الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014

اللاجئون ثمرة “الربيع العربي” المسلح

الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014 par د. عبد الاله بلقزيز

كثيرة هي المشكلات التي ولدتها هذه “الفوضى الخلاّقة”، التي يسميها الغربيون والإسلاميون “ربيعاً عربياً”، في قسم من البلاد العربية نُكب بها، كما في قسم آخر من جواره ألقت تلك النكبات عليه بعضاً كثيراً من آثارها والتداعيات .
يمكن الحديث، هنا، عن مشكلات أمنية تبدأ من تدفق السلاح والمسلحين، على البلدان المنكوبة بتلك الفوضى المعممة، ولا تنتهي بتسرّب أعداد كبيرة منهم إلى دول الجوار، بما فيها تلك التي كانت محطة لاستقبالهم من أصقاع الأرض ومعبراً لهم إلى مقصدهم “الجهادي” . وإذا كانت البلاد التي وقعت عليها الفوضى قد تأذت، غاية الإيذاء، من هؤلاء في استقرارها، واقتصادها، وأمنها الاجتماعي، ووحدة نسيجها الوطني، وأرواح الآلاف من جنودها ومواطنيها، فإن جوارها ليس بعيداً من احتمال أن تنتقل إليه عدوى التفكيك لأن هذا يسري في الأوصال مثل الوباء الفتاك .
ويمكن الحديث، أيضاً، عن مشكلات اقتصادية يصل مداها، في البلدان التي وقعت عليها استراتيجية “الفوضى الخلاّقة”، إلى الانهيار الشامل للقدرة الإنتاجية، وإلى الشلل الكامل لما تبقى “سالماً” من مؤسساتها غير المدمرة وغير المنهوبة، وإلى الفقدان التام للأمن الغذائي، والارتفاع الفاحش في أسعار مواد الاستهلاك، وشحّتها والخصاص الفادح فيها، وإلى انهيار قيمة العملة الوطنية وتناقُص المدّخرات من العملات الأجنبية . . إلخ . ولكن المشكلات عينها تنعكس على دول الجوار، وإن بنسبة أقل، تنعكس على تجارتها - تصديراً واستيراداً - مع الدول المنكوبة ب“الربيع العربي” المسلح، مثلما تنعكس على مصالحها الاقتصادية المنظمة - مع الدول المنكوبة - بموجب اتفاقيات مبرمة عطلتها الحروب الأهلية، وعلى مصالح الشركات والقطاع الخاص فيها وما لديه من استثمارات في الجوار المنكوب .
غير أن أسوأ المشكلات، التي أنجبها هذا “الربيع العربي” المسلح، على الإطلاق هي مشكلة النازحين في وطنهم واللاجئين في الجوار العربي . وهي ترقى إلى المأساة، بجميع معايير المأساة، بالنظر إلى حجم المعاناة التي يعيشها ملايين المنكوبين بها، كما بالنظر إلى الذيول والتبعات التي تُلقيها على دول المَوْطن ودول الجوار على حد سواء .
من النافل القول إن النازحين واللاجئين هم ثاني ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة بعد القتلى، إذ هي تصيبهم في دورهم ومناطق سكناهم، فتشردهم عنها إلى مناطق أخرى “آمنة”: في البلد أو في الجوار، وأحياناً في أصقاع من الأرض بعيدة . وإذا كانت أطراف النزاعات الداخلية توظف مسألة اللاجئين ورقة سياسية ضد بعضها، أو ضغطاً على الجوار لدعم فريق في النزاع أو لرفع الدعم عنه، فإن بعض دول الجوار قد ينساق - في لحظة تصرف قصير النظر - إلى استثمار قضية اللاجئين لتشويه صورة الدولة التي التجأ منها هؤلاء اللاجئون، أو من أجل تخاذهم قاعدة اجتماعية حاضنة لمعارضات مسلحة ضد النظام في تلك الدولة، قد ينجح هذا أو ذاك أو ذلك في تحصيل ثمرات من ذلك التوظيف السياسي لمسألة اللاجئين، وقد ترتد عليه سلباً، لكن الأمر الوحيد الذي ليس فيه شك أن طرفاً وحيداً يدفع الثمن من مأساة اللجوء، ومن استثمار المستثمرين فيها، هو اللاجئون .
في ليبيا، اليوم، قرابة رُبع السكان لاجئون، وفي سوريا تصل نسبة النازحين واللاجئين إلى الثلث . على المرء أن يتخيل هذه الكمية الخرافية من اللاجئين العرب الجدد، التي لا تعادلها في الحجم سوى نسبة اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة واغتصاب فلسطين . وعليه أن يتصوّر مقدار المعاناة التي تعيشها هذه الكتلة اللاجئة والنازحة في مواطن النزوح واللجوء، وتعيشها معها مجتمعات الاستقبال ودوله . سيولَد وسيكبر ملايين الأطفال خارج وطنهم أو ديارهم! سيعيشون في شروط من البؤس كانوا في غنى عنها، ولن يتلقوا التعليم الكافي ولا الغذاء الكافي، حيث لا أحد سيعتني بأمرهم - بما في ذلك منظمات اللاجئين الدولية - ولن يهم دول الاستقبال سوى أن تراقبهم “إرهابيين” محتملين! وقد يمر زمن طويل قبل أن تجد مشكلتهم طريقها إلى التسوية: التي لن تُعيد إليهم حقوقهم التي فقدوها منذ خُلقت أزمة اللجوء .
مَن صَنَع هذه الأزمة: النظام؟ المعارضة؟ دول الجوار الراغبة في سقوط النظام؟ دول الغرب؟ . . إلخ .
المتهمون كُثر لأن اللاجئين باتوا ورقة سياسية للاستخدام . وليس يعنينا، هنا، البحث في هذا السؤال، الذي ينبغي البحث فيه في كل حال، لكن الذي نعرفه أن هؤلاء اللاجئين كانوا - إلى عهد قريب - مواطنين آمنين في بلدانهم، حتى في ظل حكم نظمهم الاستبدادية، ولم يدفعهم الاستبداد إلى اللجوء .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2166084

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالإله بلقزيز   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166084 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010