السبت 19 تموز (يوليو) 2014

فهل سيكون الاجتياح البري افضل حالا؟ لا نعتقد ذلك

السبت 19 تموز (يوليو) 2014 par عبدالباري عطوان

يقول بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي ان المرحلة الثانية من عدوانه على قطاع غزة، وتمثلت في البدء في الحرب البرية، تأتي بهدف معالجة الانفاق الهجومية، الامر الذي يعطي انطباعا بأن المرحلة الاولى، اي الهجوم الجوي، تكللت بالنجاح واعطت نتائجها، وهذا افتراض غير دقيق، فالغارات الجوية الاسرائيلية المستمرة منذ عشرة ايام لم توقف اطلاق الصواريخ على تل ابيب والقدس وحيفا واسدود وعسقلان مثلما توعد نتنياهو، ولم توفر الطمأنينة بالتالي للمستوطنين الاسرائيليين، وشلت الحياة الاقتصادية تماما، ولا نعتقد ان حال المرحلة الثانية من هذه الحرب سيكون افضل، بل لن نفاجأ اذا كان اسوأ كثيرا.
القيادة في اسرائيل بشقيها السياسي والعسكري اعتقدت ان فصائل المقاومة المحاصرة في قطاع غزة تعيش عزلة عربية، ووضعها مختلف عن وضع حزب الله في جنوب لبنان لان مصر لا تقوم بدور داعم للمقاومة، ولا تشكل عمقا استراتيجيا لها، مثلما هو حال سورية، بل متطابق مع الموقف الاسرائيلي في الوقت الراهن على الاقل، ولهذا توقعت القيادتان الاسرائيلية والمصرية معا ان ترفع فصائل المقاومة الراية البيضاء بعد يومين او ثلاثة على الاكثر من بدء الغارات وهو ما لم يحدث.

ما لا يعرفه نتنياهو ومعظم القادة العرب الذين يصّلون من اجل نجاحه في اقتلاع ثقافة المقاومة من جذورها في قطاع غزة، فرادي كانوا او مجتمعين، ان الروح القتالية لفصائل المقاومة، اسلامية كانت ام علمانية، في ذروة قوتها وعلوها، والايام العشرة الماضية كانت شاهدا على هذه الحقيقة، لاسباب عديدة نوجزها في النقاط التالية:
*اولا: لاول مرة، ومنذ ان بدأت الحروب الاسرائيلية على قطاع غزة، يتوحد الشعب ويلتف حول فصائل المقاومة، ويبدي استعدادا كبيرا للتضحية غير مسبوق، فاهل القطاع رفضوا كل الدعوات الاسرائيلية التي هبطت عليهم مناشيرا من السماء، او رسائل نصية تطالبهم بمغادرة اماكنهم، وقررت العائلات البقاء في بيوتها انتظارا للشهادة.
*ثانيا: القناعة السائدة في اوساط الغالبية الساحقة من ابناء القطاع هي العودة الى الاحتلال الاسرائيلي ولا العودة الى الاوضاع المزرية والمهينة تحت الحصار العربي والاسرائيلي معا، ولهذا لم يأسف الا القليلون جدا على رفض فصائل المقاومة وبالاجماع للمبادرة المصرية التي كانت تريد تكريس الحصار لا رفعه، لسنوات قادمة، ودون اي تغيير، وان حدث فللاسوأ.
*ثالثا: اعادت هذه الحرب القضية الفلسطينية الى الواجهة وسلطت الاضواء عليها مجددا، بعد ثلاث سنوات عجاف من التعتيم والتضليل، التعتيم بسبب الثورات العربية التي اعطت في معظمها نتائج عكسية كارثية، والثاني، اي التضليل، الذي يعود الى غرق السلطة في رام الله في الرهان على وهم المفاوضات وحل الدولتين الخاسر، ومنع كل اشكال المقامة للاحتلال.
*رابعا: فصائل المقاومة الفلسطينية تقاتل وظهرها للبحر، وليس للحائط لان هذا الحائط غير موجود في القطاع، الامر الذي يجعلها في وضعية القائد الفذ طارق بن زياد عندما ركب البحر لفتح الاندلس، اي انه ليس امامها (المقاومة) غير القتال حتى الشهادة او النصر، وليس هناك ما يمكن ان تخسره.
*خامسا: اذا كانت الحروب هذه الايام اعلامية بالدرجة الاولى، فان اسرائيل لم تكسب الحرب الاعلامية الحالية حتما رغم محاولاتها والناطقين باسمها المستميتة، لحجب الحقائق، ولي عنقها، واللجوء الى كل اساليب الكذب والتضليل، وكلما طال امد الحرب كلما زاد حجم الخسائر الاسرائيلية في جبهاتها على عكس كل الحروب السابقة، فالرأي العام العالمي بدأ ينتفض، والمظاهرات الاحتجاجية تتعاظم في مختلف انحاء العالم، ومؤشرات التعاطف الشعبي في ارتفاع متسارع، وانا اعيش في الغرب واتحدث من خبرة وتجربة ومتابعة، فمجزرة الشاطيء التي ارتكبتها المدفعية الاسرائيلية بحق الاطفال الاربعة هزت ضمائر الملايين وما زالت.
الدبابات الاسرائيلية التي تقدمت بضعة امتار داخل حدود القطاع تتقدمها الجرافات، ربما تواجه مفاجآت عديدة، لان كل ادعاءات اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بمعرفتها للقطاع وجغرافيته من خلال تقنياتها الفنية العالية، وشبكة جواسيسها، ثبت زيفها، هذا اولا، ولانه لا احد يعرف ماذا يجري تحت ارض غزة من انفاق ثانيا.
منذ عشرة ايام والطائرات الاسرائيلية، بطيار او بدونه، تجوب سماء القطاع، ولم تنجح في ضرب منصة صواريخ واحدة، ولم تقتل قياديا واحدا من حركة “حماس″ او غيرها، و”تشاطرت” على بيوتهم واطفالهم فقط تعبيرا عن يأسها واجرامها معا عندما قصفت هذه البيوت.
هاتفت ظهر الجمعة الدكتور موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس″ في القاهرة مستفسرا، فقال لي ان جميع قادة حماس السياسيين لا يعرفون مطلقا التجهيزات العسكرية للجناح العسكري للحركة تحت الارض بالذات وهو من بينهم، وان صناعة الصواريخ مستمرة ولم تتوقف رغم القصف المتواصل، واكد لي ان اي مبادرة لا تلبي شروط المقاومة وترفع الحصار مرفوضة من اي جهة جاءت، وقال لو فتحت مصر معبر رفح بشكل طبيعي لما احاجت لاطلاق مبادرتها اساسا ولكنها تحدثت عن كل المعابر الاسرائيلية ولم تتطرق مطلقا لمعبر رفح، وتجاهلت مبدأ التشاور مع فصائل المقاومة.
فصائل المقاومة تخوض “حربا استشهادية” بكل ما تعنية هذه الكلمة من معنى، ولا تأبه بالنظريات والحسابات “العقلانية” لمن نسميهم “بعجائز الغجر” في بلادنا الذين يدعون الحكمة والتعقل، فقد واجهت العدوان الاسرائيلي اربع سنوات عام 2006، وعام 2008 وعام 2012، وحاليا 2014 اي بمعدل عدوان كل عامين، ولم تحترم اسرائيل اتفاق، ولم يحتج ضامنوا هذه الاتفاقات من دول الجوار على انتهاكاتهم، والاكثر من ذلك تحمّل هذه الفصائل المسؤولية عن العدوان لانها قالت “لا” كبيرة مصحوبة بالصواريخ لكسر هذا الوضع المخجل.

