الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014

غزّة تحت النار

الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014 par راسم عبيدات

تعوّدت غزة على النار… صمدت وتصمد وجرّبت العدوان أكثر من مرة، وفي كل مرة تصمد ولا ترفع الراية البيضاء. صمدت بإرادة أهلها وشعبنا الفلسطيني. صمدت بمقاومتها وثباتها وبإمكاناتها الضئيلة التي لا تقارن بإمكانات العدو وقدراته العسكرية والاستخبارايّة واللوجستية وقوة نيرانه التدميرية وأحدث أنواع الأسلحة والتكنولوجيا. لكنّ ثمة أمة تصمت وتتواطأ وتشارك في العدوان على شعبنا وأمتنا ويجللها العار… غزة ترسم ملامح الطريق لفجر الحرية والخيار… فالموت بكرامة وعزة أفضل مليون مرة من مسلسلات العار. مسلسلات العار كلّها جربناها وخبرناها. ستة وستون عاماً على أبواب المؤسسات الدولية وعشرات القرارات الأممية ومئات المبادرات لم تُعِد لاجئاً واحداً إلى بيته في فلسطين. وعشرون عاماً من المفاوضات العبثية، جعلتنا فحسب مثل حمير الساقية ندور في الحلقة المفرغة نفسها، ويستغلها العدو لاستكمال مشاريعه ومخططاته في «الأسرلة» والتهويد وخلق الحقائق والوقائع على الأرض. هناك الحالمون بزيارة ما يسمى بجبل الهيكل ومتحف الهولوكوست والصلاة في الأقصى وزيارة القيامة تحت الاحتلال، وهناك الخارجون من جحورهم لتتفتق ذهنيتهم عن ألمعيتهم و«جهبذيتهم» بأن هذا قتل ودمار، ويذرفون دموع التماسيح لأهداف خبيثة ومشبوهة، ويشككون في المقاومة والخيار ويقولون لنا ما الفائدة من هذا الخيار؟ كان الشعوب على دروب النضال والحرية تقبل بمفاوضات ذل وعار أو استجداء وتمسّح على أبواب البيت الأبيض والسفارات الغربية والمؤسسات الدولية! فيتنام فاوضت والجزائر فاوضت، لكن من موقع القوة وفرضتا شروطهما بالمقاومة والنار.

لا وقت الآن للمناكفات أو المزايدات أو التحريض أو جني المكاسب وإعطاء الدروس والمواعظ والخطب على حساب الدم الفلسطيني، فالوحدة كانت دوماً أساس الانتصار. العدوان على غزة هو عدوان على شعبنا الفلسطيني، وفي زمن المد القومي كان عدواناً على الأمة كلّها، ولكن في زمن الخسة والنذالة، زمن ما يسمى بـ«الخلفاء» و«الربيع العربي» وتجار الدين هو عدوان فحسب على كل عربي شريف مقاوم، وما دون ذلك هو جزء من العدوان. من كان «ينبح» ليل نهار مصاباً بالسعار، ومَنْ وقف مع أميركا ضدّ سورية وأفتى لها سابقاً باحتلال ليبيا لم ينبس ببنت شفة حيال ما يجري في قطاع غزة من قتل وذبح لشعبنا. شيوخ وسلاطين وملوك وأمراء ورؤساء تحركهم أميركا مثل الدمى، «تنبحون» وقت تشاء أميركا، وتكشفون عوراتكم وقتما تريد. تدفعون الأموال لقتل شعوبكم وتدمير مقدرات أمتكم كيفما تشاء.

يريد العدو في حربه العدوانية الشاملة على شعبنا الفلسطيني على طول مساحة فلسطين التاريخية، الداخل الفلسطيني- 48 -، القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، أن يخلق وقائع جديدة ويحقق جملة من الأهداف. الذريعة عملية خطف ثلاثة مستوطنين في الخليل، ما زال الغموض يلف عملية خطفهم وقتلهم، كأنّه مخطط أُعدّ له منذ فترة غير قصيرة، لتنفيذ وتكريس مشاريع سياسية، مشاريع تصفي القضية الفلسطينية وتسقط نهائياً قضية اللاجئين والقدس، وتمنع إعادة التواصل الجغرافي بين جناحي الوطن. وهذا العدوان الذي بلغ ذروته الآن في الحرب على غزة، يحصل لأجل ذلك، وليرسم ملامح هذا المشروع السياسي الذي أجزم بأن ثمة من يتواطأ ويلعب دوراً فيه عربياً وإقليمياً ودولياً.

