الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014

لا عزاء للغزيين

الاثنين 14 تموز (يوليو) 2014 par د.عبدالله السويجي

لا غرابة أن تكون غزة وحدها، تقارع أعتى ترسانة عسكرية في المنطقة العربية، وتشيّع شهداءها من دون صراخ أو عويل، ومن دون إطلاق صيحات استغاثة للعرب والمسلمين .
ولا غرابة أيضاً، أن تقوم دولة الكيان الصهيوني بشن حرب إجرامية لا هوادة فيها، تتعمّد قصف الشوارع والمنازل والمزارع، فتقتل المدنيين بقلوب باردة، وتستهدف الأطفال كوحوش برية كاسرة ظمأى للدم البشري .
ولا غرابة أيضاً، ألا يصدر بيان عربي موحد يشجب هذا العدوان الهمجي، وأن تلجأ جامعة الدول العربية إلى مجلس الأمن تناشده للتدخل لوقف المجزرة القبيحة ضد الشعب الفلسطيني، بينما منظمة المؤتمر الإسلامي تلتزم الصمت المدقع .
ولا غرابة ألا تتحرك أصوات المثقفين والمفكرين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، واتحادات الأدباء والكتاب والفنانين، وأن تبقى مشغولة في تنظير لا طائل من ورائه سوى العبث بالكلمات والأفكار .
وكأن غزة منطقة تقع في مجاهل الأمازون، أو في أبعد نقطة في القطب المتجمد الشمالي، أو كأنها لا تتحدث اللغة العربية ولا يصوم أهلها في رمضان، وكأن أهلها فوج جراد يجب رشه بالمبيدات من دون إحساس أو مسؤولية .
لا غرابة في كل ذلك، بعد أن لمسنا ورأينا وقرأنا ما أفرزه (الربيع العربي) من نتائج مذهلة أضاعت البوصلة التي كانت تشير، ولو على استحياء، إلى فلسطين، وفجّرت الحروب المذهبية والطائفية والعرقية في المجتمعات العربية، وتمهّد الآن إلى تقسيمات إجرامية ستفضي، إذا ما تحققت، إلى دويلات هلامية وكيانات مسخ لا حول لها ولا قوة، تقتات على المانحين غير العرب، وعلى هبات الأمم المتحدة ومنظماتها الخيرية، لتتحول فئات جديدة من الشعب العربي إلى متسولين جدد على أبواب المؤسسات الخيرية التابعة للدول المتقدمة، تضاف إلى ملايين اللاجئين الموزعين في أقطار العالم كافة، حتى أصبحت الدول غير العربية (الحضن الدافئ) والقلب الرحوم، الذي يعطف على النازحين . نازحون من سوريا والعراق والسودان والصومال واليمن وتونس وليبيا وفلسطين، نازحون ضاقت بهم بلادهم وهربوا من بطش السلطات قديماً، ثم من بطش المنظمات والأحزاب والمليشيات والألوية التي طرحت نفسها بديلاً عن (الدكتاتورية)، نازحون هاربون من الذبح والجوع والفقر والسجن والبرد والحر، نازحون أصبحوا مادة للتسول والاستغاثة والإغاثة وجمع التبرعات، نازحون أصبحوا عرضة للاتجار بأعراضهم وكرامتهم وحاضرهم ومستقبلهم، نازحون ينظرون إلى المستقبل بعيون التشاؤم ومناظير اليأس والكآبة .
لن نتحدث عن عدد الشهداء الذين سقطوا في غزة، ولا عن عدد المنازل التي تهدمت فوق رؤوس ساكنيها، ولا عن النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات، ولا عن النقص في الوقود، كل ذلك كان يجري قبل العدوان الأخير على غزة، كان يجري بطريقة الذبح الهادئ والقتل الصامت والخنق الناعم، والحصار المعلن .
