الثلاثاء 15 تموز (يوليو) 2014

انعطاف مهم في حرب غزة الثالثة

الثلاثاء 15 تموز (يوليو) 2014 par فيصل جلول

تفيد وقائع الحرب على أهالي غزة بأن الكيان الصهيوني لن يغامر بعملية عسكرية برية واسعة النطاق لإدراكه أنها لن تضع حداً للمقاومة ولن تقطع خطوط الإمداد بالصواريخ والأسلحة، وإن فعلت فلبعض الوقت وبقدر لا يؤثر جوهرياً على ميزان القوى . ولن يغامر الكيان بالحرب البرية، كونها مكلفة وتنطوي على خطر هزيمة مدوية شبيهة بهزيمة عام 2006 في لبنان، ناهيك عن أن عملية عسكرية برية فاشلة على غزة ستجعل القطاع عاصمة مسلحة للمقاومة الفلسطينية، وستهمّش رام الله إلى حد يصعب تحديده، وقد تعيد خلط أوراق الصراع، الأمر الذي يقلق عواصم غربية كثيرة، ويفسر انهماكها بالعمل الحثيث على وقف لاطلاق النار، ينقذ ماء وجه الدولة الصهيونية ويعيدها إلى اتفاق عام 2012 .
والحديث عن قلق ومخاوف الغرب ازاء حرب غزة الثالثة ليس من قبيل المبالغة، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند اتصل بأربعة رؤساء عرب ومسلمين مقربين من المقاومة الغزاوية خلال 24 ساعة للضغط من أجل وقف النار، ليس حرصاً على ضحايا غزة، وإنما خوفاً من انكشاف “إسرائيلي” أكبر في هذه الحرب . وفي السياق تبدو لهجة الولايات المتحدة الأمريكية إزاء الحرب أقل عدوانية واعتداداً من ذي قبل، علماً أن هولاند وأوباما منحا رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو غطاء واسعاً ليفعل ما يشاء تحت شعار “حق”إسرائيل“في استخدام الوسائل المناسبة للدفاع عن نفسها” مع معرفة الجميع بأن هذه الوسائل تؤدي في الغالب الأعم إلى قتل المدنيين وتدمير بنية غزة التحتية ووسائل الحياة اليومية للغزيين .
والفارق بين التصعيد والتهدئة في لهجة أصدقاء “إسرائيل” ارتسم خلال الأيام الثلاثة الأخيرة ليتضح أن الخطط “الإسرائيلية” للحرب كانت مبنية على حسابات سرعان ما تبين أنها ضعيفة أو خاطئة، وأولها الاعتقاد بأن القبة الحديدية صارت جاهزة تماماً لحماية المنطقة المحصورة بين القدس وتل أبيب، حيث يقطن القسم الأكبر من “الإسرائيليين” وتتجمع أنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ليتبين بعد إطلاق مكثف للصواريخ أن وهم القبة أكبر من فعاليتها بما لا يقاس، وثانيها اعتقاد “إسرائيل” بأن مصر ستنضم إليها في معاقبة الفصيل الأهم في غزة، باعتباره منظمة إرهابية، بيد أن القاهرة بادرت إلى فتح معبر رفح، واعتبرت أن الحرب تشن على الشعب الفلسطيني، وليس على إحدى منظماته وبالتالي أيدت حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم، وثالثها الاعتقاد بأن “الربيع العربي” دمر البيئة العربية الحاضنة للقضية الفلسطينية وبالتالي صار بوسع “إسرائيل” قهر غزة وسط تهليل من أربع بقاع الأرض العربية، والواضح أن أصواتاً قليلة وضئيلة رحبت هنا وهناك علناً أو ضمناً بضرب غزة، ولكن هذه الأصوات بدت معزولة وضئيلة إلى حد أن أصحابها كفوا عن التحريض في اليوم الثالث للحرب .
