الجمعة 1 آب (أغسطس) 2014

سيناريو الصمت الدولي

الجمعة 1 آب (أغسطس) 2014 par د. ناصر زيدان

منذ العام 1948 ومحاولات شطب المعادلة الفلسطينية جارية على قدمٍ وساق، والعدوان على الشعب العربي الفلسطيني لم يتوقف . تارةً يحمل العدوان شعار الدفاع عن النفس، وتارةً أخرى شعار مقاومة الإرهاب، إلا أن الهدف الصهيوني يبقى هو هو: طمس القضية الفلسطينية، وتشريد الشعب الفلسطيني، وبسط نفوذ “إسرائيل” على أرض أولى القبلتين، بلاد الأقصى وكنيسة القيامة، وموئل العروبة في تاريخها القديم والمُعاصر .
العدوان “الإسرائيلي” على غزة حلقة من سلسلة حروب الإبادة، لاتحتاج إلى حججٍ ولا لمبررات، فجهوزية آلة القتل دائمةٌ، والضحية هي ذاتها، أطفالٌ ونساءٌ وشيوخ وعُزل، يملكون إرادة حرة وقوة إيمان، وتشبثٌاً بالحياة .
قد تحمل مُندرجات العدوان “الإسرائيلي” الأخير مجموعة من الحيثيات التي ربما تتبين أنها أخطاء أتت بالدُب إلى كرمه، أو أنها قدمت ذرائع ل“إسرائيل” لكي تباشر بعملية القتل المُبرمج، وفي أن بعض عمليات الخطف التي سبقت العدوان كانت أعمالاً غير مدروسة . لكن هذا وذاك لايُبرر الوحشية التي تُمارس ضد الشعب الفلسطيني، ابتداءً من عملية حرق الفتى محمد خُضير وهو حي، وصولاً إلى استخدام أحدث الصواريخ والقنابل التي ترميها الطائرات “الإسرائيلية” على السكان العُزل في قطاع غزة، على مرأى ومسمع دول العالم التي تتغنى في احترامها للحريات ومعايير حقوق الإنسان .
ولا يمكن أن تكون بعض المواقف الدولية المؤيدة للعدوان نِتاجاً فورياً لبعض الأخطاء - إذا ما حصلت - بل هي مشاعر عداءٍ دفينة، تُنتجها أبواق الدعاية الصهيونية المُدللة عند بعض الأوساط الغربية . لقد شكلت مواقف مجموعة من الدول الكبرى صدمةً واسعة عند الرأي العام العربي، لاسيما عندما أدانت عمليات الرد التي قامت بها المقاومة وأصابت مواقع استيطانية بعيدة عن حدود غزة، بل في عمقِ فلسطين، كأنما هناك رغبة دولية أن يبقى سيناريو الصمت والخنوع هو المعادلة الوحيدة المسموح بها لمواجهة التوحش “الإسرائيلي” .
وفي مندرجات العدوان أيضاً وأيضاً محاولات حثيثة لإنتاج معادلاتٍ سياسية خبيثة، تُركز على إحداثِ شرخٍ بين الفلسطينيين أنفسهم، وبين القوى العربية والدولية المؤيدة لنضالهم، والداعمة لدفاعهم المشروع عن النفس . ويبدو أن الحكومة الفلسطينية الجامعة التي شُكلت مؤخراً نتيجة اتفاق حركة فتح وحركة حماس أزعجت العدو، وأجهضت بعض التسويات التي هدفت إلى إذلال الفلسطينيين في الزمن الصعب، كون الأولوية عند القوى المحيطة بفلسطين أصبحت في مكانٍ آخر، عنيتُ في الأماكن التي تجري فيها عمليات التقاتل العربية - العربية، أو الإسلامية - الإسلامية، تحديداً في العراق وسوريا واليمن وليبيا .
إن بعض الاختلاف حول مواقف القيادة المصرية الجديدة الواعدة، لا يُبرِر بأي شكلٍ من الأشكال إقامة محاور متقابلة بين الدول، أو القوى المؤيدة للقضية الفلسطينية، ولا يجوز تحت أي اعتبار أن يتحول التباين العربي والإقليمي على بعض الملفات، غطاءً للعدوان، وتستفيد منه “إسرائيل” لاستكمال انقضاضها على الشعب الفلسطيني المنكوب .
لقد استفادت آلة القتل الصهيونية من التجاذبات التي برزت على سطح العلاقات بين محور الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، وأوحت “إسرائيل” للرأي العام أنها ضحية لتناحُر بين دول إقليمية كبرى، وهذا بالتأكيد غير صحيح، لأن النوايا العدوانية “الإسرائيلية” لا تحتاج إلى مبررات، بل بالعكس أن النوايا العدوانية لقادة الكيان “الإسرائيلي” تتمدد لتشمل إعاقة مسار التعاون والتنسيق بين الدول العربية والإسلامية، وهي تعمل بكل إمكاناتها لخلق الفتن، ولتمزيق الدول العربية، وزرع الشقاق بين أبناء الشعب الواحد .
وفقاً لما يؤكده التاريخ، وما تصنعه عوامل الديموغرافيا، فإن فلسطين هي القضية المركزية، وهي بالتأكيد فوق التباينات، وأكبر من عوامل التفرقة والتشرذُم .
لقد أصيبت فلسطين في الصميم من جراء الفوضى الهدامة التي تعصِفُ ببعض الأقطار العربية، وكان ذلك هديةً إلى النوايا العدوانية ل“إسرائيل”، وطبقاً شهياً على مائدة المُجرمين في حكومة نتنياهو .
ليس بمقدور المؤيدين للقضية الفلسطينية إخفاء أخطائهم بذرائع واهية، قد يكون منها سوء التفسير للمبادرة المصرية، أو محاولة الانتقام من القيادة الجديدة في القاهرة .
إن فلسطين ستتغلّب على العدوان، ولن يتمكن الصهاينة من طمس قضيتها المقدسة التي تبقى أسمى من كل التفاصيل الخلافية الطارئة، وهي فوق التباينات في وجهات النظر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178587

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178587 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40