الجمعة 1 آب (أغسطس) 2014

أرأيتم قدرة شعوب أمتنا؟

الجمعة 1 آب (أغسطس) 2014 par طلعت رميح

لم ينكسر أهل غزة تحت ضغط إجرام الجيش الأكثر دموية وفتكا بالبشر، على مدار ثلاثة حروب.. احتمل أهل غزة سقوط آلاف الشهداء وتدمير آلاف المباني فوق رؤوس ساكنيها، والحياة بلا مياه ولا كهرباء، وواجهوا بوعيهم أشد آلات الإعلام تزييفا وخداعا، دون أن يتخلوا للحظة واحدة عن المقاومة أو يفقدوا ثقتهم بها.. وبذلك حقق أهل غزة، الانتصار تلو الآخر، فالمقاومة ليست هى من ينتصر بالدرجة الأولى بل أهل غزة- شعبها أو مواطنوها- بصمودهم ودعمهم للمقاومة التي هي جيش الشعب الذي لا يتواجد ولا ينشط إلا بدعم الشعب.ومثلها احتمل أهل الفلوجة والرمادي وبغداد وكابل وقندهار، إجرام الجيش الأكثر عدوانية والأعلى في تكنولوجيا القتل، ودفعوا الثمن تدميرا وقتلا ومذابح وقصفا باليورانيوم المنضب، دون أن تهتز ثقتهم بالمقاومة التي حاربت لتحرير العراق وأفغانستان.وهكذا الحال في كل بقاع الأمة، التي تشهد أقسى مرارات القتل والمذابح العمياء وتقاتل أعتى الجيوش إجرامية بصدور عارية من فلسطين إلى أفغانستان إلى العراق إلى سوريا وليبيا والصومال وإفريقيا الوسطى.
لم نسمع عن شعب تبرم أو تهرب من دفع التضحيات عبر تاريخ تلك الأمة . صمدت الشعوب وقدمت الضحايا مثلما قدمت في ظل حكومات وقيادات دول، لم تكن على قدر مستوى تلك التضحيات .وتلك كانت المأساة التي جعلت كل تلك التضحيات تجري بلا مقابل حقيقي طوال سنوات طويلة مضت، حصدت الملايين من شهداء الأمة.
لكن الطريق الآن صار مختلفا .الآن لا تكشف الشعوب مجددا عن قدرتها فقط، وإنما هي تسجل في التاريخ أنها تمكنت من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الحكومات والجيوش الرسمية .الشعوب تعيد رسم طريق الانتصار - خطته وهيكل قيادتها - وتعيد صياغة “فكر الاستقلال”.
تلك رسالة الشعوب إلى الحكام والمثقفين، وتلك رسالة الشعوب الحاسمة إلى الخصوم والأعداء .الآن يعاد رسم وصناعة تاريخ الأمة بفهم جديد مختلف، ويعاد رسم طريقة القيادة في مواجهة الخصوم والأعداء بشكل مختلف عن ذاك الذي كتب وجرى وساد عند تشكيل الدولة الوطنية الحديثة، التي حصلت على مشروعيتها بعد التحرر من حكم الاحتلال المباشر من خلال اعتراف الأمم المتحدة بها وهي منظمة يسيطر عليها ذات المستعمر أو ذات الحكومات والدول التي كانت تحتل الدول الإسلامية.
تسجل الشعوب تضحياتها في صفحتها، هي هذه المرة عبر ممثلين جدد لها مختلفين في الفكر والإخلاص عن هؤلاء الذين حضروا أو أحضروا لاستلام السلطات وتشكيل الدول والحكومات بعد الاستقلال السابق.
ولذلك تحتدم المعركه بأعنف مما جرى من قبل، إذ كل الخصوم والأعداء يعرفون أن ما يجري هو حالة مختلفة اختلافا كليا عن معارك الاستقلال القديمة وعن المعارك التي جرت بعد الاستقلال.وهذا هو سبب شراسة الإجرام ضد الشعوب وتحالف الخصوم والأعداء والصمت على جرائم يندى لها الجبين الإنساني.
كانت معارك السنوات الأخيرة – في الستينات والسبعينات والثمانينات- عمليات مخططة لإخضاع الحكومات التي حكمت بعد الاستقلال لإعادتها إلى الحيز الذي رسم لها – حين تشكلت- بعدما خرجت عن بروازه خلال مرحلة الحرب الباردة بفعل المساحة التي أتاحتها التناقضات الدولية الرئيسية فى تلك المرحلة.. وقد أعيدت وخضعت كلها تقريبا مع نهاية القرن.
ولذا، فالأهم فى ملحمة غزة والفلوجة وكل المدن العربية والإسلامية، أنها لا تجري تحت قيادة هذا الصنف من الحكومات والقادة، ولا تجري داخل إطار ومنظومة الوضع الدولي المهيمن عليه من الدول الاستعمارية، بل هي ملاحم تصنع البديل للحكومات والنظم وتمثل بداية إعادة ظهور القطب الإسلامي على الصعيد الدولي .هي معارك تصنع بديلا لتلك النظم التي تشكلت بعد الاستقلال ووصلت لخط النهاية، بعدما استسلمت.الشعوب تثبت قدرتها وتتولى القيادة عبر ممثلين حقيقيين لها وترسم ملامح وعناوين أخرى جديدة للاستقلال الوطني.
فالأهم في معركة غزة الراهنة، أن الشعب الفلسطيني – وهو النموذج الأرقى في جهاد الأمة – يصنع تاريخا جديدا،عنوانه الرئيسي ليس فقط تحرير فلسطين على طريقة سايكس بيكو، بل تحقيق الاستقلال الفعلي للأمة عبر إلحاق الهزيمة الكاملة بالمشروع الغربي الصهيوني.. كل معركة تمثل جزءا من معركة كبرى جارية في كافة الأرجاء لتحرير الأمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165418

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165418 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010