الخميس 17 تموز (يوليو) 2014

عدوان الدولة العبرية وإفرازاته

الخميس 17 تموز (يوليو) 2014 par سليمان تقي الدين

أيّاً كانت النتائج الميدانية للعدوان “الإسرائيلي” على “غزة” فإن الحقيقة المؤكدة أن الدولة العبرية لن تعرف الاستقرار من دون حل سياسي للقضية الفلسطينية . في كل الخطاب السياسي للدولة العبرية وللغرب يتصدر موضوع “الأمن” . وفي كل المفاوضات هناك زعم أن المطلوب “ضمان أمن إسرائيل” . فلا “جدار العزل العنصري”، ولا “القبة الحديدية” ولا ترسانة “السلاح النووي”، ولا التفوق العسكري الجوي والتكنولوجي قدمت حتى الآن هذه الضمانة، ولا طبعاً كل هذا الاسترخاء العربي والانشغال بالمشكلات الخاصة والداخلية . وعلى فرض أن الدولة العبرية نجحت في فرض شروطها للحدود المتصورة مع أي كيان فلسطيني قد ينشأ نتيجة تسوية مذلة، فإن وجود الشعب الفلسطيني مسألة لا تقبل التلاشي أو الزوال أو الإلغاء أو تبديد الهوية . ويحار المرء في العالم الغربي الذي يدعم هذا الكيان كيف سيصل به إلى ضفة الأمان على حساب حقوق وجود شعب آخر، طالما أنه ليس من وسيلة ناجعة عبر القوة والأمن، وطالما أن الشعب الفلسطيني قدّم ويقدم مشروع حلّ بالحد الأدنى من استعادة الحقوق . فإذا كانت هذه الاستحالة عقائدية صهيونية فهل هي كذلك بالنسبة إلى هذا الغرب . أم أنه يستخدم هذه العقائدية لأغراض ومصالح خاصة به، وفي الحالين هو المسؤول الأول، ليس فقط عن أصل المشكلة، بل عن تداعياتها الإنسانية، ما يشكل جريمة كبرى ونقيصة هائلة في صورته وثقافته وإدعاءاته عن منظومة القانون الدولي وحقوق الإنسان .
من التفصيل الممل والساذج السؤال عن مدى تغطية الغرب لهذا أو ذاك من جولات العدوان والأغراض والأهداف المرحلية أو عدم تغطيته لها . هناك نموذج “دولة” تمارس “الإرهاب المنظم” في أصل وجودها وتطورها، ولا تخضع لأي مساءلة من “المجتمع الدولي” . والأكثر غرابة أن جزءاً كبيراً من العالم قد تخلّى عن اعتراضه السابق أو عن إداناته وعن كل مزاعمه في الانحياز إلى حقوق الشعوب والشعب الفلسطيني خاصة، وأخذ يتشارك مع الغرب الاستعماري في لعبة المصالح متجاهلاً هذه القضيّة التي تشكل البقيّة الباقية من موروثات العالم القديم ومظالمه الاستعمارية المباشرة، ولاسيّما الاستعمار الاستيطاني .
بهذا المعنى لا نملك حق المفاضلة بين وسائل نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال وللعدوان طالما أن هذا الكيان الاستيطاني يرفض الحلول السياسية والدبلوماسية، ويضع على جدول الأعمال آلته العسكرية الهائلة لإخضاع الشعب الفلسطيني . والمسألة هنا أن هذا الكيان لم يتوقف عن قضم الأرض والمواقع والتوسع وتغيير الجغرافيا والديمغرافيا، وليس مجرد التمسك بتلك الحدود التي نشأ فيها أصلاً .
كما أنه يتمسك بمنجزاته العسكرية التوسعية على حساب دول أخرى في الجولان السوري وسيناء المصرية وجنوب لبنان، وفي أي بقعة يستطيع أن يفرض سطوته عليها . وما خروجه من “غزة”، إلاّ لأنها كرة النار التي لم يستطع إطفاءها وتمنّى مسؤولوه لو أنها تغرق في البحر .
غزّة هذه بكثافتها السكانية جزء من مخيّمات التهجير، ومن الأرض التي لم تكن تعد كثيراً بمقومات الحياة . غزّة المحاصرة بالنار تفتح لنفسها معابر الحياة بواسطة الانفاق . ومع ذلك لا يتعامل المجتمع الدولي مع قضيتها الإنسانية قبل قضيتها السياسية .
في مقاومة العدوان برزت معطيات ميدانية جديدة لامست فيها صواريخ غزّة موقع “ديمونا النووي” ووصلت إلى معظم مدن الأراضي المحتلة ومرافقها . خلال أسبوع كانت حكومة الدولة العبرية أمام عجز كبير بتوفير الأمن لشعبها وباتخاذ قرار سياسي، سواء قرار الحرب البرية أو قرار التهدئة . المهم في الأمر أن تطوراً نوعياً حصل في المواجهة وأن آلة الدمار أو الحرب تتقدم على طرفي الجبهة . فإلى أين تسير الأمور في ظل “حرب الآلام” أو “الرد الصلب”؟ إنها حالة من الحرائق البشرية التي تفوق ما عرفناه في السابق . في كل جولة عشرات القتلى ومئات الجرحى وتدمير للمقومات المدنية والإنسانية وحالات من مظاهر التوحش في التعامل الحربي . نريد فعلاً أن تنتقل الآلام إلى الجانب “الإسرائيلي”، لكننا نريد أولاً أن تتراجع الآم الشعب الفلسطيني، وأن نجد صورة تحرّض على إيجاد حلول سياسية . ما نشهده من تراكم لأحقاد ولأستعداد متبادل إلى مزيد من الموت والدمار ومن المصاعب السياسية . في واقع الأمر كل الشعب الفلسطيني في الداخل والضفة والشتات يهلّل الآن لمقاومة غزّة ولو أُتيح له ما أُتيح لها لكان يمارس الفعل نفسه . فهل لنا أن نسأل الآن عن ظاهرات العنف والتطرف وعن أسباب الفوضى في المنطقة وعن مصادر الإحباط واليأس وأشكال التعامل معها؟ هذه البذرة الصهيونية التي صدّرها الغرب لنا، ليس مجرد كيان سياسي على جغرافية سياسية، بل هي وباء يضرب ما حوله ويجعل من وجودنا نفسه حالة لا إنسانية . في مكان ما كان العنف الصهيوني يصدمنا كثيراً حتى صارت عندنا مظاهر للعنف مارستها دول وأنظمة وحركات سياسية تتناظر معه، وقد أخرجت مشروع العرب للحياة التقدم رهينة حل كل هذه المشكلات معاً . فهذا “الشرق الأوسط” الجديد" الذي أراده المحافظون الجدد ويشاركهم كثيرون على صناعته بوعي أو بغير وعي هو أحد هياكل التاريخ المدمّرة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165848

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165848 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010