السبت 19 تموز (يوليو) 2014

إن لم تستسلم فأنت المنتصر

السبت 19 تموز (يوليو) 2014 par عبداللطيف مهنا

من رماد متتالي رماد محارقهم الهمجية المتواصلة ينطلق كعادته الفينيق الفلسطيني العنيد، ومن بين سواد دخان مراحلها الكثيف تخرج مفاجآت أبابيل مقاومته محلقةً من فوق رؤوس الغزاة المتغطرسة… ها هي تُكرههم في مثل هذه الأيام المصيرية الفارقة للانتقال هم وجبروتهم ومعهم فجورهم للسكنى في عتمة ملاجئهم، حيث توالي صافرات الإنذار الزاعقة في أيام لم يعهدوها من قبل تحذيرهم من مغبة مغادرتها…
…ومن عدوان إلى ما تلاه، ومن مذبحة إلى لاحقتها، ها هي غزة هاشم، المضرَّجة بدمها المقاوم، والعزلاء المقاتلة، لكنما المنطلقة من ما راكمته أسطورية إيبائها ومذهل صمودها وديدنة مواجهاتها لأعدائها، تخرج وستخرج هي هي، وكما عودتنا دائما، الأعند، والأقوى، والأصلب، والقائلة لهم، إني لها، وإنه لم يعد من عدوان تشنونه عليَّ بعد اليوم بلا ثمن….
ولأن الحال هي كذلك، فإنها ليست سوى هذه اللحظة التاريخية الفارقة، التي تسطِّر تجلياتها وكأنما قدر غزة المحاصرة والمستفردة فيها هو أن تقاتلهم وحدها وظهرها إلى حائط الزمن العربي الأردأ ونيابة عن مترامي أمتها المبددة. كما أنه هو هذا الراهن العربي المرير عينه الذي انمحت فيه المسافة الرمادية المضللة سابقًا بين القاعد المتفرج على طقوس شقيق يذبح، والعاجز، والمتواطئ، فالمتوسط بين المعتدي والشقيق المعتدى عليه… وصولًا إلى المتسابقين للفوز باحتكار عار الاستفراد بالمشاركة في محاولات تصفية قضية قضايا أمتهم….
…وهي اللحظة، التي من لم يك فيها مع غزة، مع المقاومة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، فهو ليس إلا، إما المهرول بين العجز والتواطؤ، أو تجاوزهما مرتضيًا لنفسه حال المرسال، أو دور الوسيط بين الضحية الشقيقة وجلَّادها العدو، وفي كل هاته الأحوال فهو موضوعيًّا ليسسوى الشريك أو المساعد في عملية ذبحها…
***
إنها ليست سوى اللحظة التاريخية الفارقة التي نسفت فيها مفاجآت غزة المقاومة بائد معادلة هدوء مقابل هدوء، هذه التي لم تكن من ترجمة لها في يوم من الأيام سوى الاستسلام مقابل وجبة من عدوان ستتبعها لاحقة مؤجلة… أو تعويض للعدو عن استحالة انتصار عدوانه على شعب أعطى الكون مضمونًا مذهلًا لمعنى الصمود في مواجهة البطش، والقدرة الخارقة على ابتكار الجديد والمتعدد من أشكال مقاومته لهمجية الغزاة، قدرة تبعثها الحاجة ولم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلًا من ذي قبل… لم تعد غزة حقل رماية لهم، والمهم أنها ستظل غزة غير القابلة لأن تدجَّن، وأن ما أنجزته مقاومتها حتى الآن يشي بمقدمات لمعادلات جديدة في هذا الصراع آتية لا ريب….
…إنه ليس سوى زمن الصافرات الصهيونية المنذرة، وقبابهم الحديدية المثقوبة، ومشاهد هروع قطعان المستعمرين إلى الملاجئ، وحيث تعقد حكومتهم المربكة اجتماعاتها في قبو وزارة حربها، ويركض وزير خارجيتهم مع ضيفه الألماني القادم للتضامن مع عدوانيتهم إلى الملجأ… زمن فشل جهنمية التجسس التكنولوجي الغربي المتطورة، هذه التي تلاحق كل التفاصيل الغزاوية، جوًّا، وبرًّا، وبحرًا، وتضع كل دقائقها تحت مجهرها، والراصدة لكل حركة تدب أو حتى سكنة، والمتابعة لكل همسة تسمع، والتي لا يفوتها أن تحصي حتى أنفاس الغزيين… بالمقابل، لم تكتفِ المقاومة بأبابيلها المحلقة في سماء الوطن المغتصب، بل اتسعت ضروب مقاومتها جوًّا وبرًّا وبحرًا ومن تحت الأرض، وأضفت على اتساع مواجهتها لعدوها لمسةً إلكترونية باختراقها لشبكات الإنترنت والهواتف النقَّالة والقنوات التلفزيونية باثةً رسائلها لعدوها بالعبرية…
***
…إنها المرة التي لم تحقق فيها حربهم هدفًا استراتيجيًّا واحدًا، وحيث، ووفق ما أعلنوه، قد نفد بنك أهدافهم، ولم يرمموا “ردعًا” تهتكت عراه، ولم تحقق آلتهم التدميرية فترة “هدوء” أخرى ينشدونها، ولم يتمكنوا كسابقهم من اقتناص لقائد كبير في المقاومة، ولم تتوقف صواريخ المقاومة من دك تجمعاتهم على مساحة الخارطة الفلسطينية، وفشلوا في فرض التهجير، أو تنفيذ سياسة الأرض المحروقة، شرق غزة وشمالها، وبان أن لا قدرة لهم على الحؤول دون استمرارية المقاومة، ولا من ما يضمن لهم عدم قدرتها على تجديد وتطوير قدراتها مستقبلًا، لجأوا إلى هدم البيوت على رؤوس ساكنيها الآمنين، وارتكاب مجازر حصد أرواح الأطفال التي لم يشهد العالم مثيلًا لها في بشاعتها انتقاما لما فشلوا في تحقيقة وعجزوا عنه… بعد هذا كله، وتفاديًا لكلفة الحرب البرية الباهظة التي كانوا يتهيبونها ويتحسبون لها، لجأوا إلى توسيط غربهم وعربهم وكل من شاء توسطًا لتحقيق ما عجزوا عنه في حربهم تفاوضًا ومساومةً….
***
…ولأنها المرة التي فيها لم ولن يأخذوا من غزة بالمساومات ما عجز عنه مديد حصارهم، وقصَّرت عن فعله هائل آلة فتكهم، ولم تحققه مسلسلات المحارق والمذابح التي أداروها ضده، وحيث لم ولن يسمح الجرح المقاوم بأن تحول شراك المبادرات بين الدم الغزي الزكي وما أنجزته مقاومته، بدأوا هجومهم البري… وإذ بدأوه، وإذ هي المقاومة في انتظارهم، وحيث سيقاتل الدم الفلسطيني نيابة عن العربي وحيدًا، فلا يجدر بأحد أن ينسى أن عشرة أيام غزِّية مرت فحسب، كانت كافية لأن تثبت أن هناك شعبا لا توحِّده إلا مقاومته ولا تتهدد وحدته إلا مبادرات المساومين على حقه الثابت في كامل فلسطينه والعودة إليها… شعب لا يقوده ولا يمثله إلا شهداؤه وأسراه وجرحاه… ولذا فإن لسان حاله يقول في غزة اليوم: إن لم تستسلم فأنت المنتصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 73 / 2165848

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165848 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010