الجمعة 25 تموز (يوليو) 2014

الحسابات الخفية لعدوان أساء تقدير الموقف

الجمعة 25 تموز (يوليو) 2014 par حبيب راشدين

لا شيء في العدوان الصهيوني الحالي على غزة يشبه نسخه السابقة، سوى الإصرار الإجرامي على قتل أكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين، وما سواه يستدعي التوقف عنده مطولا لاكتشاف ما يراد التستر عنه كأهداف لهذا العدوان، الذي أنتج أكثر من مفاجأة، سواء على المستوى الميداني القتالي، أو على مستوى المسارات السياسية التي انطلقت بالتوازي مع العدوان، إن لم تكن قد سبقته بقليل، وهي بالضرورة ليست بعيدة عن مفردات مخاض الربيع العربي.

مبدئيا فقد بدأت معالم العدوان القادم على غزة تتضح منذ تدبير اختطاف المعمرين الصهاينة الثلاثة في الضفة الغربية، وتسرع الكيان في توجيه التهمة لحماس، كما كان الكيان الصهيوني جد منزعج من نجاح الفلسطينيين في بناء توافقات أنتجت أول حكومة وحدة وطنية بعد سنوات من الجفاء والتطاحن عن بعد بين سلطة أبو مازن وحماس، وقد تمكن الكيان من إنجاز تدحرج سريع للأزمة، عبر شن حملة واسعة من الاعتقالات استهدفت في الغالب معظم المعتقلين الذين أطلق سراحهم بموجب اتفاق الهدنة مع حماس سنة 2012 برعاية مصرية في زمن الرئيس مرسي، وهي تعلم أن حماس والفصائل سوف تعتبر الإجراء كنقض للهدنة من طرف واحد، يحررها بالضرورة من التزاماتها وهو ما حصل.

الأمر الثاني: أن الكيان الصهيوني يكون قد قرأ في حالة الاستعداء الناشئة بين حماس والقيادة المصرية الجديدة نشوء حالة من العزلة والاستضعاف لحماس، التي فقدت مع الربيع العربي والنزاع السوري ثلاثة حلفاء هم: سورية وإيران وحزب الله، كما قرأت في انتقال القيادة السياسية لحماس إلى الدوحة، وانغماسها التدريجي في محور تركي قطري ناشئ، قرأت فيه فرصة لاستدراج المقاومة إلى مزيد من العزلة مع محيطها العربي، ومع بيئتها الداعمة التقليدية.

الأمر الثالث: أن الكيان الصهيوني يكون قد استمرأ بمرارة مفردات الهدنة السابقة، وخاصة منها صفقة الإفراج عن قرابة ألف معتقل فلسطيني مقابل الجندي الصهيوني شليط، كما لم يهضم التغيير الحاصل في مصر، وبداية تشكل محور خليجي مصري على أنقاض انكسار الربيع العربي، وانكفاء المد الإسلامي بعباءته الإخوانية، كانت الإدارة الأمريكية قد سوقته لحلفائها كشريك محتمل في عملية تغيير أحصنة النظام العربي النافقة، فكان لابد من إعادة توزيع الأوراق بالمنطقة، والبحث عن رافعة جديدة للمحور التركي القطري.

تلكم كانت حسابات نتانياهيو وبتشجيع أمريكي عن بعد، لا يمانع في ظهور محور ثالث في المنطقة، يعدل الكفة مع المحور الإيراني السوري، والمحور المصري الخليجي الناشئ، وكان في تقديرهم أن يساعد الاجتياح على ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، باستثناء سوء التقدير الصهيوني لردة فعل المقاومة، وجهوزيتها التي أفسدت جميع الحسابات، وارتكاب الكيان لحماقة الاجتياح البري الذي كبده في ثلاثة أيام فقط خسائر بشرية ومادية فاقت ما خسره في مواجهاته السابقة مع حزب الله أو مع المقاومة، بإحصاء 27 قتيلا في صفوفه حسب تقديراته، وأكثر من 50 قتيلا حسب تقديرات المقاومة، فضلا عن حصول تحول لافت لدى حلفائه الغربيين، المستائين من الأداء السياسي والعسكري للكيان.

سياسيا يكون العدوان قد استنفذ ذخيرته، بتحقيق نتائج جاءت عكس ما توقعه الكيان وحلفاؤه، ومعهم القيادة المصرية التي أساءت بدورها تقدير الموقف، وأعماها نزاعها مع حماس عن رؤية الفرصة التي أتيحت لها للتصالح مع جانب من الرأي العام المصري والعربي المتعاطف مع غزة والقضية الفلسطينية، وربما فرصة لفتح جسور تواصل ومصالحة مع الإخوان في مصر عبر التضامن مع المقاومة الفلسطينية، ورفض أداء دور الوسيط بالشروط الإسرائيلية الأمريكية.

بشكل ما سوف يتوج الحراك السياسي الأمريكي الغربي بالتوصل إلى حل وسط بين مفردات المبادرة المصرية، التي نسفها الكيان بالترحيب المبكر بها، ومفردات المبادرة القطرية التركية التي سبق أن حظيت بالمباركة الأمريكية وقبول الفصائل، بإدخال تعديلات على المبادرة المصرية تستثني الخوض في ملف معبر رفح، وإدراج ضمانات أمريكية بشأن الفتح الدائم لبقية معابر غزة مع الكيان، وإيجاد صيغة مبتكرة للميناء البحري، يسمح بترسيم تواجد تركي قطري دائم في غزة، محكوم بتفاهمات سرية مع الكيان، يخضع لنفس التريتيبات التي جربت من قبل في معبر رفح مع السلطة الفلسطينية، ولا شك أن فتح ميناء غزة للملاحة، وتموين القطاع بالسلع ومواد البناء تحت الرقابة، لن يزعج الكيان كثيرا، حيث سيسمح في تقديره بسحب ورقة الحصار من خطاب المقاومة، وينهي آخر ورقة كانت بيد مصر للحفاظ على دورها في ملف غزة.

ولأن التسوية تحتاج دائما إلى مخرجات تحفظ ماء الوجه للمتصارعين، ولأن المقاومة وشعب غزة قد أفشلا بصمودهما العدوان وأبطلا مفعوله العسكري، فإن الكيان سوف يضطر هذه المرة للقبول بفكرة الرفع الجزئي للحصار، والقبول على مضض بتسوية تضمن له في الحد الأدنى دخول شركاء جدد في إدارة ملف غزة، هم عند نهاية التحليل حلفاء تقليديون، يثق فيهم أكثر مما يثق في قيادة مصرية متخبطة، لم تتضح بعد نواياها وسياستها في الملف الفلسطيني، حتى مع ما تضمره من عداء لحماس، وانخراط في حلف جديد مع بعض دول الخليج.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165358

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165358 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010