الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014

من التلويح بعلم الانتداب إلى إرهاب الدولة الصهيوني

الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014 par خميس بن حبيب التوبي

أما وقد أعلن حلف شمال الأطلسي ممثلًا بأبرز أعضائه وأبرز الحلفاء الاستراتيجيين لكيان الاحتلال الصهيوني عن مناقشة التهدئة بين كيان الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إنقاذًا لهذا الكيان المسخ الذي أقامته القوى الاستعمارية الامبريالية الغربية في لحظة زمن غادرة على أنقاض فلسطين التاريخية، فإن مشاعر مختلطة بين الفخر والإعجاب والخجل تنتابني وأنا أشاهد ما تسطره المقاومة الفلسطينية من مواقف بطولية وما تجترحه من مفاجآت للعدو الصهيوني بفخر الصناعة السورية والإيرانية من الصواريخ، ولا أدري هل القيادات السياسية لحركة حماس أعني وليس أجنحتها المقاومة تنتابهم هذه المشاعر؟
طبعًا ليس المقام مقام النبش في صفحات الماضي للوقوف على الأخطاء التي حصلت في لحظة انفلات وتغييب وغياب وعي قسري، وليس المقام مقام رش الملح على الجروح الغائرة المفتحة في غزة الصامدة جراء إرهاب الدولة الذي يمارسه كيان الاحتلال الصهيوني. إلا أنه من المهم تنشيط خلايا الذاكرة العربية في هذا الوقت بالذات الذي يشهد تمزيقًا ممنهجًا وإعادة رسم لخريطة المنطقة بأدوات عربية ـ للأسف ـ وبتخطيط صهيو ـ غربي. وذلك حين اختارت حركة حماس وتحديدًا قياداتها السياسية مسارًا ما كان عليها أن تسلكه، وربما عن عمد أو تعرضت لخديعة كان يفترض حضور العقل الوازن والقادر على قراءة الأحداث لحظة الاختيار، وذلك عندما قررت التخلي لدرجة التنكر عن سوريا التي كانت خير السند وخير الظهير للفصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس، وفي سبيل حماية هذه المقاومة ضحت سوريا بالكثير وقاومت كل وسائل الإغراءات وجميع ألوان الترهيب والترغيب، واليوم لا تزال سوريا تدفع ثمن موقفها من التزامها بنصرة فلسطين ودعم شعبها ومقاومته. والمؤسف أن بعضًا من قيادات حماس انخدع بمال عربي مغسول تفوح منه رائحة الخيانة والعمالة، وبوصول جماعة الإخوان في مصر إلى هرم السلطة، وبكلمات براقة كاذبة منافقة عن فلسطين أطلقها سلاجقة العصر، فتوهم هؤلاء القادة من حماس أن هؤلاء التجار في بازار المتاجرة والمزايدة على القضية الفلسطينية سيجلبون لهم فلسطين على طبق من ذهب دون إطلاق رصاصة واحدة مقابل تخلي حماس عن سوريا ومحور المقاومة، فوصل الانخداع ووصلت حالة الانبهار إلى درجة أن أخذ قادة حماس الموهومون يلوحون بعلم الانتداب الفرنسي بسوريا في محافل أصدقائهم ومحافلهم. ويومذاك قد كتبت أكثر من مقال عن هذا التحول الكبير والمدمر ومن بينها “سوريا .. حين تتنكر حماس لداعميها”، تطرقت فيه إلى أن حماس ستجني عواقب هذا الخطأ، ونبهت إلى أن نظام الإخوان في مصر زائل، وسوريا ومحور المقاومة باقيان، وحين يزول ستأتي لحظة المحاسبة.
وها هي هذه اللحظة نراها بأُم أعيننا، والصمود الذي تبديه المقاومة الفلسطينية وعنصر المفاجأة والإنجازات التي تبديها في الميدان، محولة قطعان المستوطنين إلى جرذان، بل محولة كيان الاحتلال الصهيوني إلى “غرفة الدرج”، كما نقلها ناصر اللحام مراسل قناة الميادين نقلًا عن تصريحات المحتلين تعبيرًا عن غضبهم وجبنهم وارتباكهم، كل ذلك نتيجة جهود مضنية قطعها الغيورون المقاومون والمدافعون الشرفاء في سوريا ولبنان وإيران، سواء عبر إمداد المقاومين الفلسطينيين بالصواريخ، أو بالخبرات وتكنولوجيا التصنيع. والسؤال الذي يطرح ذاته هنا: ماذا لو لم تتسبب حماس في توتير علاقتها بداعميها الحقيقيين الشرفاء؟ ألم يكن بحوزتها اليوم ترسانة صواريخ أكبر وخبرات قتالية أعلى بدل أن تستخدم ما علمها إياه داعموها من فنون قتال ومقاومة ضدهم؟
