الاثنين 4 آب (أغسطس) 2014

صمود غزة يقلب الموازين في إسرائيل ويخلط الحسابات

الاثنين 4 آب (أغسطس) 2014 par حلمي موسى

قلبت الحرب في غزة المعايير والموازين والمفاهيم في إسرائيل وبشكل شديد جدا. فاليمين الإسرائيلي المتعطش دوما لإظهار قوته في معادلة الصراع والمستعد تجاه أي حدث لأن يتعامل بمنطق «رب البيت جن» اضطر للتعامل «بحكمة» مع الصراع والسعي للخروج من الحرب بأسرع ما يكون. ومن الجائز أن واحدا من بين أهم الأسباب التي دفعته إلى ذلك إحساسه بأن الثمن الذي يدفعه باهظ، ربما باهظ جدا.
وإلى ما قبل بضع سنوات، كان بوسع إسرائيل أن تخرج إلى حرب شاملة ضد قطاع غزة فتقتل البشر وتدمر الحجر وتنادي بشعار «إمسكوني» وإلا قلبت الأرض على من فيها وجدت نفسها، ومن طرف واحد تقرر الخروج من غزة. والقرار ليس سهلا أبدا لمن يعرف أن التهديد الأساسي على ألسنة الإسرائيليين كان الحرب البرية. فالحرب البرية كانت السوط الذي تلوح به القيادة الإسرائيلية عندما تجد أن الغارات الجوية والقصف المدفعي والبحري لا يحقق هدفا غير التدمير. وإسرائيل المبنية على نظريات الحرب الحديثة التي ترى أن غاية الحرب هي فرض الإرادة على الخصم تجد نفسها تحوم وتدور حول مفهوم الردع.
وبديهي أن لا أحد يستطيع المقارنة بين القوة التدميرية التي تمتلكها إسرائيل وبين ما تمتلكه ليس فقط المقاومة الفلسطينية في غزة وإنما أغلب الدول العربية. فإسرائيل تمتلك سلاحا نوويا وتكنولوجيا نارية متطورة ووسائل إيصال ذخائر متنوعة وهي تتباهى بامتلاك منظومة سيطرة وقيادة قد تكون الأكثر تطورا في العالم. ولكن كل ذلك لم يفلح في تحقيق الغاية الأساسية لأي جيش يحترم ذاته: حماية الحدود ومنع العدو من فرض إرادته.
لكن ما جرى طوال الحرب في غزة، وبحسب كل المعلقين السياسيين والعسكريين، كان انجرارا إسرائيليا خلف حماس والمقاومة. فقد أدركت المقاومة أن السبيل الوحيد لكسر الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات طويلة والذي تفاقم كثيرا في السنوات الأخيرة هو الاقتحام بالنار. وخلافا لمحاولات سابقة وأغراض مختلفة استعدت المقاومة جدا لهذا الاقتحام يشهد على ذلك استمرار المعركة التي بادر العدو إلى شنها شهرا تقريبا حتى الآن. وشهدت المعركة فنونا في أساليب القتال لم يعهدها العدو أبدا سواء في اقتحام خطوطه أو العمل خلف خطوطه أو توسيع الجبهة لتطال تقريبا كل بقعة في الأرض المغتصبة.
ورغم ما بدا من شدة «مناورة» و«حركة» للقوات الإسرائيلية فإنها كانت محصورة في شريط ضيق يتراوح عرضه بين عشرات قليلة من الأمتار إلى كيلومتر ونصف كيلومتر في أشد مناطق القطاع خلاء في الجنوب. ورغم القوة المدرعة الهائلة التي حشدت على طول حدود القطاع وضمت مئات من أحدث الدبابات إلا ان أداء المقاومة جعلها تتحرك بأقل من سرعة السلحفاة. ومرارا كانت المدرعات توابيت متحركة لجنود العدو رغم شدة تدريعها.
وعن القوات الخاصة حدث ولا حرج. وقد صارت الصحف الإسرائيلية تتحدث وللمرة الأولى في تاريخ الصراع عن «سييرت» حماس ودخلت اللغة العبرية كلمة «النخبة» في إشارة لقوات حماس عالية التدريب والتي فاجأت الجيش داخل غزة وخارجها. ولا أقل من ذلك فإن الأنفاق تركت أثرها ليس فقط في الذعر الذي بثته في مستوطنات غلاف غزة وإنما في كل مكان ما عبر عنه رسم الكاريكاتير اليومي في «هآرتس» عن أنه في اليوم 374 للحرب حفر مقاوم فلسطيني نفقا وصل إلى تل أبيب.
ورغم تمتع إسرائيل بواقع أن البيئة الرسمية العربية خصوصا في مقاطعها الأقرب امتنعت من إدانة إسرائيل وخلقت انطباعا بأنها تخوض حربا عنها ولمصلحتها فإن إسرائيل غير مرتاحة أبدا. فهي مضطرة لتغيير موقفها من السلطة الفلسطينية وربما الاضطرار لدفع ثمن سياسي لاحق يقرب الجميع من تسوية لا تريدها ولا تتطلع إليها حكومة اليمين في إسرائيل.
وأيا يكن الحال، من الواضح أن نتنياهو كان قرر الأخذ بنصيحة بعض مقربيه: إعلان النصر والهروب من غزة والاكتفاء بعد ذلك بالقصف المدفعي والجوي والبحري. ومن يتذكر من الإسرائيليين «العمليات الخاصة» لـ«سييرت متكال» وسييرت المظليين و«شييطت 13» في الدول العربية وصولا إلى أوغندا يتحسر وهو يرى هذه القوات تتعرض لما تتعرض له على بعد أمتار من الحدود.
ولذلك طبيعي ألا يستقبل أحد في إسرائيل قرار التراجع عن المعركة البرية في غزة على أنها انتصار. وهنا لا يكفي أن يقول نتنياهو انه تم ردع المقاومة في غزة وأنه أعاد غزة 100 سنة إلى الوراء إذ سيطالبه الكل برؤية ترجمة ذلك في سلوك على الأرض. من المؤكد أن إعلان إسرائيل عن «حدثين أمنيين» في «نتيف هعشرا» و«زيكيم» للمرة الثانية خلال الحرب وبعد أقل من يوم على مؤتمر نتنياهو الصحافي يفضح «إنجاز» الردع الذي تحقق.
الشيء المؤكد هو أن إسرائيل سفكت دماء مواطنين عزل ودمرت بيوتا بالآلاف وخربت مزارع ومصانع وورشا ومحلات لكنها ترى بأم عينها أن الردع لم يتحقق وأن المقاومة نضجت وصارت تلاحق جنود العدو داخل وخارج غزة. فالأنفاق كانت ضد مواقع عسكرية إسرائيلية والقتال كان ضد قوات الاحتلال. أما إسرائيل فوجهت نيرانها وبشكل أساسي للأبرياء وهو ما يزيد الثمن الذي عليها أن تدفعه على الأرض وفي المحاكم الدولية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 82 / 2165531

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165531 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010