السبت 24 تموز (يوليو) 2010

المفاوضات المباشرة و«قصة النجاح الكبرى»

السبت 24 تموز (يوليو) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

المهلة التي حددتها جامعة الدول العربية للمفاوضات غير المباشرة الفلسطينية «الإسرائيلية» تقترب من الانتهاء من دون تحقيق أي من الشروط التي وضعتها الجامعة للانتقال بعدها إما إلى المفاوضات المباشرة، إذا كانت هذه الشروط قد تحققت، أو إلى مجلس الأمن ليتولى مسؤوليته في تنفيذ القرارات الدولية التي صدرت لصالح الشعب الفلسطيني. هذا الموقف العربي الذي جاء إثر احتدام الخلافات الفلسطينية والعربية حول جدوى استئناف هذه المفاوضات، وإن كانت غير مباشرة، في ظل تراجع في الموقف الأمريكي من اعتبار وقف سياسة الاستيطان «الإسرائيلية» شرطاً أساسياً للعودة إلى المفاوضات، حمل معنى أساسياً هو أن النظام العربي الرسمي غير قادر على تحمل مسؤولية طرح البدائل حتى ولو كانت مجرد بدائل سياسية، وأنه آثر أن يلقي بالمسؤولية كاملة على كاهل الأمم المتحدة، خصوصاً بعد التعنيف الشديد من جانب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لمسؤولين عرب تداولوا في اتخاذ قرار بمجرد تجميد مبادرة السلام العربية .

الآن، وبعد عودة المبعوث الأمريكي جورج ميتشل لأخذ موافقة السلطة الفلسطينية والدول العربية على استئناف المفاوضات المباشرة من دون مراجعة لأية شروط حسب مطالب رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو ودعم الرئيس الأمريكي باراك أوباما لهذه المطالب في اللقاء الذي جمع بينهما منذ أسابيع ثلاثة في واشنطن، وتراجع فيه الرئيس الأمريكي عن كثير من مواقفه السابقة سواء بقبوله إعطاء الأولوية للملف الإيراني على الملف الفلسطيني، ودعمه للرفض «الإسرائيلي» للقرارات الصادرة عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي وبالذات مطالبة «إسرائيل» بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وفتح منشآتها النووية أمام التفتيش الدولي والخضوع لكافة ترتيبات المراقبة والشفافية على منشآتها المفروضة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعقد مؤتمر دولي عام 2012 لتنفيذ قرار جعل الشرق الأوسط إقليماً خالياً من الأسلحة النووية، إضافة إلى التهاون مع الإجراءات «الإسرائيلية» الخاصة بمواصلة سياسة الاستيطان وطرد المقدسيين من أراضيهم .

مطالب ميتشل بضرورة بدء المفاوضات المباشرة رفضها صراحة الأمين العام لجامعة الدول العربية، وجدد الشروط العربية التي وضعت للانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة، كما جدد الحديث عن خيار اللجوء إلى مجلس الأمن، لكن يبقى السؤال ضرورياً: ما مدى الالتزام العربي والفلسطيني بما جاء على لسان الأمين العام للجامعة العربية؟