مهّد العدو لعدوانه على قطاع غزة بحرب شاملة على شعبنا في الضفة الغربية. اعتقالات بالجملة في حق المناضلين والأسرى المحررين. عمليات دهم وتفتيش وتكسير وإرهاب وتخويف. نسف بيوت وتدمير ممتلكات ومؤسسات عامة. إغلاق للمؤسسات ومنع مواطنين من حرية الحركة والتنقل والعمل. يشنّ أوسع عملية تنكيل وإذلال، ليركع شعبنا ويطوّعه ويصفي المقاومة ويعزلها عن بيئتها الحاضنة. وحصلت عملية خطف الفتى الشهيد محمد أبو خضير وتعذيبه وحرقه لتؤكد للعدو أن شعبنا الفلسطيني، تحديداً في القدس والداخل الفلسطيني، لم يغيّر انتماءه ولا ولاءاته، وما زال ممسكاً بقوة بهويته وانتمائه، مصمّماً على نيل حريته واستقلاله، إذ أربكت الهبات الجماهيرية غير المسبوقة في القدس والداخل الفلسطيني، حسابات العدو ومخططاته، وبدا في عدوانه الهمجي على شعبنا في قطاع غزة متخبطاً، فعلى رغم شدة الهجمات والغارات التي تشن على القطاع والتي بلغت حصيلتها حتى اللحظة أكثر من 75 شهيداً واكثر من 520 جريحاً، معظمهم من الأطفال والنساء، لم تنل من عزيمة شعبنا أو من إرادته. كذلك ردّت المقاومة الفلسطينية بشكل غير مسبوق على هجمات العدو وغاراته، رغم فداحة الخسائر، لتزعزع جبهته الداخلية وتضع أكثر من ثلاثة ملايين صهيوني في مرمى الصواريخ الفلسطينية، فيتملّكهم الرعب والخوف.

يريد العدو أن يصفي المقاومة الفلسطينية بجميع قياداتها العسكرية وأجنحتها وتشكيلاتها، كذلك السياسية منها، لينفذ مشروعه السياسي الذي مهّدا له بالوصول الى خيار «صفر صواريخ»، وهذا المشروع يمهد لخلق قيادة سياسية توفر للعدو منطقة عازلة وتقوم على حماية حدوده وإقامة كانتون او إمارة أو دويلة فلسطينية لا تشكل خطراً على وجوده لمئة عام مقبلة، أو الخيار والسيناريو الآخر وهو ضم قطاع غزة إلى مصر، وفي المقابل استمرار بقاء سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية بمهمات وصلاحيات بلدية، مقابل أن تستمر في التنسيق الأمني، أو يكون البديل عن ذلك ضم الاحتلال مناطق «سي»، أي 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وإلحاق ما تبقى بالإردن.

حتى اللحظة الراهنة يبدو أن العدو فشل في تحقيق أهدافه ولم تكن حساباته ورهاناته دقيقة، وجبهته الداخلية غير قادرة على تحمّل حالة الشلل والخوف والرعب والمكوث في الملاجئ التي تفرضه صواريخ المقاومة، لكن الأمور «رجراجة» وتحمل سائر الاحتمالات، فهذه حكومة لا تضمن بقاءها إلاّ بالحروب وعلى حساب الدم الفلسطيني، فقد تستمر في المقامرة وتوسيع دائرة الحرب على شعبنا الفلسطيني، والحرب قد تؤدي الى معادلات جديدة في المنطقة بحيث تنقلب الأوضاع في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني، أو تمتد الى أبعد من ذلك. لذا الآن الآن وليس غداً، على سلطة الحكم الذاتي في رام الله التوجه الفوري إلى المؤسسات الدولية لتوفير الحماية الدولية الموقتة لشعبنا، وحسم خياراتها بالانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية وبقية مؤسسات الأمم المتحدة بدلاً من حالة التردّد والإرباك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165325

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165325 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010