الجمعة 18 تموز (يوليو) 2014

يا اهلنا في الضفة نرجوكم ان تتحركوا

الجمعة 18 تموز (يوليو) 2014 par عبدالباري عطوان

انتصارا لاطفال قطاع غزة وانتم الذين قدمتم آلاف الشهداء في الانتفاضتين الاولى والثانية.. وتجاوزوا هذه السلطة التي تريد تشويه تاريخكم المشرف يا اهلنا في الضفة نرجوكم ان تتحركوا
السؤال المسكوت عنه فلسطينيا هو لماذا تخرج مظاهرات غاضبة ادانة للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في كل انحاء العالم، ولا تخرج مظاهرة مماثلة في مدن الضفة الغربية يشارك فيها مئات الآلاف تضامنا مع اشقائهم الذين تتعرض بيوتهم ومستشفياتهم واطفالهم للقصف وتتحول اجسادهم النحيلة الى اشلاء؟ وهل باتت الضفة ضفة، والقطاع قطاعا، وضعفت اللحمة القوية الرابطة بين ابناء الوطن الواحد والقضية الواحدة؟
حملت هذه التساؤلات التي تتردد على استحياء شديد على السنة الكثير من ابناء القطاع الى احد اعضاء اللجنة المركزية في حركة “فتح” وقلت له اجبني بصراحة، ودون الاغراق في “التنظير” لماذا لا تتحركون، ولماذا لا نرى القيادات الاخرى في الضفة التي تظهر باستمرار على شاشات الفضائيات تنزل الى الشارع وتحتج على العدوان وتقود المظاهرات؟
اجابني بأن ثقافة المقاومة في الضفة الغربية جرى وأدها وحل محلها “ثقافة الراتب”، و”ثقافة اللامبالاة” وتتحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية الاكبر لانها بنيت اصلا واستمرت من اجل اقتلاع “ثقافة المقاومة” في اطار خطة امريكية اسرائيلية مدروسة بعناية من جذورها، وما تصريحات الرئيس محمود عباس التي يؤكد فيها ليل نهار، بمناسبة او دون مناسبة، انه لن يسمح بانتفاضة ثالثة، او باطلاق رصاصة واحدة تجاه الاسرائيليين الا تأكيدا على هذه المسألة، وتطبيقا لهذه الخطة.
حاول بعض الشبان في مدن الضفة الغربية، والخليل خاصة، واستشهد احد شبانها برصاص الاحتلال، الخروج في مظاهرات ولكن قوات الامن تصدت بشراسة لقمعها تنفيذا لاوامر صدرت لها من قيادتها العليا التي تنسق مع الاسرائيليين، وتلتزم بتعهداتها للامريكيين، لان الرئيس عباس لا يريد ان يكون شهيدا مثل سلفه المرحوم ياسر عرفات.
المظاهرات الوحيدة المسوح بها هي تلك “المظاهرات الحميدة” التي تصدر بأمر من السلطة ووعاظ سلاطينها من اجل رفع صور الرئيس عباس والهتاف له، وعودته المظفرة من الامم المتحدة، حاملا انجاز الاعتراف بالدولة الوهمية، اما اي مظاهرات اخرى فهي ممنوعة ومقموعة، وخبيثة المقصد، اذا كانت ضد الاحتلال والاستيطان والاحتجاج على عدوانه.
التقيت الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء السابق اثناء زيارة له الى لندن، لافهم منه ماذا يجري في الضفة الغربية، واستفهم عن السلام الاقتصادي الذي يطبقه، والدولة التي وعده توني بلير والرئيس باراك اوباما باقامتها مجرد انتهائه من بناء بنيتها التحتية في غضون عامين، سألته عن هذه الدولة، وقد اكمل مهمته، فاشتكى مر الشكوى من الجميع ابتداء من الرئيس عباس ومرورا بالمستوطنين والاسرائيليين، وانتهاء بالادارة الامريكية، فسألته ولماذا لا تجربون الخيار الآخر، اي العودة الى سياسات الاحتجاج والتظاهر والعصيان المدني، والانتفاضة السلمية ولا نقول المسلحة؟
الرجل اجابني، وبكل وضوح ان السلطة تخشى ان تفشل في السيطرة عليها، اي المظاهرات، وتخرج من يدها، وتخطفها الفصائل الاخرى (حماس والجهاد)، وتطورها الى انتفاضة شاملة، مما يؤدي الى تدمير كل شيء جرى بناؤه على الارض من مشاريع اقتصادية واستثمارات ضخمة فلسطينية واجنبية.