بالنسبة للموقف العربي من غير المتوقع الصمود طويلاً أمام موقف الرفض، للقبول بمطالب ميتشل لأنها مطالب الرئيس الأمريكي الذي يدرك العرب أنه قد يكون قد اضطر إليها لإرضاء اللوبي الصهيوني والقوى اليهودية الداعمة لـ «إسرائيل» بسبب ضغوط الموقف الانتخابي شديد الحرج بالنسبة للحزب الديمقراطي . وان العرب الذين اعتادوا أن يخوضوا اختبارات أخلاقية أمام أصدقائهم قد يجدون أنه ولدواعٍ أخلاقية يجب عدم إحراج الرئيس الأمريكي وأن نكون نحن أفضل من «الإسرائيليين» وأن نستمع ونقبل بما يريده، لعله وبعد الخروج من أزمة تلك الانتخابات يعتبرها موقفاً أخلاقياً يجب الرد عليه بما هو أحسن منه، وأن يساند المفاوض الفلسطيني في تلك المفاوضات، ويكفي أن نعود إلى طرح شروط جديدة للتفاوض المباشر، كما سبق أن طرحنا شروطاً للتفاوض غير المباشر من أجل تجميل الموقف العربي «الاضطراري» بقبول المفاوضات المباشرة . هناك استعداد عربي أيضاً للقبول بالمفاوضات المباشرة بعد خوض «معركة كلام»، هدفها تجميل التنازل الجديد ونحن وهم كسب ود الرئيس الأمريكي لكن الحقيقة هي أن النظام العربي لا يملك غير التنازل ولم تعد له أية خيارات بديلة لسبب أن فلسطين لم تعد مصلحة وطنية لأي دولة عربية، بل كانت عائقاً أمام مصالح وطنية لدول عربية عديدة أبرزها مصلحة العلاقات مع أمريكا وربما مع «إسرائيل» نفسها.

أما موقف السلطة الفلسطينية فهو في الظاهر يحاول أن يسلك طريق «التمنع» و«الدلال» وأن يصدر الحرج إلى النظام العربي، كما هي حال الفتاة الراغبة في الزواج وتصدر القرار للوالد (ما يقوله الوالد أرضى به). السلطة فعلت ذلك في تجربة المفاوضات غير المباشرة، كانت راغبة وصدرت الأزمة للنظام العربي وقالت ما يقبله العرب نقبل به، وكانوا هم قد قطعوا شوطاً في تفاوض مباشر وليس مجرد تفاوض غير مباشر.

ومنذ شهر واحد تقريباً، وربما أقل، التقى رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض مع إيهود باراك وزير الدفاع «الإسرائيلي» لم يخرج الاجتماع بأي نتائج محددة باستثناء إعلان فياض أنه تلقى وعوداً من وزير الدفاع «الإسرائيلي» بأن تبحث تل أبيب «بجدية» مجموعة من القضايا العالقة بين الجانبين، وتقدم ردوداً «واضحة» في شأنها ما دفع رئيس السلطة محمود عباس إلى أن يبدي تشاؤمه من إمكان تحول المفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضات مباشرة، وأن تبادر السلطة بدعوة لجنة المبادرة العربية للاجتماع .

أهمية هذا اللقاء ترجع من جهة إلى ما ذكرته صحيفة «هآرتس» من أن ديسكين هو حلقة الاتصال بين رئيس الحكومة «الإسرائيلية» وقيادة السلطة الفلسطينية، وأنه يشرف أيضاً بتكليف من رئيس الحكومة على تنفيذ «رزمة بناء الثقة» التي جرى التفاهم عليها بين رئيس الحكومة «الإسرائيلي» والرئيس الأمريكي باراك أوباما تمهيداً للانتقال إلى المفاوضات المباشرة التي تضمن نقل المسؤولية الأمنية عن عدة مدن في الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية وعدم توغل قوات الاحتلال فيها .

اللافت هنا أن هذه ليست هي الزيارة الأولى، بل قام ديسكين منذ أشهر بزيارة مماثلة لرام الله، وأن العلاقات الأمنية بين «إسرائيل» والسلطة، كما تؤكد الصحيفة، شهدت في السنوات الثلاث الأخيرة تحسناً ملحوظاً، حيث زار قائد قوات الجيش «الإسرائيلي» في الضفة الغربية العميد نيتسان آلون برفقة رئيس الإدارة المدنية العميد يوداف مردخاي زارا معاً قيادة جهاز الأمن العام الفلسطيني في رام الله، كما زار قائد الجبهة الوسطى للجيش «الإسرائيلي» آفي مزراحي وعدد من كبار الضباط مدينة قلقيلية .

تنسيق أمني على أعلى المستويات جعل من مدينة جنين «قصة النجاح الكبرى» للأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتنسيق مع نظيرتها «الإسرائيلية» ضد المقاومة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165364

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165364 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010