الخميس 31 تموز (يوليو) 2014

كيان يهتز... ومنظومات تتهاوى

الخميس 31 تموز (يوليو) 2014 par معن بشور

لن تستطيع حرب الإبادة الجماعية الصهيونية ضدّ الشعب الفلسطيني بغزّة، والمجازر المتتالية صباحاً ومساءً بحق الأطفال والنساء والشيوخ، ولا حتى الغارات الإجرامية بحق البيوت وعائلاتها، والأسواق وروادها، والمدارس واللاجئين إليها، والأبراج السكنية وقاطنيها، أن تخفي المشهد الحقيقي للحرب الدائرة التي دخلت منذ أيام أسبوعها الرابع، مشهد يشي بأننا أمام كيان يهتزّ رغم “تفوق” مدعوم أمريكياً بالقوة النارية، كما أمام منظومات داعمة له تتهاوى الواحدة تلوى الأخرى، على غير مستوى، وفي غير منطقة من مناطق العالم.
أول المنظومات التي تتهاوى هي النظام الرسمي العربي، ولقيطته في إدارة جامعة الدول العربية، وهو نظام بدأ يكشف عن ما هو أكثر من عجز وصمت، بل عن تواطؤ وتآمر بات ممكناً معه القول أن الحرب على غزّة تكاد تكون – باستثناءات ضئيلة - حرباً “عربية” رسمية بأيدٍ صهيونية، وأن أهدافها جرى تحديدها في قصور ومقرات عربية، كما في دوائر صهيونية وأمريكية، وأن تمويلها، كما تمويل سابقات لها من الحروب على الأمّة وأقطارها الكبرى، هو تمويل من ثروات وموارد عربية يخشى المتحكمون بها من رياح الثورة والتغيير التي حملتها، وما تزال، روح المقاومة المشتعلة في الأمّة.
ثاني هذه المنظومات التي تتهاوى هو تلك المنظومة السياسية الدعائية المغلفة بلبوس طائفية ومذهبية وعرقية، التي حاولت أن تستبدل عدواً حقيقياً مزروعاً في قلب الأمّة لمنع وحدتها ونهضتها واستقلالها، بأعداء مصطنعين كل ذنبهم أنهم تمردوا على التبعية الاستعمارية، والإرهاب الصهيوني، وانتصروا لمقاومة الأمّة في وجه مغتصبي أرضها ومدنسي مقدساتها وقتلة أبنائها ومصادري إرادتها.
وثالث هذه المنظومات هي تلك المنظومة الإعلامية الغربية، وتوابعها من إعلام عبري بلغة عربية، فانكشفت كم هي مزيفة مهنية وسائل إعلامية دولية وعربية كبرى، وكم هي كاذبة لا تتحمل مراسلاً يسجل مشاهداته، ولا تطيق مراسلة تعبّر عن ألمها أو تصرخ وجعاً في وجه جرائم يستحق مرتكبوها كل محاسبة وعقاب أمام أبسط محكمة ووفق بديهيات أي شرع أو قانون.
إن انكشاف تضليل هذه المنظومة الإعلامية الغربية وتوابعها، له أيضاً مفعول رجعي يكشف حجم التضليل والتحريض الذي سبق أن مارسته هذه المنظومة قبل محرقة غزّة، وستمارسه اليوم وغداً، فمن يكذب يوماً يكذب أبداً، وهي حقيقة تستدعي من كل من وقع يوماً أسير كذبها في هذه القضية أو تلك، أن يراجع مواقفه بكل جرأة، فالمراجعة حكمة نلجأ إليها في الملمات، والتراجع شجاعة نحتاجها في الظروف الصعبة.
ورابع هذه المنظومات المتهاوية هو تلك الشبكة الواسعة من نخب إعلامية وثقافية واسعة، ربطت أقلامها “وأفكارها” بآلة الإجرام الدموية الصهيونية، فبررت للعدو عدوانه، وأخفت مغالطاته السياسية والأخلاقية وراء إثارة تناقضات عابرة، وتحريك أحقاد دفينة وإشعال صراعات ما تحكمت يوماً بشعب وأمّة إلاّ وقادتها إلى الانهيار.
أما خامس هذه المنظومات فهي ما أطلق عليه زوراً اسم المجتمع الدولي والكثير من منظماته التي رفعت صوتها عالياً باسم حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة، فإذا بها تصمت صمت القبور أمام جرائم تنهش أجساد الأطفال، وتمزّق حرمة النساء العزّل، وتفتك بأرواح الشيوخ العجّز، وتستبيح أبسط حقوق الإنسان، بل أبسط القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية، فأين هي حروب “التدخل الإنساني” التي حملت لواءها منذ أكثر من عقدين دول غربية لتبرير حروبها على شعوب وأمم مستضعفة، وأيّ حرب ضدّ الإنسانية أفظع من هذه التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزّة وضدّ أهلها.
وسادس هذه المنظومات التي تتهاوى هي منظومة الأفكار التي تمجّد القوة وتعتبرها حقاً، وتزدري حقوق الشعوب لأنها لا تملك القوة المطلوبة، فتريد ترسيخ ثقافة الاستسلام في مجتمعاتنا وفي مواجهة ثقافة المقاومة، متجاهلة أنه في الصراع بين موازين القوى وموازين الإرادات، فإن القوة تتآكل والإرادة تتنامى خصوصاً حين تتوفر للشعوب مقاومة باسلة ما لجأت إليها يوماً هذه الشعوب المقهورة إلاً وانتصرت بها.
أما سادس هذه المنظومات المتهاوية فهي تلك المحاولات التي حاولت بكل الوسائل والأساليب حرف أمّتنا العربية عن حروبها الحقيقة وإغراقها في احتراب واقتتال وتناحر أهلي يدمّر مجتمعاتها ودولها وجيوشها، ويمزّق وحدتها، ويحطّم العيش الواحد بين أبنائها ومكوناتها، فإذا بالغالبية الساحقة من أبناء الأمّة تعي مخاطر التطرّف الذي هو في النهاية من صناعة أهل التفريط ويهدف إلى التغطية على مخططاتهم ومؤامراتهم وارتباطاتهم.
والشعوب لا تحقق الانتصارات الصاعقة بين يوم وآخر، ولكن في هذه الحروب تحقق المقاومة دائماً تقدماً يومياً على كل جبهات المواجهة العسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية والأخلاقية، وتحرز تراكماً يبدو كمياً ومحدوداً في بداية الأمر ثم ما يلبث أن يتحول إلى فعل نوعي يغير معادلات ويفتح للشعوب آفاقاً جديدة.
وهذا بالضبط ما نشهده اليوم في غزّة وعموم فلسطين، ولن يكون بعيداً أبداً اليوم الذي ستندم فيه تل أبيب وحلفائها والمتواطئين معها على قرارها “بالتورط” في الحرب على غزّة، وتكشف أن حربها ستنتقل من شوارع غزّة وأحيائها ومخيماتها ومستشفياتها ومدارسها ومنازلها لتصبح حرباً شاملة على مستوى الإقليم برمته، حرباً ستسقط فيها حتماً “المنظومة الأم” لكل هذه المنظومات، أي المنظومة الصهيونية الاستعمارية، وستلمع في سماء الأمّة، ومعها الإقليم والعالم، نجوم الحرية والكرامة والعزّة، وتشرق شمس الانتصار على آخر قلاع العنصرية والإرهاب في العالم بإذن الله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165250

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165250 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010