الثلاثاء 29 تموز (يوليو) 2014

مواقف مغلوطة

الثلاثاء 29 تموز (يوليو) 2014 par د. يوسف مكي

بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من هذا التاريخ، يكون قد مر قرن على وعد بلفور المشؤوم، الذي وعد، بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين . وطوال هذه الفترة، تأكد باستمرار أن المشروع الصهيوني، هو مشروع حرب . وخلال الحروب التي شنت على الأمة العربية، لم يكن الصهاينة، بحاجة إلى أسباب موجبة، لشن عدوانهم على الأمة العربية، والهجمة الهمجية الوحشية على قطاع غزة ليست استثناء من هذا السلوك .
لقد ناقشنا في حديث سابق، أهداف العدوان الأخير الذي لا يزال في أوجه على قطاع غزة . وكم هو مؤسف أن تحمل بعض الأقلام العربية، الضحية مسؤولية ما يجري، معتبرة هجمة الكيان الصهيوني الغاصب، على أهلنا في القطاع حرباً دفاعية، مستندة في ذلك إلى ما سبق العدوان من أسر ثلاثة مستوطنين صهاينة، وقتلهم من قبل جهة مجهولة، سبباً مباشراً ووجيهاً للحرب على غزة . أقلام أخرى، رأت في هذه الحرب معاقبة إلهية لحركة “حماس”، التي تسيطر على القطاع، بسبب تدخلها في شؤون البلدان العربية .
نحاول هنا بشكل هادئ، مع التسليم بصعوبة ذلك، أمام ما يجري من مجازر بحق الفلسطينيين، أدت حتى تاريخه، إلى استشهاد ما يزيد على الألف ومئة شهيد، وأكثر من ستة آلاف جريح، وتسوية حيين كاملين هما حي خزاعة، وحي الشجاعية في قطاع غزة بالأرض، وتشريد أكثر من مئة ألف من سكان الأحياء الشمالية من القطاع عن منازلهم، ليبقوا في العراء، وتحت رحمة القصف .
الادعاء بأن ما يقوم به الكيان الصهيوني، هو حرب دفاعية، استناداً إلى حادثة الأسرى “الإسرائيليين”، يتناسى جملة من الحقائق . أولاها أن هؤلاء المستوطنين، يقيمون على أرض، هي بموجب القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة أراض محتلة، لا يجوز بناء مستوطنات فوقها . وهم بهذا المعنى محتلون، تجوز مقاومتهم، بمختلف الوسائل، للحيلولة دون تمكينهم من الأرض .
والحقيقة الثانية، أن الكيان الغاصب، يمارس القتل بحق المدنيين الفلسطينيين العزل، أصحاب الأرض الشرعيين، كل يوم ومن غير سبب، ويفرض عليهم الحصار الجائر، ويبني الجدران العازلة، والمجتمع الدولي يتفرج، ولا تلحق به أية عقوبة .
والثالثة، أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، خضعت لسياسة الأمر الواقع، وقبلت منذ نهاية السبعينات، في الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني، التي عقدت عام ،1978 بوجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية، وعلى هذا الأساس، دخلت مفاوضات مباشرة مع “الإسرائيليين”، منذ مؤتمر مدريد عام ،1990 أي قبل ما يقرب من ربع قرن، ووقعت اتفاقية أوسلو عام ،1993 التي نصت على قيام دولة فلسطينية مستقلة، بعد خمس سنوات من التوقيع على الاتفاقية . وقد مضى على اتفاقية أوسلو أكثر من عشرين عاماً من دون تحقيق أي تقدم، وبدلاً من تطبيق قرار أوسلو، ضاعف الصهاينة من بناء المستوطنات، حتى لم يتبق مما يمكن التفاوض عليه سوى أقل من 48% من الأراضي التي احتلها الكيان الغاصب في حرب يونيو/حزيران عام 1967 .
وأخيراً وليس آخراً، تم أسر المستوطنين الثلاثة وقتلهم، في الضفة الغربية، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وليست حركة حماس . والقاتل لا يزال مجهولاً . والتهمة لحماس وجهت من قبل الحكومة “الإسرائيلية”، التي نصبت من نفسها مدعياً عاماً وقاضياً ومنفذاً للحكم . والتنفيذ لم يشمل حركة “حماس”، ولم يكن متوازناً، بل شمل المدنيين العزل من أبناء قطاع غزة، الذين ليست لهم علاقة البتة، بحادثة الأسر .
إذاً، هو عدوان همجي وحشي، يتسق، مع جملة الاعتداءات التي نفذها الكيان الغاصب بحق العرب جميعاً . وفي كل مرة، ذريعة واهية، لا يقبل بها عقل أو منطق . وحتى لو صحت تلك الذرائع، وهو ما لا تدعمه الوقائع، فهل يستقيم، على سبيل المثال، إطلاق صاروخ من هنا أو هناك، كما في حرب عام 2012 مع التدمير الشامل الذي شنه جيش الاحتلال . وكذا الحال، مع أسر المستوطنين الثلاثة، الذين قتلوا من قبل جهة مجهولة، بينما قاتل الشهيد خضير، معروف ومؤكد بالصوت والصورة .
أما فيما يتعلق بالتشفي من حركة حماس الذي عبرت عنه أقلام ووسائل إعلام مرئية، وتمنيات البعض، ألا يبقى في غزة، حجر على حجر، فإن ذلك لا يتسق مطلقاً، مع الأخلاق العربية، والمبادئ القومية، التي اعتبرت فلسطين، منذ البداية، قضية العرب المركزية . وحماس ليست فلسطين، وهي أيضاً ليست شعبها .
وليس من المنطق تعميم الموقف السلبي من حركة حماس، وله تبريراته وأسبابه، على الموقف من الفلسطينيين جميعاً، الذين هم أهلنا ورمز عزتنا وكرامتنا، والذين تقاتل مقاومتهم، بفصائلها المختلفة، “فتح” و“الجهاد” و“الشعبية” . . باسمنا، ويستشهد شعبهم، دفاعاً عن ثوابتنا . كما أنه ليس من المنطقي، أن يعمم أشقاؤنا الفلسطينيون موقفاً بائساً من قلة ناشزة، من الإعلاميين والكتاب، على العرب جميعاً .
فلسطين هي قضية العرب المركزية، وستبقى كذلك، إلى أن يتحقق الحلم العربي في تحريرها، ورفع العلم الفلسطيني خفاقاً، فوق قبة الصخرة، وبيت لحم ونابلس ورام الله وأريحا، وبقية الأراضي المحتلة . والانتصار للمقاومة، ودعمها في مواجهتها البطولية والأسطورية للعدوان، ليس شأناً فلسطينياً محضاً، بل إنه يمس كل العرب جميعاً، من دون استثناء .
وقد علمتنا المقاومة الفلسطينية، بكل تشعباتها وانتماءاتها، طوال تاريخها الطويل، أن تخرج من تحت الرماد، ومن التاريخ إلى صناعة التاريخ، وأكدت عبر إرادة الصمود جدارة الفلسطينيين، وجدارتنا جميعاً بالحياة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2177318

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع يوسف مكي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2177318 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40