الجمعة 25 تموز (يوليو) 2014

تداعيات ما بعد الاجتياح البري لغزة

الجمعة 25 تموز (يوليو) 2014 par د. محمد السعيد ادريس

أخيرا، وقع المحظور، واضطر بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني أن يتورط في اتخاذ قرار الاجتياح البري لقطاع غزة بضغط من منافسيه داخل الحكومة الوزيرين أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، وسيكون عليه أن يتخذ، بعد ذلك، المزيد من القرارات الأكثر صعوبة، فهو ليس أمامه الآن غير الخيارات العسكرية بعد أن جمد قرار حركة “حماس” الرافض للمبادرة المصرية، الخيار السياسي الوحيد المتاح . نتنياهو مطالب بقبول واحد من خيارات ثلاثة الآن .
أول هذه الخيارات المزيد من التوغل البري بجيشه في عمق قطاع غزة، وهنا سيكون عليه أن يحصد المزيد من خيبات الأمل، فهو سيضطر إلى ارتكاب المزيد من المجازر التي ستظل تلاحقه، خصوصاً أن المدنيين من الأبرياء: الشيوخ والنساء والأطفال من أهالي قطاع غزة سيكونون، على الأغلب معظم الضحايا . كما أنه سيواجه بسقوط أعداد كبيرة من أفراد جيشه بين القتلى والجرحى، وفي نهاية المطاف سيكون مطالباً بأن يبحث عن مخرج سياسي بقدر لهفته إلى سرعة الخروج من غزة، لأن “إسرائيل” ستجد نفسها تخوض الحرب على جبهتين: جبهة الالتحام المباشر داخل قطاع غزة، والجبهة الداخلية “الإسرائيلية” التي ستظل تتعرض للقصف الصاروخي من المقاومة الفلسطينية . وهنا سيكون على نتنياهو أن يستذكر الدروس المهمة التي سبق أن استخلصها إيهود باراك الذي تولى منصب وزير الدفاع عقب انتهاء الحرب “الإسرائيلية” على لبنان صيف 2006 . فقد حدد باراك ثلاثة شروط للتورط في خيار الحرب مجدداً، بعد أن أكد أن “إسرائيل” لن تكون المبادرة بخوض أي حرب بعد ذلك (بعد حرب صيف 2006 على لبنان) . هذه الشروط الثلاثة كانت: أن تكون حرباً سريعة لأن “إسرائيل” لا تستطيع أن تخوض حرباً طويلة نظراً إلى أن معظم أفراد الجيش من الاحتياط، وإطالة أمد الحرب تعني أن الحياة المدنية تدفع المزيد من الأثمان . الشرط الثاني أن تقع خارج أرض “إسرائيل” كي لا يتعرض الشعب “الإسرائيلي” للخطر، وأخيراً ألا تتهدد الجبهة الداخلية . باراك أدرك أن نقطة ضعف “إسرائيل” هي الجبهة الداخلية التي لا تتحمل الحرب والتي يسيطر عليها مفهوم “الدولة - الشركة”، فالكيان الصهيوني ليس دولة بالمعنى التقليدي للدول، لكنه أقرب إلى الشركة التجارية التي تضطر إلى الإغلاق عندما تستحيل ظروف العمل، وتنتقل للعمل في مكان آخر . ومعظم شعب الكيان من المهاجرين إليه من الخارج، وهؤلاء يضطرون إلى النزوح (الهجرة المعاكسة عند أي خطر)، حتماً يدرك نتنياهو هذه الدروس، لذلك كان متردداً في اتخاذ قرار الحرب، وإذا كان قد اضطر إلى التورط فيها فإن من ورّطوه هم أول من سيحاسبونه، خصوصاً إذا لم يستطع تحقيق مكاسب تفوق الخسائر التي تكبدها من جراء قرار التورط في الاجتياح البري للقطاع .
ثاني هذه الخيارات أن يضطر إلى القبول بالتوغل المحدود، وهنا سيجد نفسه في موضع الاستياء من الجيش وقادته وموضع الاستهزاء من منافسيه السياسيين داخل الحكومة، لأنه سيكون مثل مَنْ اكتفت بالرقص على السلم ولم يرها أحد، ولن يحقق ردعاً وسيكون مطالباً بأن يدفع الأثمان من دون أن يجني ثماراً .
أما الخيار الثالث، فهو الانسحاب السريع من القطاع، وهنا لن يسلم لا من الشماتة من منافسيه ولا من غضب العسكريين، لكنّ هذا الخيار سيكون محكوماً بمحددات أخرى، أولها أن تقبل حركة “حماس” بالمبادرة المصرية التي سبق أن رفضتها، وهذا غير مرجح، أو أن يضطر هو إلى القبول بتحسين هذه المبادرة بالقبول بمطالب “حماس”، وعندها ستكون كارثته التي لن تقل عن كارثة أيهود أولمرت بقراره شن الحرب على لبنان صيف 2006 .