قطاع غزة يتعرض للقصف الوحشي الاسرائيلي واطفاله يذبحون بصواريخ الطائرات الاسرائيلية لانه ما زال يحتضن الحد الادنى من “ثقافة المقاومة”، وهذا ما يفسر حجم المؤامرة عليه، وفور ان يتخلص من هذه الثقافة، ويتخلى عن صواريخه جميعا، ويتبنى ثقافة الراتب والسلام الاقتصادي، فان المعابر ستفتح على مصراعيها، واولها معبر رفح، وستتدفق المليارات لاعادة الاعمار، وتحويل مدينة غزة الى “سنغافورة” اخرى تتزاحم في سمائها ناطحات السحاب.
فصائل المقاومة في قطاع غزة حققت انجازين كبيرين في السنوات العشر الماضية:
*الاول: اجبار القوات الاسرائيلية على الانسحاب من القطاع وتفكيك مستوطناتها واخذ مستوطنيها معها، تسليما بعدم القدرة على تحمل الخسائر الاقتصادية والنزيف البشري.
*الثاني: الاستمرار في رفع راية المقاومة باشكالها كافة، وتطوير تكنولوجيا الصواريخ لاختراق الحدود والاسوار العازلة، واختراع هندسة الانفاق، والوصول الى المدن الاسرائيلية الكبرى وترويع مستوطنيها.
مؤشرات عودة ثقافة المقاومة التي بدأت بشائرها تطل مجددا الى بعض المدن مثل نابلس وجنين والخليل، والهبة العارمة في القدس المحتلة وحيفا والمثلت احتجاجا على حرق الشهيد محمد ابو خضير حيا بعد خطفه على ايدي مستوطنين اسرائيليين هي التي تقف وراء العدوان الاسرائيلي الحالي على قطاع غزة، وهو الثالث في غضون خمس سنوات، عدوان يهدف الى قتل “ثقافة المقاومة” في مهدها وعدم امتدادها الى الضفة وداخل الخط الاخضر، والغاء قبضة السلطة الفلسطينية الحديدة، وتصعيد قيادة جديدة شابة ترفض حالة الهوان الراهنة.
اهل الضفة الغربية الذين قدموا آلاف الشهداء اثناء الانتفاضتين الاولى والثانية يعيشون حالة احتقان تنتظر المفجر حتى تتحول الى تسونامي غير مسبوق يجتاح السلطة ويقتلع جذور ثقافة الراتب التي زرعتها وعمقت جذورها في التربة الفلسطينية وتتصدى لتغول الاستيطان واذلال الحواجز، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، وما طيران الرئيس عباس الى القاهرة، وحرصه على وقف اطلاق النار، الا محاولة لمنع هذا الانفجار او تأجيله، لانه يدرك جيدا انه سيكون وسلطته اول ضحاياه.

فعندما يتحول رئيس السلطة من مقاتل في خندق شعبه الى وسيط نزيه محايد، فاعلموا ان الرجل يعيش عالما آخر ومعزول عن شعبه و بات كل همه السير على الطريق الوحيد الذي يضمن له هدف البقاء وبذل كل جهد ممكن للحيلولة دون لعدم اطالة امد “انتفاضة الصواريخ” في قطاع غزة وانهائها بأسرع وقت ممكن، خشية انفجار اهل الضفة انتصارا لدماء اطفالهم في قطاع غزة، واقول اطفالهم متعمدا، وليس سهوا، لان الدم الفلسطيني واحد، وقد راى بنفسه حقيقة مشاعر اهل القطاع تجاه سلطته عندما قذفوا وزير الصحة بالبيض الفاسد عندما جاء لزيارتهم، وهي مشاعر لا تختلف كثيرا عن نظيرتها لدى اهل الضفة.
فصائل المقاومة في قطاع غزة لم ترفع الرايات البيضاء رغم وحشية القصف الاسرائيلي، والعقوق العربي الرسمي، وتخاذل القيادة في رام الله عن القيام بأي خطوة لحماية شعبها، حتى في الحدود الدنيا بما في ذلك الانضمام لمحكمة الجنيات الدولية لمطاردة مجرمي الحرب الاسرائيليين الذين بات قتلهم للاطفال على شاطيء قطاع غزة ليس بحاجة الى اثبات.
ثقافة المقاومة موجودة في جينات كل مواطن فلسطيني في الضفة وغزة والاراضي المحتلة عام 1948 وفي المنفى، ولن تنجح آلة الدمار الاسرائيلية في اقتلاعها من الشعب مثلما نجحت في اقتلاعها من رجال السلطة في رام الله.
قطاع غزة، وباسم كل الشعب الفلسطيني يتحدى الجيش الرابع في العالم وطائراته وصواريخه، ويفرض شروطه لوقف اطلاق النار لالتقاط الانفاس استعدادا لجولة اخرى، فطالما هناك احتلال ستظل هناك مقاومة.
نكتب هذه المقالة بعد انتظار دام تسعة ايام سقط خلالها 250 شهيدا، لهذه الهبة الجماهيرية الغاضبة التي كنا وما زلنا نتطلع اليها من اهلنا في الضفة الغربية للتأكيد على وحدتنا الوطنية في مواجهة عدو متغطرس وفاجر.
قطاع غزة يواجه العدوان تحت ذريعة الانتقام لمقتل ثلاثة شبان مستوطنين بعد خطفهم في مدينة خليل الرحمن لان المعتدي الاسرائيلي لا يفرق بين الضفة الغربية وغزة ويساوي بين الجميع في عمليات القتل الثأرية.
انه امتحان لارادة كل الفلسطينيين، وليس هناك خيار آخر غير اجتيازه وبأعلى درجات الصمود والمقاومة والشهامة والرجولة والتلاحم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165266

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165266 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010