع الحالة السياسية في بعض الدول العربية في وقت يتم فيه تصفية القضية، فيصبح التشبيه أداة على الأقل عند «إسرائيل» التي احتفت به وأثنت على السيد الوزير للتأكد من أنها تسير على الطريق الصحيح. فهل خدم الوزير القضية بمجرد التصريح والتبرير أم أنه مصر على الزيارة كفاتح للقدس ومخلص لها من الأوثان. وهل سيكون الوزير أسعد حظاً من أحمد ماهر وزير خارجية مصر السابق عندما ضرب بالنعال في المسجد الأقصى وكاد يقضي لولا أن لله رأياً آخر وضناً عليه من أن يشرف بالموت في رحاب المسجد الأقصى المبارك.

إنني أخشى أن يبرر وزير الأوقاف زيارته للأقصى بأنها هي الأخرى من التزامات معاهدة السلام مع «إسرائيل» بعد أن أسرفت حكومة مصر في رد كل تصرفاتها في الداخل والخارج إلى هذه المعاهدة المقدسة؟!.

يجب أن نميز بين المواقف الرسمية وغير الرسمية فيما يتعلق بفكرة الزيارة، فيظل الكاتب صاحب رأي نختلف حوله مؤيداً أو معارضاً مادام قد تنزه عن الهوى السياسي أو الأيديولوجي أو المادي، ولكن موقف الوزير له على ما ذكرنا مخاطره وإغواءاته.

فقد أيد البعض مثل د. حسن حنفي مثل هذه الزيارة وربما يؤيدها غيره ولايعد ذلك كفراً بالقضية، ولكنها رؤية قد تخطئ وتصيب، أما أن يصر عليها الشيخ الهبّاش وزير أوقاف السلطة، ووزير أوقاف مصر، فإن الأمر يختلف جذرياً خاصة أن موقف الحكومتين في مصر ورام الله متوافق تماماً عندما يتعلق الأمر بـ «إسرائيل» وبـ «حماس». فلايجوز أن يتم فرز المواقف الأخرى غير الرسمية على أنها دعم لـ «حماس» أو لـ «فتح»، وإنما يجب على المؤيدين للزيارة تقديم إيضاح تفصيلي بمزاياها. وقد سبق أن جوزت مثل هذه الزيارات إذا كانت تتم من عمّان وبتنسيق بين الأردن و«إسرائيل» للدخول من مطار عمّان وصولاً إلى الأقصى ودون ترتيب للزيارات الرسمية مع الجانب «الإسرائيلي» فهل يلبي هذا الحل رغبة وزيري الأوقاف في رام الله والقاهرة، أم أنهما يصران على إعطاء «إسرائيل» مزايا وبركات تكون تصريحات الوزير المصري فيها أخطر علينا وعلى القضية من الزيارة نفسها. لقد ذهب الطنطاوي إلى رحاب ربه ليحاسبه على ما أخفت نفسه وليت الأموات يرسلون إلى الأحياء لعلهم بلقاء ربهم يوقنون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165326

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165326 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010