مثل هذه الخيارات ستبقى محكومة بشرطين: أولهما أن تبقى المقاومة داخل القطاع قادرة على الصمود وعلى إجبار الجيش “الإسرائيلي” على أن يدفع المزيد من الأثمان في الأرواح، من خلال الالتحام المباشر، أو القنص، أو الخطف أو استهداف أرتال الجيش “الإسرائيلي” بالتفجيرات، ومن خلال إجادة تصويب الصواريخ نحو نقاط الضعف في الجبهة الداخلية، شرط أن تنجح صواريخ المقاومة في الوصول إلى عمق المناطق السكنية والصناعية والمواقع العسكرية، وأن تحدث أصداء واسعة من الرعب والخوف في نفوس “الإسرائيليين” كي تتحول إلى عامل ضغط سياسي على الحكومة “الإسرائيلية”، لكن هذا الطموح يتوقف على جودة وكفاءة ما تملكه المقاومة من ترسانة صاروخية، فحتى الآن لم تنجح صواريخ المقاومة، مع كثرتها، في إصابة أعداد تذكر من “الإسرائيليين”، كما أن “القبة الحديدية” المضادة للصواريخ نجحت في إبطال مفعول معظم صواريخ المقاومة، لكن يبقى ما هو أهم، وهو المخزون من هذه الصواريخ، في ظل الظروف شديدة الصعوبة الخاصة بتعويض هذا المخزون الذي يمكن أن ينفد مع صعوبة إعادة إمداد المقاومة بالأسلحة مع انشغال سوريا وحزب الله بالحرب داخل سوريا، ومع الأزمة السياسية بين مصر وحركة “حماس” وتدمير مصر معظم الأنفاق التي كانت ممراً غير شرعي لتلك الأسلحة .
أما الشرط الثاني، فهو وجود ظهير سياسي قوي قادر على دعم صمود المقاومة من ناحية، وقادر أيضاً على فرض مبادرة سياسية تحقق المكاسب المرجوة، وإذا أجدنا قراءة الخريطة السياسية ذات العلاقة بالصراع الدائر الآن في غزة فإننا سنجدها تتضمن ثلاث مجموعات من الفواعل السياسية ذات العلاقة المباشرة بالأزمة .
- المجموعة الأولى تضم الحلفاء المباشرين لحركة “حماس” وهي: جماعة الإخوان المسلمين ودولة قطر وتركيا .
- المجموعة الثانية تضم محور الممانعة: إيران وسوريا وحزب الله .
- المجموعة الثالثة تضم أبرز أطراف، محور الاعتدال .
تقييم أداء أو تقييم ما يمكن أن تقوم به كل مجموعة، يتوقف على الأهداف المطلوبة، وهذه الأهداف هي الأخرى متحركة وذات علاقة مباشرة بتوازن القوى داخل ميدان المواجهة .
فعندما كان ميدان المواجهة محصوراً في القصف الجوي والبحري على القطاع، كان الهدف هو وقف سريع للعدوان حماية للأرواح وللمنشآت المدنية في القطاع . وكان توازن القوى يقول إن طرفاً محدداً هو جيش الكيان الصهيوني يقوم بشن العدوان، وإن المقاومة ترد بتوجيه ضربات صاروخية إلى عمق الكيان (تجاوزت “تل أبيب”)، لكنها لم تحدث خسائر لا في الأرواح ولا في المنشآت توازن الخسائر التي يدفعها الشعب الفلسطيني . هذا الاختلال الشديد في توازن القوى، وهذا الاختلال الفادح في الأثمان فرض هدفاً محدداً واحداً على الجميع هو: وقف فوري للعدوان الغاشم .
وهذا الدور لم يكن في استطاعة أي من المجموعتين الأولى (مجموعة الحلفاء) و(مجموعة الممانعة) تحقيقه، لأنه يتطلب تواصلاً مباشراً مع “الإسرائيليين”، وهذا دور لا تقوم به غير مصر، نظراً لوجود علاقة تنسيق أمني مشترك كانت من نتائج معاهدة كامب ديفيد، كما يتطلب ضغوطاً معنوية وسياسية على “الأمريكيين” والأوروبيين حلفاء الكيان، وهذا دور تستطيع السعودية القيام به، ومن هنا جاءت المبادرات المصرية بكل نواقصها لتعبّر عن واقع توازن القوى على الأرض ولتقول: إن مصر والسعودية هما اللتان بإمكانهما أن تقوما بهذا الدور وأن تمنعا استمرار العدوان .
لكن بعد الاجتياح البري “الإسرائيلي” للقطاع، فإن الأمر أضحى أكثر تعقيداً لسببين: أولهما أن توازناً جديداً للقوة سوف ينشأ حتماً، إما أن يكون لمصلحة المقاومة، وإما أن يكون لمصلحة الكيان، وهذا التوازن الجديد هو الذي سيحدد الأهداف، فإذا نجح الاجتياح عندها ستكون “تل أبيب” هي من سيحدد الشروط، وإذا لم ينجح وأضحى الانسحاب السريع هو الحل أمام الكيان ستكون المقاومة هي من سيحدد الشروط . ثانيهما أن رفض حركة “حماس” وهجومها على مصر وسعيها للبحث عن مبادرة بديلة من محور الحلفاء (الإخوان - قطر - تركيا) ستحد حتماً من قوة الدفع المصرية نحو تحريك المبادرة أو تجديدها وتحسينها في ظل تحول المواجهة نحو مصر من جانب حركة “حماس” والإخوان وقطر وتركيا بدلاً من تركيز المواجهة سياسياً وإعلامياً ضد العدوان الصهيوني، وفي ظل تصاعد موجة الإرهاب داخل مصر .
الحسابات تزداد تعقيداً مع التمنع الأمريكي حتى الساعات الأخيرة عن التدخل المباشر، إما إدراكاً لواقع توازن القوى الذي يعمل لمصلحة الكيان، وإما لإعطاء الدور الأمريكي المزيد من المكانة المعنوية للعودة بمشروع أو مبادرة أمريكة ليس فقط لوقف العدوان، بل ولتجديد التفاوض مع السلطة، ولكن بشروط جديدة تعمل لمصلحة الكيان .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165420

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165420 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010