ولن نتحدث عما ستؤول إليه الأوضاع في غزة، أو عن سيناريوهات الحرب واحتمالات تصعيدها لتصبح برية، فربما تكون الحرب البرية قد وقعت الآن وفي هذه اللحظات، لن نتحدث عن ذلك، لأن سيناريو القتل سيتكرر حتى لو تم التوصل إلى هدنة، فمن غير المسموح للفلسطيني أن يحمل بندقية غير مسجلة في وزارة الداخلية الصهيونية، ومن غير المسموح أن يتحرك مسلح في الشارع الفلسطيني من دون علم السلطات الصهيونية، المسموح فقط أن يرمي الفلسطينيون أسلحتهم ويجلسوا إلى طاولة المفاوضات يتلقون الأوامر وحبوب التخدير، وأن تستمر هذه الجلسات إلى ما لا نهاية، المسموح أن يبقى الفلسطينيون تحت الحصار في غزة، وتحت رحمة الذئاب البشرية في الضفة الغربية، وتحت سيف التهجير في فلسطين ال48 . المسموح أن يبقى الفلسطيني تحت رحمة شيء ما، أو أحد ما، حتى يبقى يطلب العون والمساعدات التي لا تسد الرمق ولا تغني من جوع، المسموح أن يهاجر الفلسطيني من أرضه ويتوقف عن المطالبة بدولة مستقلة، وأن يعترف بيهودية الدولة الصهيونية، وأن يرضى بحكم ذاتي هزيل تحت وصاية الأمن الصهيوني وجيش الدفاع الصهيوني العنصري .
غزة خسرت تأييد الأنظمة العربية التي كانت تساندها قبل (الربيع العربي)، وخسرت تأييد (خلفاء) تلك الأنظمة، الذين وضعوا أولوياتهم في صراعهم مع الآخرين، وأهم أولوية تكمن في محاربة (المنافقين والأفاقين والمرتدين والكفار)، وبعد الانتهاء من هذه (الحرب المقدسة) ينظرون في أمر الكيان الصهيوني، فمواقعهم الإلكترونية وتغريداتهم وتصريحاتهم الأخيرة تقول إن القرآن لم يأمرهم بمحاربة “إسرائيل”! وأمرهم أن (ينظفوا) البلدان العربية من المرتدين والكفار والأفاقين والمنافقين .
على غزة إذاً، وبعد قليل الضفة الغربية، ألا تطلب المدد من أحد، فالعواصم (أذن من طين وأخرى من عجين)، مشغولة بكأس العالم لكرة القدم، تبكي على إصابة (نيمار) أكثر من محمد أبو خضير الذي أُحرق حياً، وتلطم وجوهها وتشد شعرها حزناً على هزيمة فريق البرازيل أكثر من قتل المسنين وهدم المنازل والمستشفيات في فلسطين، وهي مستعدة للسهر حتى الصباح لمتابعة ركلات الترجيح بين هولندا وألمانيا من دون أن تكون لديها القدرة على الاستماع إلى نشرة أخبار لمتابعة الأوضاع في غزة .
الإعلام العربي (الشهم) مشغول بالمسلسلات العجيبة الغريبة المملوءة بقصص الخيانة والاتجار بالبشر، ومشغول بالتحليلات الرياضية، وبالكوميديا المنحطة السطحية، وبالسهرات الفنية، فما يجري في غزة (يسد النفس)، والمشاهد العربي في حاجة ماسة إلى (فاتح شهية)، والمشاهد التي تنقلها القنوات الفلسطينية الفضائية والمواقع الإلكترونية تسبب القلق والرعب والخوف والهزيمة، والمشاهد العربي في حاجة شديدة إلى حبة منوّم، فأمامه سهر في اليوم التالي، إما في خيمة رمضانية حيث العود والأغاني العاطفية، وإما في البيت لمتابعة (التانغو) الأرجنتيني و(السامبا) البرازيلي، ثم أنه قد ملّ من السياسة والسياسيين، فهم يقولون ما لا يفعلون .
لا بكاء على غزة، لأن غزة لا تبكي على نفسها، ولا حسرة على غزة، لأن غزة لا تتحسر على نفسها، ولكن، لنبك قليلاً على أنفسنا، ونتحسر بعض الوقت على مستقبلنا، ولتستعد جامعة الدول العربية لزيادة المقاعد، فقريباً، سيتجاوز عدد أعضاء الجامعة الثلاثين عضواً، وربما تكون (دولة غزة) من ضمنهم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2179038

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالله السويجي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2179038 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40