الأحد 27 تموز (يوليو) 2014

أبو مازن ينصر شعبه بالكلام... متى العمل؟

الأحد 27 تموز (يوليو) 2014 par د. عصام نعمان

أربعة تطورات لافتة حدثت أخيراً:

أولها، صمودُ الفلسطينيين وتجاوزهم مجزرة الشجاعية المهولة، ولا سيما بعد نجاحهم المبين في أسر جندي إسرائيلي.

ثانيها، نجاح الفلسطينيين في نقل الحرب إلى عمق «إسرائيل» ما انعكس سلباً على اقتصادها بدليل اضطرار شركات الطيران الأميركية والأوروبية وغيرها إلى تعليق رحلاتها إلى تل أبيب.

ثالثها، خروج محمود عباس من دورانه غير المجدي في حلقة الوساطة المفرغة ومسارعته إلى العودة لرام الله لنصرة شعبه الثائر في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، مؤكداً له أن «الهدف الرئيس لهذا العدوان الإسرائيلي هو تدمير قضيتنا وإجهاض المصالحة».

رابعها، مبادرة مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة إلى تأليف لجنة للتحقيق في انتهاكات إسرائيل وجرائم الحرب خلال عدوانها على غزة.

صمود أهل غزة إعجازي. لم ينجح في تصليب إرادة الغزاويين فحسب بل أدى ايضاً إلى تحريك إخوتهم في الضفة والناصرة وحيفا كما في الشتات الأمر الذي حقّق وحدة فلسطينية حقيقية اضطر معها أبو مازن إلى التعلّق بقطار المقاومة وأنصارها قبل فوات الأوان.

ليس أبو مازن وحده من استلحق نفسه بل الكثير أيضاً من أركان منظمة التحرير والسلطة ومساعدي الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته. هؤلاء جميعاً أحسوا بقوة التغيير الذي أحدثته مقاومة غزة في المشاعر والمواقف والسلوكيات فبادروا إلى ملاقاتها في منتصف الطريق لتبقى لهم حصة في قيادة العباد والبلاد في قابل الأيام.

غير أن انقلاب أبي مازن على نفسه ليس كاملاً. يقتضي التدقيق في مضمون كلامه لأبناء شعبه، فقط أعلن بصراحة أن جهوده تهدف إلى إعلان التهدئة «ومن ثم العمل على إنهاء الحصار وفتح المعابر ووقف أشكال العدوان جميعاً…».

التهدئة تسبق، إذاً، «العمل على إنهاء الحصار وفتح المعابر». أليس هذا جوهر المبادرة المصرية التي كان أبو مازن أول من أيدها ودعا تنظيمات المقاومة في غزة إلى الموافقة عليها؟

الفارق الأساس في موقفه المستجد أنه كان قبل خطابه الأخير يحمّل «حماس» مسؤولية البدء بالحرب بينما أضحى الآن يحمّل «إسرائيل» مسؤوليتها بل يتهمها، بحق، بأن الغاية من وراء عدوانها «تدمير قضيتنا وإجهاض المصالحة».

متى ينتقل أبو مازن من الكلام الجميل إلى الفعل المجدي؟ متى يعلن الانضمام إلى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية كي يتمكن الفلسطينيون من «ملاحقة كل مرتكبي الجرائم بحق شعبنا مهما طال الزمن» كما تعهد هو شخصياً في خطابه؟

متى يوعز إلى قيادة «قوات الأمن الوطني»، أي شرطة السلطة، بوقف التصدي لجماهير الشعب الثائرة في الضفة ضد «إسرائيل»، والمتعاطفة مع المقاومة في غزة؟

متى تنتقل منظمة التحرير إلى صف الفصائل والقوى والناس المؤمنين بأن المقاومة، لا المفاوضات اللامتناهية، هي طريق التحرير وتحصيل الحقوق الوطنية؟

بات واضحاً الآن بعد مرور نحو عشرين يوماً على عدوان «إسرائيل» على غزة وصمود أهلها الصابرين وفشل كل محاولات العدو اختراق خطوط المقاومة من شمال القطاع إلى جنوبه، أن حقيقة استراتيجية لافتة قد نشأت هي قيام ميزان ردعٍ بين الطرفين المتحاربين يحول دون نجاح أيٍّ منهما في تحقيق اختراق عسكري لمصلحته يمكّنه من ترجمته سياسياً إلى إنجازات. من هنا تستبين حاجة الفلسطينيين عموماً إلى تثوير إخوتهم في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات وتفجير تعبئة شعبية عارمة وإيجاد مناخ سياسي عاصف يرفض العودة إلى سياسة «إسرائيل» الداعية إلى وقف الحرب على أساس «تهدئة مقابل تهدئة»، والإصرار على فتح ملفات قضية فلسطين من أساسها وصولاً إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الآيلة إلى قيام دولة حرة مستقلة سيدة.

لمحمود عباس، رئيساً لمنظمة التحرير ورئيساً للسلطة الفلسطينية، دور كبير في تحقيق التعبئة الشعبية والسياسية اللازمة لنصرة قضية المقاومة في هذه الظروف العصيبة بغية الضغط على «إسرائيل» ومن يقف وراءها لوقف عدوانها المتمادي على الفلسطينيين، شعباً وقضية، وإكراهها على الرضوخ لقرارات الشرعية الدولية، فهل يفعل؟

إن ظاهرة توازن الردع بين الفلسطينيين و»إسرائيل»، ونشوء مناخ شعبي فلسطيني وعربي ضاغط على «إسرائيل» وحلفائها قد لا يتكرران، فلا مناص، إذاً، من اغتنامهما والحرص على استخلاص أفضل النتائج السياسية منهما.

الأمة أعلى من السلطة، والمقاومة أفعل من السياسة، والسياسة بما هي إدارة مصالح الناس وشؤونهم أرقى من النوازع الشخصية والمصالح الضيقة والعصبيات المذهبية الفارغة.

هل يتغيّر العرب؟ هل يتفوّق أصحاب القرار على أنفسهم؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2165622

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165622 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010