فاجأنا طلب الرئيس محمود عباس من لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا اقناع اصدقائه الاتراك والقطريين بالضغط على حركة “حماس″ للقبول بالمبادرة المصرية لوقف اطلاق النار، مثلما صرح وزير الخارجية الفرنسي في مؤتمره الصحافي الذي عقدة بعد اللقاء بين الاثنين في مطار القاهرة، مصدر المفاجأة ان الرئيس عباس كان في طريقه الى انقرة للقاء المسؤولين الاتراك فلماذا لا ينقل هذا الطلب اليهم بنفسه؟ ولماذا يوسط فابيوس.
اذا كان هدف المبادرات المصرية والتركية هو التهدئة مقابل التهدئة، فان هذه النتيجة لا تحتاج الى وساطات ومبادرات، فيكفي ان تعلن فصائل المقاومة في بيان مشترك عزمها وقف اطلاق الصواريخ في ساعة محددة، ليلتزم نتنياهو وتتوقف الغارات، وتعود الاوضاع الى ما كانت عليه من حصار وتجويع واذلال.
اسرائيل اختارت الحرب، واعدت لها العدة بشكل جيد، واستغلت جريمة مقتل المستوطنين الشبان الثلاثة، “الغامضة” كغطاء للعدوان، الا ما معنى اعتقال اكثر من 700 من النشطاء السياسيين من حركتي الجهاد وحماس، بما في ذلك الاسرى المحررين في صفقة شاليط التبادلية، غير “تجريف” الضفة من هؤلاء الذين يمكن ان يكونوا قادة لتحرك جماهيري صاخب ضد عدوانها الحالي.
العدوان الجوي لم يوقف صواريخ المقاومة، والهجوم البري سيفشل في تركيع ابناء القطاع حتما مثلما فشلت كل الاجتياحات السابقة، فقد ذهبت انظمة عربية، وذهب قادة اسرائيليون، وبقيت المقاومة وصواريخها وثقافتها وستبقى طالما هناك احتلال.
الدكتور ابو مرزوق قال لي في ختام المكالمة بيننا انه عندما يستشهد مقاتل في غزة لا يبكي زميله لفقدانه وانما لانه لم يستشهد معه او قبله.
هذه الروحية المجبولة بالكرامة والفداء التي باتت نادرة هذه الايام تتواجد بكثرة في قطاع غزة، ولهذا ترتجف الدبابات الاسرائيلية ومن يحتمون في جوفها وهي تتقدم في اراضيه ببطىء شديد خوفا وقلقا.
في جميع الاجتياحات السابقة كانت المقاومة تسعى للتهدئة وتتسرعها.. في هذا الاجتياح ترفضها ولا تابه بها واصحابها.. انه انقلاب في كل المعادلات يؤشر لمرحلة مختلفة حافلة بالمتغيرات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165275

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165275 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010