ورابع الأسباب اعتقاد “إسرائيل” بأن المصالحة الفلسطينية تنطوي على تراجع التيار المقاوم ورهانه على المفاوضات وليس على المقاومة، وبأن الحرب على غزة يمكن أن تؤدب منظمة “الجهاد الإسلامي” و“الجبهة الشعبية” و“الديمقراطية” و“اللجان الشعبية”، وغيرها بيد أن الأيام الثلاثة الأولى للقتال بينت بوضوح أن العسكريين من كل المنظمات الفلسطينية لديهم حسابات واحدة تجاه “إسرائيل” وأن أحداً منهم لا يعمل تحت سقف المصالحة، إن كانت تعني التخلي عن المقاومة . وخامس هذه الأسباب يتعلق بوصول المفاوضات “الإسرائيلية” مع السلطة الفلسطينية إلى طريق مسدود، ما أدى إلى تحرير محمود عباس من الضغوط الغربية، وإطلاق يده في طلب الشرعية الدولية الكاملة لدولته، الأمر الذي شكل ضغطاً مهماً على حكومة نتنياهو وزاد في عزلتها، ناهيك عن توفر الظروف المواتية لانتفاضة ثالثة، ما كان بوسع الحكومة الصهيونية المعزولة تحمل نتائجها، فجربت الحرب على غزة لإعادة خلط الأوراق، وإعادة التموضع في الصراع على قاعدة الدفاع عن النفس والاستيطان معاً .
وسادس هذه العناصر الاعتقاد بأن الغرب المؤيد ل “إسرائيل” في كل حروبها كان مهيأ لتأييدها هذه المرة أيضاً من دون حرج، نظراً للتمزق الذي أصاب العالم العربي خلال السنوات القليلة الماضية وللمحاولة البائسة من بعض الأطراف في استخدام القضية الفلسطينية في الصراعات العربية الداخلية ومحاولة جرها الى هذا الاتجاه او ذاك .
بيد أن الأيام الثلاثة الأولى للحرب أطاحت هذه الحسابات، ووضعت الصهاينة وحلفاءهم في مواجهة خيارات أحلاها مر، وتنطوي كلها على انحدار الردع“الإسرائيلي” إلى مستوى أدنى بكثير من ذي قبل، ذلك أن خيار العملية البرية التي إن لم تفض إلى احتلال غزة، فإنها لن تفلح في منع إطلاق الصواريخ، ولن تؤدي إلى قطع طرق الإمداد عن القطاع، هذا إذا افترضنا أن بوسع “إسرائيل” احتلال القطاع مجدداً أو بوسعها البقاء فيه وهو أمر تكذبه وقائع عديدة . أما العملية البرية المحدودة على غرار عمليتي 2008 و2009 فما عادت مجدية نظراً للتحصينات والاستعدادات الفلسطينية التي اختبرها الصهاينة خلال عملية الانزال البحري في اليوم الخامس للحرب . تبقى العملية البرية الموضعية والخاطفة وهي إن نجحت لن تؤثر جوهرياً على معطيات الصراع، هذا إذا أهملنا الكلفة البشرية العالية في الجانب الصهيوني والكلفة الأمنية العالية أيضاً، حيث إن الطيران في مطار بن غوريون، على سبيل المثال، سيكون تحت رحمة صاروخ ينطلق في أي وقت من القطاع . أما خيار وقف النار من دون عملية برية فهو سيتم بشروط فلسطينية قد تزيد أو تقل، وفقاً للضغوط التي يمارسها الغربيون على أصدقاء المقاومة، بيد أن الحد الأدنى من شروط وقف النار سيكون بمثابة انتصار مدو للفلسطينيين . وإذا كان لا بد من استخلاص درس من حرب غزة الثالثة، فهو يكمن في عجز القوة “الإسرائيلية” الطاغية عن تحقيق أي من أهدافها المرسومة للحرب . إنه المنعطف الثاني المشرف في الذكرى الثامنة للحرب الصهيونية على لبنان .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178308

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2178308 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40