وإزاء هذا التطور اللافت لأساليب المقاومة الفلسطينية، يبحث حلف شمال الأطلسي ممثلًا في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبرلين الخطوات الكفيلة بإيقاف صواريخ المقاومة الفلسطينية، وليس من أجل الاتفاق على مطالبة حليفهم الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني بوقف إرهاب الدولة وجرائم الحرب التي يرتكبها بحق الأطفال والنساء والمسنين، ما يؤكد ازدواجية المعايير والتعامل بتشجيع إرهاب الدولة الصهيوني ودعمه واعتباره في إطار أكذوبة “الدفاع عن النفس”، وبدون تحفظ إدانة مقاومة المدنيين العزل الإرهاب والموت المجاني المنقول إليهم برًّا وجوًّا وبحرًا، ومن ثم الحديث عن البحث عن طرف ثالث تقبله حركة حماس ليطلب منها وقف إطلاق الصواريخ عن قطعان الجرذان المختبئة تحت الملاجئ. وتقول الولايات المتحدة إنها لا تزال تبحث عن الطرف الثالث ليتولى أمر الوساطة.
وفي اعتقادي أن مزاعم البحث عن الوسيط تأتي في إطار المراوغة لإطالة أمد الإرهاب الصهيوني وإفساح الوقت الكافي لآلة الإرهاب والحرب الصهيونية، علها تتمكن من ما يسعون إليه وهو تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، وما دام هذا هو الهدف فلا يهم أن يسقط مئات أو ألوف الفلسطينيين المدنيين العزل؛ لأن الأميركيين أولًا قادرون على التأثير في الموقف الصهيوني، وثانيا لأن الأميركيين والصهاينة يعلمون أن هناك ما يشبه القطيعة بين حماس والنظام المصري الجديد، فضلًا عن أن ثمة تقارير إعلامية تتحدث عن رغبة مصرية لتحجيم حركة حماس بدعوى تدخلها في الشأن المصري أثناء ثورة الثلاثين من يونيو وما تلاها من أحداث.
وأيًّا كان التقدير أو كانت الأسباب والحجج، فإن المسعى الصهيو ـ أميركي واضح وهو إعادة العلاقة بين مصر وحماس إلى سابق عهدها خلال نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وجعلها علاقة فاترة حينًا ومتوترة أحيانًا. وفي تصوري أن الإرهاب الصهيوني يمثل فرصة لمصر السيسي لأن تتدخل وتمنع هذا الإرهاب عن غزة، وتفتح معبر رفح وتداوي الجرحى وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية؛ وهذا من المؤكد سينعكس إيجابًا على جبهة سيناء والجبهة الداخلية؛ لأن القاهرة بحاجة اليوم إلى الهدوء والاستقرار، سواء في سيناء وتوقف الجماعات الإرهابية عن استهداف قوات الجيش والشرطة المصرية أو في المحافظات وتوقف المظاهرات للإخوان المسلمين.
كيان الاحتلال الصهيوني لم يخفِ أهدافه من استهداف المدنيين العزل في قطاع غزة، بل أعلنها صراحة ومنها إفشال المصالحة الفلسطينية وفك ارتباط حركة حماس بحركة فتح وفقًا لاتفاق المصالحة أو ما عرف بـ”اتفاق الشاطئ”، وضرب البنية التحتية لحركة حماس، بمعنى ضرب البنية التحتية للمقاومة، ولا يزال أمام هذين الهدفين عاجزًا، فعلى الرغم من موقف السلطة الفلسطينية مما يجري لا يزال الغزاويون متمسكين بالمصالحة وبحكومة الوفاق، وفي رأيي هذا أسلوب من أساليب المقاومة لوقعه النفسي والمعنوي على العدو، ولذلك يجب ألا يفشل أي فريق هذا الاتفاق، وما يتعلق بالبنية التحتية أصبح العدو الصهيوني تائهًا كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، فرغم أجهزة استخباراته وتجسسه وعدد عملائه على الأرض وطائرات التجسس والاستطلاع وغيرها لم يتمكن من معرفة مكان إطلاق الصواريخ، ولا مكان تخزينها، ولا غرفة العمليات التي تدير المعركة. لكن الأهم من كل ذلك هو أن هذه الأهداف لا يمكن عزلها عما يجري في المنطقة في العراق وسوريا؛ فهناك تكامل بين ما يسمى “داعش” و”جبهة النصرة” و”الجبهة الإسلامية” و”الجيش الحر” باعتبارها صناعة صهيو ـ أميركية بتعاون من قبل بعض العرب وسلاجقة العصر، وبين قاعدة الإرهاب المسماة “إسرائيل” لتحقيق المشروع الصهيو ـ أميركي في المنطقة لصالح كيان الاحتلال الصهيوني ولتأمين المصالح الغربية وتقسيم ثروات المنطقة بين القوى الاستعمارية الغربية المتحالفة مع كيان الاحتلال. ولهذا لا عجب أن تواصل تلك العصابات الإرهابية فعلها في العراق وسوريا وغيرهما، بالتزامن مع الإبادة الجماعية التي يمارسها كيان الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. ولو كان الأمر غير ذلك لما تعرضت حماس والمقاومة الفلسطينية لهذا الإرهاب مع أن حماس لا تزال تلوح بعلم الانتداب الفرنسي في سوريا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165536

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع خميس التوبي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165536 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010